منتديات الونشريسي التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
دخول
بحـث
نتائج البحث
بحث متقدم
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
11660 المساهمات
3413 المساهمات
3332 المساهمات
3308 المساهمات
2855 المساهمات
2254 المساهمات
2058 المساهمات
2046 المساهمات
1937 المساهمات
1776 المساهمات
تدفق ال RSS

Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 
كود انت غير مسجل
مرحبا أيها الزائر الكريم, قرائتك لهذه الرسالة... يعني انك غير مسجل لدينا في المنتدى .. اضغط هنا للتسجيل .. ولتمتلك بعدها المزايا الكاملة, وتسعدنا بوجودك
facebook1
iframe
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    اذهب الى الأسفل
    مَحمد باي
    مَحمد باي
    عضو جديد
    عضو جديد
      : مع المعلمين10 15781610
    ذكر
    عدد الرسائل : 67
    العمر : 50
    العمل/الترفيه : معلم مدرسة ابتدائية

    احترام قوانين المنتدى : مع المعلمين10 31010
    تاريخ التسجيل : 05/09/2009
    مع المعلمين10 Aoiss

    مع المعلمين10 Empty مع المعلمين10

    الثلاثاء 22 ديسمبر 2009, 20:57
    39_ العناية بالنصيحة وأساليبها:

    فللنصيحة منزلة عالية في دين الإسلام؛ فالدين هو النصيحة كما جاء ذلك في حديث تميم الداري ÷ أن النبي " قال: =الدين النصيحة ثلاثاً+ قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: =لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم+.([1])

    والتقصير في النصيحة لا يجوز من أي مسلم، فضلاً عن معلم الناس الخير؛ فمن المعلمين مَنْ يظن أن مهمته تقتصر على إكمال المقرر، وإعداد دفاتر التحضير، وحشو الأذهان بالمعلومات.

    وإذا قصر بشيء من ذلك شعر بالتقصير، وتأنيب الضمير.

    ولا ريب أن التقصير في مثل هذه الأمور خلل ينبغي للمعلم تفاديه.

    ولكنَّ الخللَ الأكبرَ هو التقصير في توجيه الطلاب ونصحهم؛ وإلا فما الهدف من التعليم إلا تزكية الطلاب، وتربيتهم على الكمالات، مع معالجة ما هم فيه من الانحرافات؟

    ولهذا كان لزاماً على المعلم أن يُعنى بالنصيحة وأساليبها؛ فالمعلم المخلص يزرع بين طلابه نصائحه، فيرد النادَّ منهم عن المحجة برفق، ويالقيوده بزمام الحجة إلى حظيرة الحق.

    والطلاب يرتاحون لنصح المعلم الأمين ارتياحَ الربى لقطر الهواتن، ويسيغونه إساغة الظمآن للماء القراح.

    ومما تجدر الإشارة إليه أن يراعي المعلم أساليبَ النصيحة حسب ما تقتضيه المقامات، ومقتضيات الأحوال؛ ذلك أن الناصح في دين الله يحتاج إلى علم وعقل، وروية حسنة، واعتدال مزاج وتؤدة، وإن لم تكن فيه هذه الخصال كان الخطأ أسرع إليه من الصواب.

    وما من مكارم الأخلاق أدقُّ ولا أخفى، ولا أعظم من النصيحة.([2])

    ومما يحسن مراعاته في النصيحة ألا يملَّ المعلم من إسدائها، وألا ينصح على شرط القبول؛ فلربما وجدت آذاناً مصيخة، وأفئدة مصغية ولو بعد حين؛ فلا يحسن به إذاً أن يمل؛ لشعوره بعدم جدوى النصيحة، أو لبغضةٍ يراها مِنْ بعضِ من تُوَجَّه إليهم.


    وكم سقت في آثارهم من نصيحة



    وقد يستفيد البَغْضَةَ المتنصح



    قال ابن حزم ×: =لا تنصح على شرط القبول، ولا تشفع على شرط الإجابة، ولا تهب على شرط الإثابة، لكن على استعمال الفضل، وتأدية ما عليك من النصيحة، والشفاعة، وبذل المعروف+.([3])

    ومما يدعو لقبول النصيحة أن تتنوع طرقها وأساليبها، فمن تلك الأساليب استعمال النصيحة الخاصة؛ فالطالب يلمس من خلالها الشفقة، وتستطيع أن تقول فيها ما لا تستطيع قوله في العامة.

    ومن الأساليب الناجعة استعمالُ المداراة في النصيحة؛ فذلك من جميل النصح.

    والمداراة ترجع إلى حسن اللقاء، وطيب الكلام، والتودد للناس، وتجنب ما يشعر بغضب أو ملالة، كل ذلك من غير ما ثلم للدين في جهة من الجهات.

    قال ابن بطال ×: =المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، وترك الإغلاظ عليهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة+.([4])

    وإليك نبذةً من استعمال المداراة في النصيحة.

    أ_ من المداراة في النصيحة أن تثني على الطالب بما فيه إذا قصدت بذلك أن تحمله إلى ما هو أرفع، وأن تقصره عما هو فيه من القبيح.

    ب_ ومن ذلك أن تذكر الطلاب بسالف أمجاد المسلمين؛ حتى تبعثهم إلى اتباعهم، والسير على منوالهم.

    جـ _ ومن ذلك أن تذكر الطالب بسلفه هو، سواء كان أباه، أو جده، إذا كان ذلك السلف ذا فضل وعلم؛ فإن تَرَدُّدَ اسم سلفه الفاضل على سمعه مما يثير همته، ويرهف عزمه لأن يظفر بما ظفر به سلفه من منزلة شامخة، وذكر مجيد.

    د_ ومن المداراة في النصيحة أن تثير في الطلاب نخوتهم وشيمتهم ومروءتهم.

    هـ _ ومن ذلك أن تَعْمَدَ إلى إلقاء النصيحة بين الطلاب؛ فلا تستهل حديثك بمواجهتهم بما يكرهون؛ خشية نفورهم وإعراضهم.

    وإنما تبتدئ بما يخف عليهم سماعه من المعاني الحائمة حول الغرض، ثم تعبر عن المعنى المراد بلفظ مجمل، ثم تدنو من إيضاحه شيئاً فشيئاً، حتى لا تُفصح عنه إلا وقد ألفته نفوسهم، وهدأت إليه خواطرهم؛ فذلك التدرج من حسن السياسة وجميل المداراة.

    و_ ومن المداراة بالنصيحة أن تُعَرِّض بالشيء، وأنت تريد غيره، من باب قول العرب في المثل المشهور: =إياكِ أعني واسمعي يا جارة+.([5])

    مثال ذلك: أن تتعمد طالباً بالنصيحة، فتخشى بادرةَ غضبه إن أنت كاشفته بخطئه، فتسلك في نصحه سبلاً أخرى دون أن تثير غضبه، أو تمسَّ كبرياءه، أو أن تخجله؛ لكونك اطلعت على خطئه، فبدلاً من مواجهته مباشرة بإمكانك أن تداريه، وتوصل له ما تريد بعدة طرق لا يشعر معها أنك تريد نصحه.

    ومن تلك السبل أن تذكر له حالة أخرى مشابهة لحالته، وقد حدثت لشخص آخر وقع فيما وقع فيه صاحبك من خطأ، ثم تخلص إلى ذم ذلك الخطأ، وتقبيحه، والتنفير منه، والتحذير من الوقوع فيه.

    كأن تقول له: إن أحداً، أو فلاناً من الناس يتعاطى الدخانَ، والدخان فيه كذا وكذا، ويخشى عليه إن لم يترك الدخان أن يقع له كذا وكذا، ثم تبدأ بذم الدخان، وتقبيحه.

    ومن تلك السبل أن تستشير الذي وقع في خطأ في كيفية علاج ذلك الخطأ، فتقول له: إن كثيراً من الطلاب قد وقعوا في بعض الأخطاء، فما رأيكم إن كانوا مجموعة في كيفية علاج ذلك الخطأ، ثم تنفذ من خلال ذلك إلى التحذير من الخطأ.

    ومن تلك السبل أن تستحث من وقع في خطأ ما على نصح فلان من الناس سواء كان ذلك زميله، أو أخاه الصغير أو غيرهما، فتقول لذاك: انصح أخاك أو زميلك؛ لعله يتقبل منك، ويقلع عن ذلك الأمر، ثم تبين له وجه ذلك الخطأ وسبل علاجه.

    إلى غير ذلك من الطرق المناسبة التي لا تريد من خلالها سوى لفت نظر منصوحك، وإشعاره بخطئه من طرف خفي.

    ز_ ومن المداراة في النصيحة أن تثني بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله؛ فهذا داعية إلى الإحسان وترك الإساءة.([6])

    ح_ ومن المداراة في النصيحة أن تعرف أن ناساً بأعيانهم قد وقعوا في مخالفة ما، فترغب في إرشادهم، ولفت أنظارهم إلى خطئهم، فتتحامى ذكرهم بأعيانهم، خشية نفورهم أو إحراجهم، أو إعراضهم فتلجأ إلى التعريض من باب: =ما بال أقوام+

    فتشير إلى أن هناك ملاحظةً حول أمر ما، وهي كذا وكذا، أو تقول: إن ناساً يعملون كذا وكذا وهم مجانبون للصواب، والدليل كذا وكذا.

    ويومئ إلى هذا الأسلوب ما كان يفعله النبي " عندما يبلغه أن بعض أصحابه قد وقعوا في خطأ ما، فيسلك _عليه الصلاة والسلام_ هذا الأسلوب في علاجهم أحياناً.

    جاء في صحيح البخاري أن النبي " قال: =ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة+([7])

    وقال: =ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله+.([8])

    وقال: =ما بال دعوى الجاهلية+([9])

    وقال: =ما بال العامل نبعثه، فيأتي فيقول: هذا لك وهذا ...+.([10])

    وبالجملة فالمدارة خصلة شريفة، يُحْكِمُها الأذكياء، ولا يتعدى حدودَها الفضلاء؛ فهي ترجع إلى ذكاء الشخص وحكمته؛ فهو الذي يراعي في مقدارها وطريقتها ما ينبغي أن يكون.

    40_ الحزم من غير عسف:

    فمما ينبغي للمعلم أن يتصف به، ومما يدل على نجاحه في أداء مهمته _أن يكون حازماً جاداً؛ لأن في الحزم ضبطاً للطلاب، وكبحاً لما عندهم من جماح، كما أن فيه حفظاً للوقت، وإبقاءً لهيبة المعلم والعلم.

    ومما يعين المعلم على الحزم أن يكون حازماً مع نفسه.

    ومن حزمه مع نفسه أن يعد الدرس جيداً، وأن يلقيه كما ينبغي.

    فإذا أعد الدرس جيداً، وألَمَّ بكل شاردة وواردة فيه _كان من أثر ذلك عليه وثوقُ الطلاب بما يقول، وظهور التجديد فيما يعمل، وتنويع الدرس على ما يحب.

    وإذا ألقى الدرس كما ينبغي _كأن يربطه بالدروس السابقة، ويسيرَ فيه خطوةً خطوة، ثم يلخصه بطريقة الأسئلة _ملأ الوقت على الطلاب، فلم يَعُدْ فيه فراغٌ لعبث عابث، ولا تجني سفيه.

    وإذا حرك أذهانهم بالتشويق، والتطبيق، والسؤال _لم يصبهم سأم ولا ضيق.

    ومن هنا يُشغل المعلمُ طلابَه عن أنفسهم وعن نفسه، فلا يفرغون لاصطياد نكتة، ولا لالتماس غميزة؛ إذ ليس أعون للمعلم على حفظ نظام الفصل من ملء الوقت بالمفيد الممتع، ولا أضمن لجودة شرحه، وحسن استماع التلاميذ من فهم الموضوع وجودة إلقائه.

    ومما يعينه على الحزم ألا يسمح لطالب بأن يسيء للفصل أو لأحد من زملائه.

    ومن ذلك أن يتابعهم في واجباتهم، وأن ينجز الوعد إذا وعد أحداً من تلاميذه.

    وبالجملة فالحزم مطلوب، وهو من علامات النجاح، ومن مقومات المروءة، بشرط ألا يصل إلى التسلط والاستبداد، والشدة المفرطة، والصرامة المتعدية لأطوارها؛ لأن تلك الطريقة تفسد الجيل، وتغرس فيه رذائل مهلكة؛ إذ تسلب من الطالب جميع عزائمه وسائر إرادته، وتحمله على الكذب والنفاق، وتغرس فيه الجبن والخور، وتُبَغِّض إليه العلم والقراءة، كما أنها تحول بينه وبين عزة النفس، وما يتبعها من قوة الجأش، وأصالة الرأي، وإرسال كلمة الحق عندما يقتضيها المقام؛ فيكون ألعوبة بين معاشريه كالكرة المطروحة يتلقفونه رجلاً رجلاً، وآلة يستعملونها فيما يشتهون.

    ولئن كانت الشدة مطلوبةً مع بعض النفوس التي لا يَرُدُّ جماحَها غيرُ الشدة _فإن من النفوس ما لا يأسرها إلا الجميل من القول، ولا يُرَدُّ جماحها إلا بزمام الرفق والملاطفة، وهذا ما سيتبين في الفقرة التالية.([11])

    41_ الرفق من غير ضعف:

    وكما يحسن الحزم، فكذلك يحسن الرفق واللين، قال النبي _عليه الصلاة والسلام_: =إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله+.([12])

    وقال: =إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه+.([13])

    فيجمل بالمعلم أن يكون رفيقاً بطلابه، رحيماً بهم، مشفقاً عليهم، محسناً إليهم، صابراً على بعض ما يصدر من جفائهم وسوء أدبهم.

    ولا يعني ذلك ترك الحبل على الغارب للطالب، فلا يؤمر ولا ينهى، ولا يؤدب ولا يعاقب؛ بحجة رحمته، والرفق به.

    لا، ليس الأمر كذلك؛ فترك تأديبه وتوجيهه خطل وخلل، وخرق وجهل، وتفريط وإضرار.

    وذلك مما ينمي فيه الميوعة، ويقتل منه الرجولة.

    والحكمة تقتضي أن يكون المعلم حازماً من غير عسف، ليِّناً رفيقاً من غير ضعف؛ فالحزم والرفق رضيعا لبان، يجتمعان ولا يتنافيان.

    وبالجملة =فالتربية النافعة ما كانت أثراً لمحبة يطفئ البأس شيئاً من حرارتها، وصرامة تلطف الشفقة نبذة من شدتها+.([14])

    42_تربية الطلاب على الكمالات:

    فمن أهم ما تؤدى به رسالة التعليم أن يحرص المعلمون على تربية طلابهم على كريم الخلال وحميد الخصال، مع الحرص الشديد على تجنيبهم ما ينافي ذلك من مساوئ الأخلاق ومرذول الأعمال؛ فإن لذلك الصنيع أبلغ الأثر في نفوس الطلاب؛ فبسببه ينشؤون محبين للفضيلة، متعشقين للبطولة، متصفين بمعالي الأمور ومكارم الأخلاق، مبغضين لسفساف الأمور، نافرين من مساوئ الأخلاق.

    قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصاياه للمعلمين: =أنتم حراس هذا الجيل، والمؤتمنون عليه، والقوَّامون على بنائه، وأنتم بناةُ عقوله ونفوسه؛ فابنوا عقوله على أساس من الحقيقة، وابنوا نفوسه على صخرة من الفضائل الإنسانية، وأشربوه عرفان قيمتها؛ فإن من لم يعرف قيمة الثمين أضاعه، وقد غُبِنَتْ هذه القيمُ في عصركم فكان ما ترون من فوضى واختلاط.

    ربوهم على ما ينفعهم، وينفع الوطن بهم؛ فهم أمانة الوطن عندكم، وودائع الأمة بين أيديكم.

    ربوهم على التحاب في الخير، والتآخي في الحق، والتعاون على الإحسان، والصبر إلا على الضيم، والإقدام إلا على الشر، والإيثار إلا بالشرف، والتسامح إلا بالكرامة+.([15])

    وقال × في موضع آخر: =ربوهم على الفضائل، ربوهم على الرجولة وبعد الهمة، وعلى الشجاعة والصبر، وعلى الإنصاف والإيثار، وعلى البساطة واليسر، وعلى العفة والأمانة، وعلى الاستقلال والاعتداد بالنفس، وعلى العزة والكرامة، وعلى التحابب والتسامح+.([16])

    هذا وقد مضى شيء من ذكر تلك الكمالات، وسيأتي مزيد بيان لذلك فيما يلي من وقفات.

    43_تربيتهم على الاعتزاز بالدين:

    فأجل ما يربى عليه الطلاب أن يربوا على الدين القويم، والعقيدة الصحيحة؛ حتى ينشأوا معتزين بالإسلام لا يرضون به بدلاً، ولا يبغون عنه حِولاً.

    وإن مما لا يقبل جدلاً ولا حواراً أن من اتفق له في كِنِّ الصبا، وخِدر الغرارة أن يربى على أدب الشريعة البيضاء، حتى يتعود وتصبح تلك الآداب له ملكة وسليقة _كان هو السعيد الكامل، وما عليه إلا أن يكثر من حمد الله على تلك الموهبة العظيمة، والمنة الجليلة.

    وإن من تربيتهم على الاعتزاز بالدين أن يقادوا بزمام التربية إلى مواقع العبر من تاريخهم، وإلى مواطن القدوة الصالحة من سلفهم، وإلى منابت العز والمجد من مآثر أجدادهم الأولين.

    قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ×: =ربوهم على أن يعيشوا بالروح في ذلك الجو المشرق بالإسلام وآدابه وتاريخه ورجاله، ذلك الجو الذي يستوي ماضيه ومستقبله في أنهما طرفا حقٍّ لا يشوبه الباطل، وحاشيتا جديدٍ لا يبليه الزمن.

    وعلى أن يعيشوا بالبدن في الزمن الذي يدين بالقوة، ويُدِلُّ بالبأس، وعلى أن يعيشوا بالروح في ذلك الزمن المشرق العامر بالحق والخير والفضيلة، وعلى أن يلبسوا لبوس عصرهم الذي يبني الحياة على قاعدتين: إن لم تكن آكلاً كنت مأكولاً؛ وكن قوياً تحترم+.([17])

    وإذا وصلت التربية الدينية إلى النفوس من طريقها الصحيح، وقام على التربية معلمون ربانيون مخلصون _رسخت الفضائل في نفوس الطلاب، وقرَّت بها قرار ذات الصدع تحت ذات الرجع، فلا ترى من جرَّاء تلك التربية إلا حياء وعفافاً، وأمانة وصدقاً، واستصغاراً للعظائم، وغيرة على الحقائق والمصالح، وما شئت بعدُ من عزة النفس وكبر الهمة.

    تلك الخصال التي لا تنبت أصولها، ولا تعلو فروعها إلا أن يتفيأ عليها ظلال الهداية ذات اليمين وذات الشمال.

    وكم أخرجت مدارس الإسلام، ومجالس القوامين على هدايته من رجال يلاقون الأسود فيصرعونها، ويجارون الرياح فيسبقونها، يخفضون أجنحتهم؛ تواضعاً للمستضعفين، ويرفعون رؤوسهم؛ عزة على الجبارين، تعترضهم الأخطار فيخوضون غمارها، وتعتل عقول أو قلوب فيضعون الدواء موضع عللها، عدل كأنه القسطاس المستقيم، وسخاء كأنه الغيث النافع العميم، وحرص في طلب العلم وإن كان بمناط الثريا، وطموح إلى المعالي وإن انتبذت وراء الفلك الدَّوَّار مكاناً قصيًّا.([18])

    44_ تربيتهم على نبذ التقليد الأعمى:

    لأن من الطلاب من يَكْلَفُ بذلك، وأقبح ما في هذا تقليد الكفار في توافه الأمور، ومساوئ الأخلاق، كتقليدهم في الملبس، وتصفيف الطُّرَرِ، وقص الشعور؛ ظناً منهم أن هذا الصنيع رقي وتطور.

    وهذه حقيقة تغيب عن أذهان فئة من الشعوب الآخذة بالنهوض؛ فإذا رأوا أمة ذات معارف وسطوة تهافتوا على محاكاتها من غير تدبر واحتراس.

    وربما سبقوا إلى ما يعد من سقط متاعها، ومستهجن عاداتها _فصبوا هممهم في تقليدها فيه، فزادوا شعبهم وهناً على وهن، وكانوا كالعثرات تعترضه فتعوقه عن السير، أو تجعل سيره في الأقل بطيئاً.

    ومتى كثر في الشعب أمثال هؤلاء الذين لا يميزون في محاكاتهم السيئةَ من الحسنة _فقد الشعب هدايته، وتجرد من أصالته وتميزه.

    ولا يفلح شعب نكث يده من الدين الحق، ولا يعتز شعب نظر إلى تاريخه وأصالته بازدراء.

    ولا يقدم على هذه التبعية إلا أمة تدثرت الذلة، وسهل على أفرادها الهوان.

    وإلا فالأمة العزيزة هي التي تعرف مقدار ما تعطي، ومقدار ما تأخذ، ونوع ما تعطي، ونوع ما تأخذ، فتفرق بين محاكاة الأجنبي المحمودة، ومحاكاته المنبوذة، سالكة طريقاً وسطاً يكفل سعادة الأولى والآخرة.([19])

    قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ×: =هناك أمم تقدمتكم في العلم والمعرفة والنظام؛ فخذوا من مباديها العبرة، وخذوا من مصايرها العِظَة.

    وإن عِبْرَةَ العبر لكم فيها أن العلم([20]) _وإن تشعَّبَتْ عندها أغصانُه، وتفرعت أفنانه، وأسْلَسَ لها عَصِيُّهُ حتى فتحت به مغلقات الكون _لم يُغْنِ عنها فتيلاً مما تغني الأخلاق والفضائل.

    إن العلم لم يَنْهَ مفسداً عن الإفساد، ولم يَزَعْ مجرماً عن الإجرام، ولم يُمِتْ في نفوس الأقوياء غرائز العدوان والبغي على الضعفاء.

    بل ما زاد المتجردين من الفضيلة إلا ضراوةً بالبشر، وتفنناً في الإثم؛ فاجعلوا الفضيلة رأس مال نفوس تلامذتكم، واجعلوا العلم ربحاً+.([21])

    45_ تربيتهم على صحة التفكير والحكم على الأشياء:

    فصحة التفكير والحكمِ على الأشياء، وجودةُ التصورِ والتصديقِ ليست منوطة بموهبة الذكاء.

    بل هي منوطة بتربية النفس منذ الصغر على حب الخير والحق، والتجرد من الشرور والأهواء، والاهتمام بإدراك الأمور من جميع وجوهها، وإدراك الفروق بين المشتبهات عند التباسها.

    وإذا تربى الفكر منذ الصغر على صحة التفكير نشأ صاحبه جيد التصور، سديد الحكم، محباً للحق سواء كان له أو عليه.

    وإذا كانت الثانية بات الرجل وليس فيه من الرجولية إلا اسمها.([22])

    قال الشيخ الإبراهيمي في وصيته للمعلمين: =بينوا لهم الحقائق، واقرنوا الأشباه بالأشباه، واجمعوا النظائر إلى النظائر، وبينوا لهم العلل والأسباب؛ حتى تنبت في نفوسهم من الصغر مَلَكَةُ التعليل؛ فإن الغفلة عن الأسباب هي إحدى المهلكات لأمتكم، وهي التي جَرَّتْ لها هذه الحيرة المستولية على شواعرها، وهذا التردد الضارب على عزائمها، وهذا الالتباس بين المتضادات في نظرها.

    امزجوا لهم العلم بالحياة، والحياة بالعلم يأتِ التركيب بعجيبه، ولا تعمروا أوقاتهم كلها بالقواعد...

    وإنما القواعد أساس، وإذا أنفقت الأعمار في القواعد فمتى يتم البناء+.([23])
    وقال: =ربوهم على استخدام المواهب الفطرية من عقل وفكر وذهن، وعلى صدق التصور، وصحة الإدراك، ودقة الملاحظة، والوقوف عند حدود الواقع+.([24])



    ([1]) رواه مسلم (55).


    ([2]) انظر تخريج الوصايا من خبايا الزوايا لصديق خان ص143، ورسائل الإصلاح 1/223.


    ([3]) الأخلاق والسير ص41.


    ([4]) فتح الباري لابن حجر العسقلاني 10/545.


    ([5]) الأمثال لأبي عبيد ص65.


    ([6]) انظر الأخلاق والسير ص62.


    ([7]) البخاري 1/183.


    ([8]) البخاري 1/117.


    ([9]) البخاري 1/60.


    ([10]) البخاري 8/114.


    ([11]) انظر السعادة العظمى ص99، وآثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي 3/163، وفي أصول الأدب للزيات 125.


    ([12]) رواه البخاري 7/80، ومسلم (2165).


    ([13]) رواه مسلم (2594).


    ([14]) السعادة العظمى ص99.


    ([15]) عيون البصائر ص299.


    ([16]) آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي 3/165.


    ([17]) عيون البصائر ص300.


    ([18]) انظر رسائل الإصلاح 1/6 و42.


    ([19]) انظر رسائل الإصلاح 1/154.


    ([20]) يعني العلم المادي.


    ([21]) آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي 3/159.


    ([22]) انظر الحديقة 6/209_210.


    ([23]) عيون البصائر ص300.


    ([24]) عيون البصائر ص299.
    avatar
    ربوح عبدو
    عضو جديد
    عضو جديد
      : مع المعلمين10 15781610
    ذكر
    عدد الرسائل : 118
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 09/02/2008
    مع المعلمين10 Aoiss

    مع المعلمين10 Empty رد: مع المعلمين10

    السبت 23 يناير 2010, 12:49
    شكرا على النصيحة
    الرجوع الى أعلى الصفحة
    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى