منتديات الونشريسي التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
دخول
بحـث
نتائج البحث
بحث متقدم
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
11660 المساهمات
3413 المساهمات
3332 المساهمات
3308 المساهمات
2855 المساهمات
2254 المساهمات
2058 المساهمات
2046 المساهمات
1937 المساهمات
1776 المساهمات
تدفق ال RSS

Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 
كود انت غير مسجل
مرحبا أيها الزائر الكريم, قرائتك لهذه الرسالة... يعني انك غير مسجل لدينا في المنتدى .. اضغط هنا للتسجيل .. ولتمتلك بعدها المزايا الكاملة, وتسعدنا بوجودك
facebook1
iframe
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    اذهب الى الأسفل
    avatar
    سعيد501
    عضو ملكي
    عضو ملكي
      : ظاهرة الإرهاب السياسي وتقويم حادثة سبتمبر في أمريكا 15781610
    ذكر
    عدد الرسائل : 2046
    العمر : 54
    تاريخ التسجيل : 20/12/2007
    ظاهرة الإرهاب السياسي وتقويم حادثة سبتمبر في أمريكا Aoiss

    ظاهرة الإرهاب السياسي وتقويم حادثة سبتمبر في أمريكا Empty ظاهرة الإرهاب السياسي وتقويم حادثة سبتمبر في أمريكا

    الخميس 30 ديسمبر 2010, 19:19

    ظاهرة الإرهاب السياسي وتقويم حادثة سبتمبر في أمريكا
    الشيخ حسن الترابي‏

    بسم الله الرحمن الرحيم‏

    مفهوم الإرهاب ومجاله‏

    الإرهاب يعني تسبيب الخوف الشديد من خطر قابل أو الفزع والرعب من حاضر، وقد راجت الكلمة اليوم مصطلحاُ يعني فعلاً عمداً مذموماً قبيحاً بوقعه وبما يلقيه من عموم منكر. ولكن المصطلح ما انفك مبهم المفهوم، وهو لا يشمل ما يقع من رهب بذكر الجزاء المرهوب غيباً ولا بالتصرف الاجتماعي المحذور أدباً ولا بالعقاب المشروع للجنايات ردعاً، وإنما هو الفعل الوحيد الذي ينذر أو يحدث ضراً شديد الوقع في غير مشروع في السياق العام لاسيما السياسي للحياة، والكلمة انتشرت وأصبحت معهودة في هذا الزمان إذ كشفت طبيعة الحياة العصرية حوادث مدلولها وروجت أثرها. فالحياة غالبها حضر يسكن الناس في ازدحام مركب متضاعف وتشتبك المنافع وأسبابها في جوار كثيف، فالحركة المحدودة من جناية ضارة حرقة أو هدمة أو رمية قد تمتد آثارها إلى المتجاورين وتصيب كثيراً وتحدث إرهاباً واسعاً للنفوس. ومجتمع الحياة اليوم كله محاشر ومواقع يتنادى فيها جمع غفير حشداً على علم أو عمل أو صحة أو رياضة أو لهو، فهم عرضة بأي فعلة عادية مؤذية لأن يتساقط منهم جمع ويتسع بهم الفزع. وأدوات الحضر ومرافقة الآلية لمد الطاقة والاتصال أو تيسير الانتقال والحماية من داهيات المناخ كلها شباك رقيقة الأسباب، ضربة واحدة جانية تودي فيها إلى حرب كبير واضطراب وارتهاب كثير، والناس عبر الأرض أصبحت مداركهم محيطة بالأحداث فالجرم المحدود لاسيما إذا كان مثير الخبر مروع المشهد يتداوله الناس يشهدون مناظره ويتسامعون آثاره بوسائل الاتصال الحديثة وحيثما كان وقع فاجعته أو ثار سببها امتدت منه الرهبة. ولذلك مهما تكون الفعال العاديات المرهبات من خلق الإنسان القديم شاع المصطلح الآن كأنه يعني ظاهرة جديدة. والمعنى الغامض للإرهاب إذا غشيه الظل السياسي مما يتيح لأي ذي نفوذ طاغٍ أن يبسط إعلامه محرفاً الكلمة ومصرفاً لها كيفما شاء ليقذف بها في وجه من يفعل فعله تزلزله أو نحو عدو يريد هو أن يصوب إليه حملة عقاب بذريعة نسبته بوجه مستبهم لنذر الإرهاب المبهمة، وينبغي حقاً في العالم الموصول اليوم أن يتواضع بنو الإنسان كافة سواء على مفهوم للإرهاب قاطع محدود، وهذه فيما يلي معالم قد تكون بينّة مناسبة عليها يصطلح:

    1- الإرهاب: فعل عام الوقع يشذ عن الأصل في علاقات بني الإنسان. وذلك الأصل في معروف المبادئ الدينية والإنسانية هو السلم بين الناس، كل متروك حسب مشيئته في حرية وأمان، وهو لذلك التعامل بالرضا مع الآخرين لطفاً لا عنفاً، وعفواً أو عن عقود وأعراف بالوفاق في ذات البين، والصلة بالله في الدين- أساس الابتلاء والتكليف والشرع- أنما تقوم على حرية واختيار فالتزام عن تعاقد ومبايعة، لا على قدر الجبر، أما مع الناس فالعلاقة أيضاً عقود حرة في أعراف عفوية أو مواثيق قطعية مزاوجة أو متاجرة أو موالاة على ملة أو مذهب واحد أو على سلطان مشترك، ويقتضي مبدأ التراضي ألا يشذ أحد عن سلام العلاقات بتهديد أو نذير منه بقادم فعل خطير مخوف جداً أو بإيقاع فعل ذي أذى وغرم يرهب الآخر كالسلب والهدم أو الضرب والقرح والقتل. وذلك الفعل في جماعة أشنع وقعاً وأشيع ذكراً من فعل الفرد، والفاعلون لذلك جناية على الحرمات أموالاً أو أعراضاً أو أنفساً يشار إليهم بكلمات شتى في الثقافات: جماعات الإفساد أو العثو في الأرض أو عصابات الإجرام أو التخريب، نبزاً عاماً أو منسوباً إلى جناية معينة، أما إذا كان فعلهم ذا وقع سياسي فقد كان يشار إليه بالبغي أو الفتنة أو تهديد الأمن العام. وذلك هو ما يدعى الآن إرهاباً يفعله الإرهابيون- صيغة نسبية مثل نسبة الحرامي في اللغة الدارجة إلى الحرام.

    2- والفعل الإرهابي ما هو الشاذ بوقعه العنيف وحسب بل هو أيضاً غير المشروع وفق الأحكام والأعراف المعهودة. والذي يجعله غير مشروع ولا جائز في الدين والعرف والشرع الإنساني هو أنه يقع مبادأة ضد الآخرين ويفسد مبادرة صلة السلام والحرية والحرمة العامة بغير حق، عدواناً بعنف أو معاملة بقوة باغية تنفر طمأنينة العلاقة. وفي سياق الإجرام الاجتماعي والمالي يقع ابتدار العدوان بدوافع من قضاء شهوة أو نزوة شفاء غيظ أو كسب حرام للفاعل. أما العذر بمثل تلك الدوافع في العلاقات العامة، ومن ثم الإرهاب، فهو عدوان مبادر عن محض غضب على الآخرين لاختلافهم ديناً أو مذهباً سياسياً، أو عن بغض لهم وتعبير سخرية عامة للونهم أو عرقهم، أو عن حسد لهم مما كسبوه في المواقع العامة، أو لكبتهم عنوة حتى لا ينالوا ما هو مشروع لهم حقاً من غنم عام يجده الفاعلون غرماً لهم، أو نحو ذلك من بواعث الفعل العنيف الواقع على الآخرين ممن لم تصدر منهم سابقة غير مشروعة تبرر الرد عليها.

    3- والفعل الذي يأخذ الآخرين بالقوة خروجاً على أصل السلام تسمح به تعاليم الدين وأعراف العدالة الإنسانية إذا كان تسوية للحقوق المشروعة دفاعاً ذاتياً لصد عدوان حرام مهاجم بالضر البالغ بادر على الفاعل المدافع من آخر بغير حق. ومثل ما في العلاقات الخاصة بين الأشخاص من حق الدفاع عن النفس والمال هو في السياسة حق المدافعة والمجاهدة - الدفاع والجهاد - لرد القوة الباغية بقوة حافظة، وإن كان العفو هنا أولى إلا عند خطر الفتنة والفساد العظيم. وفي المدافعة بالحق تلزم مراعاة كونها ضرورة وتقديرها بقدرها لاتقاء حدودها وضبط وسائل إجرائها والوقوف عند مدى انقضائها وتحري مغزاها والرجوع من بعد إلى أصل السلام.

    وتلك القواعد الحاكمة لاستصحاب المسالمة بين بني الإنسان ولضرورة المدافعة وحدودها، هي الهوادي الشاملة لكل الحياة. ولكن من الأوفق أن يقتصر هذا المقال على الإرهاب السياسي، لأن السياسة هي اليوم المجال الأخصب لذكر الظاهرة، ولأن قضايا صراع القوى السياسية الرهيب هي اليوم الهموم الأشغل للعالمين. وغالب أولئك خصوم يطرح القضية كل فيما يعنيه بوجه مختلف بجدية، بين قوم مستكبرين يريدون أن يتخذوا من دعوى الإرهاب حجة وحقاً أن يميلوا على من يروعهم مقاومته ميلة بقوة طاغية، وقوم مستضعفين أو مظلومين فيما يرون يريدون أن يعيروا رهبوت المستكبرين الظالمين وألا تضيع ظلامتهم التي ينصرونها هم بقوة مرهبة. ولذلك لا بد من بيان على وجه الخصوص لميزان الحق في قضايا التفاعل بالقوة بين سلطان الدولة والجماعات السياسية التي تليها أو بين الجماعات أو بين الدول المختلفة.

    فالمشاقة السياسية قد تؤدي لعدوان بالفعل العنيف بغياً من جماعة سياسية على جماعة خاصة أخرى أو على السلطان الرسمي الحاكم المشروع. ويحق عندئذ الرد بالدفاع القوي سيئة بسيئة. ولكن ليس للمختصم المدافع أن يتجاوز العذر اللازم لصد المبادرة الباغية، فلو أفرط ببسط قوة مرتدة تتجاوز حد الكفاية فذلك غير مشروع فعل "إرهاب" كذلك و اتخذ أسلوبا عنيفاً للقصاص الخاص إهمالاً عمداً للسبل النظامية المشروعة المتاحة، أو انتهك الإجراءات المرسومة عرفاً وشرعاً لأداء فعل الضرورة، أو نزل بالقوة السلطانية زاعماً معاقبة عمل لم يسبق فيه نذير قانون يعينه جناية ويعين له تلك العقوبة. كل ذلك تعد وبغي وراء حد ضرورة المدافعة و"إرهاب" لأنه جاء ترعيباً عاماً بأذى غير مشروع، والتحذيرات العامة الرادعة المشروعة أو إنفاذات فعلها إنما تقصد حفظ مصلحة عامة، فمن أداها لغرض خاص غير مشروع وقع في جناية الإرهاب. فالسلطة العامة القائمة بحق مشروع مكلفة أيضاً بتأمين المجتمع وما هي بإرهابية في معاقبة الجناة والعداة من بين رعيتها أو من خارجها وأخذهم بالقوة وفق النهج والحد المشروع، ولكنها تتورط في «الإرهاب» إن كانت تسخر القوة وتبسطها لاستلاب السلطة وتوليها بغير شرعية أو تعنيف وتبغي لتردع المعارضة المشروعة لمحض الحفاظ على سيطرتها والجماعة الخاصة إذا كانت تقاوم بالفعل العنيف مدافعة ومعادلة بالقوة قوة الجبروت والعدوان والظلم الواقع عليها من حملة السلطة العامة الذين لا سبيل للمصالحة والمسايسة معهم لبلوغ الحرية والسلامة والعدل، فذلك فعل مشروع في هدي الدين والسياسة الإنسانية، ما دامت تلك المجاهدة والثورة من أجل الصالح العام سعياً لتغيير واقع متسلطن بالقوة الحرام ولقيام خلف مشروع للحرية والمساواة والتشاور والسلام بين كل المتواطنين وجوداً في أرض السلطان المختلفين مذهباً المتنافسين لولاية السلطة بالرضا الغالب والسياسة الحرة السمحة، وإنما يعد من «الإرهاب» الضرب على السلطة تشفياً وحمية لا مقصد ولا سبيل وراءه لهدف مشروع. والعلاقات الدولية سلاماً أو صراعاً بين سلطان وسلطان محكومة بكل ما سبق من القواعد المشروعة، فمن بادر بالعدوان أو تجاوز وبغى في الدفاع فذلك ظلم و«إرهاب».



    الحد بين المدافعة الإرهاب:

    آيات القرآن تتكاثر متواترة في إقرار أصل السلام والحرية والتعامل المرضي بين بني الإنسان وفي شرع هاد لذلك في دعوة كل الأنبياء وفي واقع سنة المدينة التي قام عليها النبي الخاتم محمد (ص). وكذلك يرد تحريم العدوان وأخذ الآخرين بالقوة إكراهاً لهم على دين أو ضراً عنداَ، تحريماً على خاصة المسلمين وعلى ذوي السلطة والأمر العام. وكذلك يشرع القرآن جواز المعاقبة والمدافعة والمجاهدة لرد العدوان، لكنه يرسم الحد لذلك الرد ويضبطه بالتقوى ويوصي بالانفتاح - دون الصراع وبعد - للعفو والمصالحة والجنوح للسلم حالما يتهيأ الأمر.

    والجماعة المؤمنة بالحق إذا قامت في ظل سلطان سمح عفو إنما تنتشر بالدعوة وتجادل بالحق ولا تبادر أبداً لإكراه المجتمع أو سلب سلطانه بالقوة. وهكذا فتح النبي (ص) المدينة على عهد مع أهلها واستقبلته بسلام وترحاب لا فتحاً بالعنوة والإرهاب. والقرآن يوصي الجماعة المؤمنة دعوة الآخرين للإسلام على أن يعمل كل على شاكلته وصبراً لا جبراً لينتظروا لمن تكون العاقبة حين يهتدي السواد الأعظم أو يتذكروا ليحكموا شريعة الدين أو هم يتعصبون على وضعية ضلالهم السابق. أما إذا أحاطت قوى القديم بتلك الجماعة، استكباراً وطغياناً وعدواناً بالقوة، فلئن جاز الدفاع عن الحرية والحق بقوة مكافئة فإنما ذلك لحد تقي ولقصد صادق، وما دام من جمعتهم الجماعة لم يراضوا السواد الأعظم من قاعدة الجمهور المستضعف المكبوت ولم يتهيأوا لبديل التعايش بالسلم والتعافي بالحرية والتحاكم بالشورى، فعليهم الصبر يكفون أيديهم لا يقاومون ويقيمون أمرهم الخاص في عبادة الله صلاة متوالية وفي ذات بينهم نفقة متكافلة. حتى إذا استوى الأمر فينحازون بالهجرة لأرض أخرى يقوم فيها أمثالهم مجتمعاً متكاملاً متناصراً، أو يظهرون في وطنهم جبهة منظومة وقدوة مقبولة، حينئذ يؤذن لهم الجهاد يدفعون الظلم من أجل الحرية العادلة سواء للآخرين ولهم ألا تكون فتنة ويكون الدين كله لله الذي خّير العباد واتاهم هدى وليتمكن نظام ، لا تهدم فيه معابد العابدين وتخلى لهم السلطة يأتمرون هم بالحق ويتناهون عن المنكر، وتلك ثورة جهاد ودفاع لا سورة مغالبة عادية صادرة بل دورة ترد الناس باختلافهم إلى أصل السلام والرضوان.

    وكذلك كان الأمر في سير الذين خلوا من البشر كافة، حيثما طغى سلطان بالقوة ينزل على الرعية التي تليه أو يبسط يده إلى أخرى يرهبها بغير أمان ويسلبها أصل الحرية بالجبروت وأصل العدل بالاستبداد ويحتكر دونهم السلطان والمال العام، كثيراً ما تثور دفوع الشعوب من أجل الحرية والعزة والديمقراطية، إما لتطرد بغاة واردين من الخارج أو متسلطين عليها من الداخل.

    ومعرفة الثورات على الملوك والأباطرة الجبابرة في الشمال الغربي من العالم، وأشهرها في فرنسا. ومشهودة دفاعات الكفاح الوطني للاستقلال من الطغاة الظالمين الغانمين وقد توالت متكاثرة في العالم الجنوبي المستضعف وآخرها وأشهرها اليوم في فلسطين. والعالم غالبه اليوم معجب بتلك المجاهدات القيمة يعدها من وقائع التاريخ الحسنى ولا يستقبحها ليسميها في أصلها إرهاباً ولو أرعبت الطغاة، وإنما الإرهاب الشنيع فعل المستعمرين والمستكبرين في أصله ونهجه المعهود.

    وسلطان الحكومة قد تتولاه فئة متغلبة بقوتها متعصبة قوية بعرقها وثقافتها تستسخر وتستكبر علواً على فئة مستضعفة وتذلها وتستأثر دونها بالسلطة والثروة ولا تساويها بل تظلمها عنوة. والدين لا يوصي المستضعفين بالذل والمسكنة بل بالمقاومة أو المهاجرة، وإذا ذكر الإرهاب فالمستكبرون المتجبرون أولى به لا الذين يقومون دعوتهم ودفعتهم ليغالبوا أولئك في سبيل العدل والمساواة في السلم. وكذلك القوميات التي ابتليت بوضع الأقلية المظلومة قهراً لا يستقيم بالنصح فقاومت، فعالها مشروع وما هو بإرهاب وبغي. ومن ذلك المثل من يكافح اليوم ظلم الغلب في ايرلندا تحت إنكلترا، والباسك في أسبانيا، أو المسلمون تحت الصرب، والشيشان تحت الصرب والروس والألبان في مقدونيا، وكشمير تحت الهند، أو السود قديماً في جنوب أفريقيا. والآن في السودان أو أقليات قومية شتى في بلاد آسيا. كلها مقاومات بحق في أصلها ولو عدت ببعض شعابها.

    والمشروع ديناً وعرفاً إنسانياً أن تستقيم المدافعة أو المجاهدة المشروعة الأصل مضبوطة الوقع في حد أفعالها الضرورية ومداها وقصدها، وإلا أصبحت في بغي وعدو وإرهاب. ومن ذلك الجنوح في الدفع ما تفجر أصله من شكوى بحق من ظلم الواقع والسبل كانت للشاكين مفتوحة ليدعوا للعدل سلماً وينصلح الواقع عفواً، لكن ما طرأ التظلم إلا قاموا لتوهم قانطين من المحاولة والمجادلة السلمية للإصلاح مبادرين بضربات عنف تشفي غيظهم ولو لم تجد شيئاً. وذلك مثل حركات الإرهاب الأوروبية المستيئسة من رواج قضاياها في سوح الديقراطية فالنازعة للعنف والإرهاب المحدود الوقع. وذلك أيضاً مثل القوميين المتنطعين وما يفعلون أحياناً بالهدف لهم في إنجترا وفرنسا وألمانيا، وذوي العقائد المشتدة تطرفاً حاداً طاعناً كما وقع العصابات وراء الاتجاه اليمين أو اليسار في ألمانيا وإيطاليا وأمريكا واليابان. ومن ذلك أيضاً الثورات التي تنطلق مشروعة لكنها في وسائل المدافعة فرط أو بعد النصر تظل تدفعها روح الانتقام لاستئصال آثار العدو الهالك أو تمضي منهومة بشهوة الصراع منقلبة على نفسها بعد غياب هدفها الأول. وذلك مثل الإرهاب الذي امتد عهداً بالثورة الفرنسية، وما تقلت في ثورات التحرر الوطني أو السياسي كثيراً من أطراف تفرط في الغضب حتى تتوغل طيشا وإرهاباً، كالضربات العمية عن الهدف الواسع المتركزة على رمز فرد لعدو الحاكم بالاغتيال السياسي لشخصه لينفس احتقاناً ولا يفرج عن مشروع إصلاح، وكالحملات الجائشة بالقتال المتجاوزة عن قوات العدو المقصودة حتى تنال غير المقاتلين من الأبرياء والمعتزلة وتبلغ الضعاف الذين لا تصلهم بالعدو إلا نسبة وطن أو ثقافة، وكالردات الباطشة التي لا تكافئ قوة العدو لتدفعها بل تريد أن تضاغطه حتى بعد بدو استسلامه لتهلكه وتبيده تماماً، وكالخبطات العشواء التي تتعدى حدود الحرمات والأعراف المرعية بين بني الإنسان في الحرب وفي معاملة الأسرى والرعايا المهزومة حين تضع الحرب أوزارها، وكالاندفاعات المتمادية بعد الانتصار إذا سقط طاغوت استبداد أخلفه الثائرون عليه مثله فتنة بشهوة السلطة ممن شهدوا في عدوهم سوء استغلالها فنشدوا وراء مجاهدته حسن استعمالها لكنهم تناولوها وهم في سكرة بحمى النصر وعزة الجدة لم يتفقهوا أو يجربوا ممارستها نهج قويم وسلوك منضبط جاهد النفس الممتحنة بأهواء السلطة وشياطينها.

    وكل هذه الصور من الإرهاب السياسي هوامش وملحقات قد تكتتف المدافعة والمجاهدة المشروعة ومما تكثر وصايا الدين لتحفظ المجاهدين من فتنته. وقد يقول القاعدون عن حركة المجاهدة المشروعة بحرمة أصل الخروج على ولاة الأمر ولو استبدوا وذلك كما يدعون خوف الفتنة. وإذا قصدوا اتقاء الفوضى المترتبة من غاضبين ثوار لم يتفقهوا ليتبصروا الحكمة والتقوى في مسالك الجهاد ولم ينتظموا في خيار يستقر به استخلاف مطمئن، فذلك تقدير مقبول. ولكن غالب أولئك الذين يحاذرون ويرجئون إنما تأخذهم الرهبة من المخاطر لا يتوكلون على الله ويشترون بالإصلاح في الأرض جهاداً في سبيل الله ثمناً قليلاً، عاجلاً رغبة مما عند الظالمين الذين يستغلون الفتاوى ليسموا المجاهدة المشروعة للجبروت "إرهاباً" والمجاهدون الراشدون هم الذين يلتزمون التقوى التي تذكر بها آيات الجهاد ضابطاً من الجنوح، فلا يبدأون مسابقين بالحرب حيطة من عدوان مخوف أو غادر بل يأخذون حذرهم منتظرين مبادرة جانية من العدو أو ينبذون إليه عهد السلام على سواء إن خافوا من الخيانة، ولا يهدفون بالرمي في القتال إلا المقاتلين الأعداء بأعيانهم ولا يبسطون مدى المعركة إلا صوب مراكز مدد العدو سلاحاً أو مالاً دون مس العامة المعتزلة القتال والقاعدة عنه- أو المدنيين كما يصطلح عليهم الآن- ودون نيل المحايدين الذين يسالمون الطرفين من حولهم، ويراعون حدود المكان والزمان الحرام بالعرف الجامع كمواقع العبادة والأيام الحرم، ولا يمضون لإبادة الطاغيين وأشياعهم عداً بل لصد العدوان فقط ومهد السلم العفو العادل ولا يرجعون على العدو بعد النصر تمام تسوية ثأر وحساب قديم، وإنما غاية الجهاد إبطال عدوان الباطل لإحقاق الحق وكسر سد الجبروت لفتح الطلاقة والحرية للإنسان وبسط منهاج الإسلام المسالم المسامح الهادي إلى البر والقسط لكل بني ادم.

    ومعاني القرآن الهادية في مدى الحق والمباح والحرام من مظاهر القوة العنيفة بين الناس تبين في سياقها، ونذكر لها أمثلة فمنها في أصل السلام والدعوة بالحسنى والمتاركة والمبادرة رغم الخلاف بين الناس «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم» البقرة/256، «واتل عليهم نبأ ابني ادم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين» المائدة/27-28، «قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون» الأنعام/135، «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» يونس/99، «وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون * وانتظروا إنا منتظرون» هود/121-122، «قل كل يعمل على شاكلته فربكم هو أعلم بمن هو أهدى سبيلا» الإسراء/84، «وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين» القصص/55، «وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون * فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون» الزخرف/88-89. ومنها كف اليد والصبر بلا ركون لمن لا سبيل له على بلاء العدوان: «ألم ترى إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجلٍ قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا» النساء/77، «فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير * ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون * وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين» هود/112-115، «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين * واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون» النحل/126-127 ومنه الإعداد والجهاد لدفع العدوان ومقاومة الجبروت وحماية المستضعفين دون المبادرة: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» البقر/190، «ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً» النساء/75، «يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين * قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون * قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما أدخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين» المائدة/21-23، «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز» الحج/39-40.

    ومنها ألا هون واستسلام ولا سكون على ذل بلا هجرة ولا رهبة أو رغبة تسكت عن الحاكم بهواه «إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفورا» النساء/97-99، «إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله...» المائدة/44، «فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم» محمد/35. ومنها مراعاة التقوى في الدفاع وحفظ العهود والحدود الحرام المعهودة: «واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل»، «فمن أعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم واتقوا الله وأعلموا أن الله مع المتقين» البقرة/191 و 194، «وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين * ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون» الأنفال/58-59، «إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحد فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين»، «ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين» التوبة الآية/4 والآية/36، «وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً» الفتح/24.

    ومنها الجهاد للعدو لا تجاوزاً إلى المسالم أو المحايد أو الموالي وراءه: «إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤكم حصرت صدورهم أن يقاتلونكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم... ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيراً» النساء/90-94، «هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليما» الفتح/254. ومنها أن عاقبة النصر حرية المناصحة والشورى، وليس غل المال العام ولا الانتقام والبغي والظلم للناس: «وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون» آل عمران/161، «ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب * يا أيها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» المائدة/82، «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور» الحج/41، «إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم» الشورى/42. ومنه الجنوح والعودة للسلام والسكينة بعد الصراع ما تيسر: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين» البقرة/193، «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم * وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين» الأنفال/61-62، «إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شي‏ء عليما» الفتح/26.

    أما سنن النبي (ص) فمبسوطة في سيرته أواخر عهد مكة وفي المدينة.

    والختام في اللغة السياسية ومجاهداتها أن قد درجت فيها اليوم كلمة «الإرهاب» وصاحبها لحداثتها بعض إبهام ولكن أخذت رويداً تتميز تعبيراً عن الفعال العنيفة المبادرة غير المشروعة.

    واللغة في سياق العلاقات الاجتماعية الخاصة إذا أشارت لواقعة عدوة عنيفة حرام مرهبة لمصاب تعبر بكلمة الجناية والجريمة من مجرم فرد أو عصابة. أما إذا كان الخروج العنيف على المعروف والمشروع في الحياة السياسية فكان عثواً وفساداً في الأرض وبغياً فذلك ما يسمى اليوم «إرهاباً»، وإذا صدر العنف مدافعة مشروعة الأصل رداً على عادية وكان فاعلوها قوماً خواص هم في قلة وذلة أعتدى عليهم قوم آخرون غلبوا على السلطان أو كانوا من الرعية المعانية من تسلط غير مشروع وجبروت مفروض بالقوة يعارضونه ويدفعونه ما يكافئه، فتلك مجاهدة أو مقاومة، ولو تطاول عهدها وامتد وقعها فهي "حرب أهلية" وإذا انتصرت كانت ثورة، وقد يغلب فيها فعل جانح غير مشروع ينسب لكلمة الإرهاب لاسيما إذا امتد مداه وعهده فقد يسمى مرحلة الإرهاب أو عهداً. وإذا كانت المدافعة عنفاً لكن تتنزل بالحق من ذوي السلطة فهي عندئذ ضبط ونظام عام يصد البغي والتخريب والتهديد للأمن العام، وإذا توجهت ضد سلطان دولة أخرى فهو عمليات حربية، أما إذا كان السلطان المبادر ذا ولاية غير مشروعة لا يبسط القوة إلا تمكيناً كرسيه فتلك طغوة من طاغ وهي إرهاب سلطاني مصابوه وضحاياه أكثر. وإذا جاشت الحرب التي بدأت دفاعية مشروعة لكن انهمرت في وحشية وعشوائية تضرب بسلاح ذري أو مدمدم أو مرضي مهلك جنوحاً على الناس كافة وراء ساحة القتال وأبعادها فذلك من فرط ونكره وتجاوزه لحد العرف وتقوى الشرع هو أبلغ "الإرهاب" والسلطان الذي يتخذ العنف الباطش نهج سياسة للرعية إرعاباً كبتاً بغير منجى أو متنفس لهم واستبداداً بغير لطف فذلك الطاغية الجبار إرهابي الوقع لاسيما بفنون القوة والرقابة المحيطة. لكن الإبهام الذي ما انفك بعد يكتنف كلمة «الإرهاب» جعلها عرضة لأن يصرفها الناس، يحبون مغازي المعانفة أو المدافعة فيصفونها تحية لها وإعلاناً بالكلمات الطيبة التي سبق ذكرها أو يكرهون فينبذونها بكلمة الإرهاب. واللغة سلاح احتراب، فالخواص الناشطون دعوة قد يرمون بالإرهاب السلطان الذي يأخذهم بالقوة وبالظلم أو بالحق، أما ذو السلطة والدولة الأوقع نفوذاً ودعاية فقد يطأون على الناس بالمراهب ويزينونها كأنها ضرورات نظام وأمن يقمع الفوضى أو يصبون عليهم ويلات الحرب الحرام تعذراً بحاجات الدفاع الوطني الحاسم.



    تقويم الفعل والرد لواقعة سبتمبر (أيلول)

    لم تكن حادثة الحادي عشر من سبتمبر داهية لأمريكا بل كانت دهواء صدمة عالمية، الذين ابتدروها ثقافتهم وسيرتهم تعبر العالم شرقاً وغرباً، ودوافعهم أثارتها سياسات وقضايا عالمية، والوقع كان قرب مركز دولي ومحاور عسكرية ومالية عالمية المدى. وبآثارها تداعت تحالفات، وتحركت عمليات حربية واستنفرت مظاهرات تعبير كلها عالمية. ففاعلوها لم تطرأ منهم مبادرة طائشين بغير سياق من سابق مظالم يستشعرونها ولا نزوة غاضبين متوترين لاختلاف الملة والهوية، ولا عذوة حاسدين أهاجهم ترف الثروة يريدون إيقاع غرمة لها واستلاب غنمة لأنفسهم. وإنما بذلوا عزيز النفوس واقتحموا أزيز المخاطر بدافع من شعور محتدم من شاهدين من قريب لسلطان أمريكا، ولموافقة المناوئة للإسلام الناهض الممالئة لكل الطغاة الجبابرة الذين يكتبونه المتغاضبة لأجلهم عن دعاوى الحرية والديمقراطية مثلاً عالمية، ولنفوذه العالمي الذي يسخره لمحالفة الظالمين المحاربين لشعوب الإسلام والعروبة لاسيما اليهود في فلسطين ومكايدة بلاد كلها اتفاقاً مسلمة عربية كانت أو افريقية أو اسيوية. والفاعلون ثقافتهم لها أصول إسلامية تقليدية ينسجم فيها فرقان جهادي بين المسلمين والكافرين لا يصلهما حوار، وعليها أثر من تراث العنف التقليدي في الثقافة الأمريكية، وفيها كسب تربية علمية غربية ودربة على فنون التدابير الفعالة الوقع. وما كان لأولئك المتبرمين من مجال حر ليصابروا ويفرجوا غم النفوس مجاهدين باللسان والحركة فهم بين طريد ومحصور ومكبوت لدرجة انفجار.

    ولئن لم تكن المصيبة المباغية تعدياً وتسدياً بغير أصل مستفز فهل بغى فاعلوها على حد المدافعة وتقوى المجاهدة، فهل كانوا أفراداً خواصاً واستهدفوا سلطان دولة لا يليهم أمرها والأولى أن يكلوه إلى دولة مثلها، أم العالم اليوم ساحة واحدة يتداخل سلطانها لاسيما أمريكا التي تبسط يدها عبر الأرض ولا حرج من تصيب ومن يصيبها ومن أين ما حقت الإصابة مدافعة. لقد تقصد الفاعلون مراكز التدبير العسكري والهيمنة المالية لعدوهم وتلك أهداف مشروعة في الحروب ولكنهم أصابوا بضعة آلاف من العاملين الأبرياء في عزل من الجندية أو حيد في الهموم العالمية وبعضهم من موالي وطن ودين آخر. (وقد كف الله يد المسلمين عن البلد الحرام وهم في الحديبية لأن في مكة مسلمين ومسالمين ما هم سنن عداء الأكابر للإسلام وقدر الله الفتح المبين لا في معركة بل في سلام ما بدا عادلاً لكنه فتح فرصاً رجحت بالإسلام حتى فتح مكة لم يسفك دماؤها وإنما شرح بالهدى كل القلوب في سلام، وفي القران والسنة وصية باتقاء نيل الأبرياء بالقتال). وغالب الانعطاف في العالم كرها واقعة سبتمبر أنما كان بأثر التفجع من هلاك آلاف كانت بغالبها غافلة عن قضايا الاختصام والاحتراب المعنية، وما قصد والحماية الأحكم من الشر العادي والكفاية الألزم للخير الذي يتهدده العدوان، وهل ترى يزدجر أولئك الذين أصابتهم الرزيئة ويرتدعون من عاقبة مواقفهم وسياساتهم التي جرت إليها؟ أم أن الهجمة التي وقعت عليهم فهدمت صروحهم وأهلكت أرواحاً وهشمت جاهاً لتفحص غرورهم؟ أم إنها تزيدهم نقمة فينقلبون يطلبون ثأرهم وإذ فاتهم القصاص من الفاعلين يسعون فيمن ورائهم في العالم المسلم كله مغرمة ومقاصة؟ هل كان الأرشد أن يدرك المجاهدون أن الدولة المصابة تلك ما كان ليردعها أفراد وإن أصابوها في موجع فهي بخلقها وزهوها واستكبارها المستخف بالعالم اليوم قد تخبط ضاربة في كل صوب لا يدها أحد بل تسكرها قوتها ويغريها بالتمادي ضعف ولاة المسلمين الأذلة؟ هل كان الأوفق أن تتصوب المجاهدات المشروعة بروية دون حماقة إلى ساحة المسلمين أولاً تغشاهم فعالة حتى تذهب زبدهم الذي فوقهم جفاء وتفجر الحياة والعزة في مجتمعاتهم الميتة الذليلة فتستعيد الأمة قوتها ورهبتها فينعدل ميزان قوى العالم المائل ظلما حتى يتساوى بنو آدم فيتسالمون في وئام وإذا جنحت فيهم قوة مستعظمة الظلم إلى والعدوان تدافعوا عليها كافة ليصدوها وتستقيم الحياة في الأرض؟

    إن الواقعة أحدثها أصل مشاعر دفاع بالحق، لكن الفعل دانى أو جاوز حدود الرشد والتقوى وقارب الإرهاب، ولكن عاقبة الواقعة أحدثت رداً باطشاً وجرت إرهاباً أعظم. أولئك المصابون ربما حق لهم أن يثيرهم الأذى البالغ في النفوس والأموال والكرامة، وما كانت حركتهم بأصلها مبادرة من ذي بدء هيج من فيض الغرور. وقد بلغ بهم سيل القوراع المتوالية الزبى، لم تتوافر لهم فيها ولا في الأخيرة بينات دلائل تصوب المسئولية كما يقتضي عرف العدالة وشرعها في العالم، ولكن فتنة الرزايا حملتهم على قذف الملام بالظنون إلى ما حول الفاعلين الذين قضوا نحبهم، صوبوا إلى هدف مظنون هو الشيخ أسامة بن لادن وصحبه الذين بلغتهم منهم نذر الجهاد علانية، ثم شملوا أفغانستان التي تجيرهم لأنها تحول ما بين طالب الثأر وبينهم فأنذروها لتسلمهم بغير حق وأعقبوا حملات الحرب عليها ضرباً أعشى لا يدري كيف يعين الهدف المتهم أو يصوب إلى ولي الأمر الملوم أو يميز المحارب المدافع من الشيوخ والنساء والولدان أو يعرف من السماء دواوين الجند وأخباءهم من بيوت عامة الناس أو يتبصر مواقع السلاح والاته بما يجعل لرميه وقعاً مرضياً.

    وما كان لعدوة الأمريكان ضابط بل رفعوا أيضاً ستار الإرهاب المبهم لينالوا به كل مغضوب عليه من المسلمين لتبلغه حملة العقاب المحيطة. ودون القتل الفتاك ببلد الهدف والنذر بما تنتظره بلاد أخرى، أحيط بالاف المسلمين في أمريكا ترجمهم الظنون وتنالهم أذية من جمهور محرض، وبمئات تقبض عليهم السلطات بأوهام الاشتباه.

    ولئن كان الخطأ متداولاً بين فاعلي الحادثة والمصابين فقد تفاوت القدر بين خاطئين أفراداً يتناجون وعددهم قليل وأمة خاطئة عليها دولة أولى لأن يرشدها نظام التشاور الكثيف لا أن يهيجها التحاض العنيف، وبين قتل آلاف في الواقعة لم يقصد الهاجمون عدهم وقصدهم وموت آلاف الجرحى وجوعى في حرب العقاب وعقابيلها عمداً وئيداً، وبين خسارة الدولة المصابة وأولياؤها مالا وكرامة وخسارة المسلمين الأعظم. الكلام في الإعلام الأمريكي والغربي يتداعى حملة على المسلمين كافة والكراهية لهم تحمي والاشتباه والظن يشتد بهم، والحركات الإسلامية فيهم كلها تحاصر وتحصر، وأموال الخير بينهم يرتاب لها وتصادر، والوحشية الإسرائيلية تستظل بالحملة على وهم الإرهاب وتستظهر بغضب أمريكا وبانشغال العالم فتسفك الدماء وتخرب الديار في فلسطين، وشعوب وبلاد إسلامية شتى تقعد فزعة تنتظر الشر القادم بوعيد أمريكا. وشعوب مسلمة أخرى أصبحت مرامي وضحايا لظالمين آخرين انتهزوا الفرصة لشد وطأة على قوم في قلة وذلة بدأوا أمس يقاومون بحق قضاياهم واليوم ارتدت عليهم غاشية الحملة على الإرهاب الإسلامي، وتلك ظاهرة لم يسلم منها مسلمون في الأرض جميعاً. إن ذلك كلها أخباراً ومشاهد استفزت المسلمين فعبروا وظاهروا وزادت كراهيتهم لأمريكا ومن ولاها واحتد ضيقهم وفجرهم بولاة أمرهم الذين نافقوها ووالوها وهم يريدون ما يصيب المسلمون. فالوقود في العالم يتعاظم لنيران الصراع بين حضارة الغرب القوية المغرورة وصحوة الإسلام المتصاعدة ولو بوقع المصائب، وإذا احتدم هذا الصراع وفشت روحه فإن أعراضها ستنفجر في كل الأرض. فما عاد بنو الإنسان في ديار متمايزة بل حياتهم متعامدة أركانها متشابكة شعابها متفاعلة دوافعها وحيثما أصيبوا يتداعون جميعاً بالفواجع المتوالية، ومن الخير ألا يتمادى طغيان الأقوياء على المستضعفين فلن يسكن هؤلاء إذا استنفروا ولن يعجزوا أن يصيبوا من الأقوياء، مما يتفاقم به تداو التعانف بين قوى البشر الخاصة والسلطانية ويخسر العالم بذلك طاقاته تتخاصم ومكاسبه تتصادم في عصر تواثقت فيه أسباب الاتصال والتعاون المعمر للحياة وتكثفت مخاطر الصراع الساحق المدمر.



    المعالجات الأحكم‏

    1- ينبغي أولا أن تعالج أصول الصراع الذي بدت حوادث سبتمبر المروعة من أعراضه، لها سوابق كرب ولواحق حرب كلها من ظاهرة الرهبوت. ويلزم أن يتوقى من تعرضوا لحدثانها حمية المغاضب والملاحم ومشاهد ثورانها وبروز أعيانها لئلا تنتشر فتنتها المثيرة مثالا وقدوة. وذلك لئلا تتفاقم الظاهرة تفاعلا متجاوباً وداء معدياً بين الحضارات والقوميات والكيانات يسقط غالب بني آدم صرعى. وأمريكا قوة العالم العظمى اليوم إليها تؤول المسؤولية الأعظم وإليها وردت بادرات هذه الأزمة الأخيرة ومنها تصدر مجاوبتها، هي الأولى أن تبادر لمعالجة الأسباب والآثار، لابد أن تراجع سياساتها في كثير من القضايا التي ورطتها في مواقف منها على حساب المسلمين تظلهم أو توالي أو تغض الطرف عن عدوهم الظالم، لا سبيل لها أن تعتزل العالم فمصالحها أشد اعتلاقاً بعالم مشتبك. عليها ثم على البلاد التي تليها قوة وعلى منظمة الأمم المتحدة أن تأخذ القضايا العالمية بجد وتقضي الحاجات بسلام وتسوي الخلافات بعدل وترفع عن المسلمين خاصة مواقع الظلم البالغ الذي يثير ثائرتهم. ومن أبرز تلك القضايا ما يجري في فلسطين، الحق فيها بين والغرب بين معرض ومحاب لإسرائيل ومغرض، وكذلك قضايا أخرى الأحكم والأيسر منهجاً لعلاجها لا يقتضي إلا إقامة ميزان العدل والديموقراطية والحرية والخيار العفو، حقاً للمسلمين في كشمير وشيشان والفيليبين وتركستان ولغيرهم في العالم. ينبغي لأمريكا خاصة ولأوليائها عامة أن يسالموا البلاد المسلمة التي احتد منها عيناً عداؤهم، لا سيما أن حيثيات الخصام الأولى تضاءلت ولم تبق إلا المحتقبات القديم، وتلك هي إيران والعراق وسوريا وليبيا والسودان ولحقتها الان أفغانستان. لا بد كذلك من نظر تائب إلى حق الإنسان فطرة وشرعة عالمية في أساس حرية المشيئة والخيار لا بد لأمريكا والغرب أن يكفوا عن دعمهم سلطان الجبروت في بلاك الإسلام وتحريضه على الشعوب حيثما تجلت عن إرادة ديموقراطية مستقلة تردوها حركات نهضة إسلامية. العلاج الراشد أن تدفع أمريكا أو تترك التوجه يمضي نحو بسط الحرية والديموقراطية وسائر قيم الإسلام العالمية القبول التي تترسخ الآن بين المسلمين ولا يؤدي تنكب الجبروت لها إلا لانفجار الحرية المكبوتة ولا تنطعه إلا إلى النزوع نحو التطرف في الاتجاهات حيث لا يلطف حدتها ويعدل نزوتها الجدال الحر. وكذلك كل وقع المظالم على القوميات والشعوب والبلاد المسلمة إذا وافته مساعي العدالة العالمية لا يدعو من كان يشعر به إلا إلى التصرف المعتدل المتهدن في سبيل السلام والتراضي بين العالمين. ذلك كله علاج لأصول الصراعات والمدافعات المشروعة يكفها عن الغلو وتجاوز الحدود والوقوع في الإرهاب.

    ثم ينبغي لأمريكا وللغرب عموماً أن يراجعوا عصبية مذاهبهم التقليدية نحو الإسلام ديناً والعربية قومية والإفريقية لوناً. تلك مورثات من الحروب الصليبية والاستعمارية التي تقادم ذكرها، وما كانت أمريكا تحمل روحاً منها ولا من الإمبريالية إلا نحو جنوبها. ثم إن في شمال العالم أقليات مسلمة مهاجرة مقدر عدها ومدها الديني المزداد. وهم بين دار الإسلام القديمة والشمال رسل تعارف وسلام وتعاون ولو أكرهوا وضيق عليهم إنما يرسلون وصايا الغضب إلى أهلهم الأولين. وأموال العالم الإسلامي اليوم دائرة مع أموال الغرب، والذي ينبغي هو أن تحرر كل الأموال ويتداولها العالم بعدالة. وينبغي خاصة ألا تحجز وفورات المسلمين المكنوزة في الغرب حتى لو أنفقوها في الخير والدعوة للإسلام زعماً بأنها تمول الإرهاب والحركات الإسلامية. فتلك حركات عالمية بقيم دينها الأممي وباتصال العالم الميسور اليوم، وهي صحوة نامية لا يجمدها الكبت بل يثيرها وهي سبب اتصال وحوار مع الغرب بقياداتها الموصولة بثقافته ولا معنى لملاحقتها والتحريض عليها واستعدائها. والمواقف الإعلامية والتصريحات الرسمية التي تخرج من الغرب أحياناً سباً للإسلام لا بد أن تنكف، بل ينبغي للإعلام أن يكون أداة لتعرف الإسلام لا لتنفر منه والحصار عليه فما هو بمتراجع، والخير له ولأسر الغرب أن تطمئن نفوسهم إليه ويتفهمونه عامة ولا يتهمونه إفكاً مصدر شر وتخريب وإرهاب، بل يخلي تنتشر قيمه لاسيما في السماحة والإنسانية وتلك معان أعمق فيه مما في الثقافات الأخرى.

    2- أصبحت أفغانستان صوباً لمسامع والمناظر يرى ويذكر الناس في العالم كافة أحوال البائسين الجاهلين المنكوبين بالأزمة المنكبة عليهم. وهذه فرصة سنحت، بعد سباقات ضاعت، لتكييف مصائر أفغانستان إلى خير واستقرار. وقد تحررت أفغانستان من روسيا بثورة الجهاد، وكما يقع كثيراً للمسيرات الجهادية والثورية في العالم، ورثتها حكومة وافية لوجهة الإسلامية الموعودة التي استهدفها الجهاد، ولكنها بفقر الفقه والتجريب السياسي عجزت أن تحقق في سبيل ذلك السلام بين من عهدوا وألفوا القتال في الوطن كافة أو أن تجمع الكلمة الحرة وتحسم خلافاتها بالشورى في تولي الحكم وتصريف السياسات الصعبة في ظروف الانتقال العسير. ودعا ذلك طالبان بطهارة منبتهم في عهد العلم والشباب، أن يجاهدوا ويخلفوا القيادات التي اتهموا بالافتنان حول السلطان. وتأكد فيهم صدق نيات السعي على النهج الإسلامي وضبطوا الفوضى والفساد في الأرض. ولكن فقه الطلاب التقليدي أعجزهم أيضاً عن تزكية الجماهير العامة لتتجاوز عصبيتها بدعوة الإسلام الموحد لا بقوة السلطة. لاسيما أنهم بحكم القرب من مواقع التعليم كانوا من قبيلة دون الآخرين.ولم يؤسسوا نظاماً للشورى يرضي الناس ويجمع أسهمهم جميعاً في الأمر العام حتى يكملوا النظام الآمن المستقر في كل البلاد ويحصلوا على الرشد في سياستها. إنهم لم يعرفوا في هدى الدين إباحة الرأي الحر وإتاحة وسائل البلاغ والاتصال، ولا بسط المساواة وفتح فرص كسب العلم والمال للنساء صنوان الرجال وتحريرهن من التقاليد العرفية الظالمة. ولم يعهدوا من علم أو تجربة حكم المعالجة لقضايا اللاجئين ومصابي الحرب ولدفع النهضة للحياة بعد الخراب. ولقد أحسنوا وأجاروا العرب الذين جاهدوا معهم بالأموال والأنفس وضاقت عنهم بلادهم، وذلك تحقيق وتجديد لمعنى وحدة الأمة المسلمة وراء عصبيات الأوطان ولكنهم ظلوا منعزلين عن العالم. وكانت أمريكا وبلاد أخرى راضية أن الشيوعية قد صدها الجهاد ولم يخلفها مشروع حكم إسلامي حي يخشى أن يحرك الأمة المسلمة كلها نحو الإسلام الحاكم كما حركتها دواعي التحرير والجهاد ذلك لأن الضربة الجهادية الأفغانية أتمت وقع عوامل أخرى قضت على الشيوعية وأورثت أمريكا الاستئثار بالنفوذ العالمي الذي كان يتقاسمه قبلا الشرق والغرب، وأصبحت تمد يدها في الأرض عبر كل حد دولي ورغم كل عز لسيادة وطنية. ولذلك متى طلبت أمريكا متهماً لديها فمن يجيره استحق العقاب وأمرها - استوجب النفاذ ولو برهبوت حرب مدمرة. ويمالئ أمريكا كثيرون، لا في غرضها الخاص العاجل ولكن في همها الأكبر أن تعلوا على كل أرض إسلامية لها فيها مقاصد وأن تئد كل مشروع إسلامي ناهض قد يستقيم وينتشر وتضطرب به الموازين الظالمة، ومن أولئك الخاشعين لأمريكا رغبة ورهبة والمشاركين لها مقصداً حلفاً يخطط الآن للأفغان مصيرهم السياسي، روسيا التي لا تنسى أفغانستان وتخشى الإسلام في جنوبها كله، والصين التي لا تطمئن لشمالها الغربي المسلم، وأوروبا التي أخذ يتكاثر ويتبارك فيها الإسلام، وبلاد آسيوية وإفريقية تستغل قبح النسبة إلى الإرهاب لتسمع بالأقليات المسلمة المتحركة فيها وتستذلها، وبلاد مسلمة ينزعج حكامها المنافقون الكافرون بالإسلام السياسي أن يظهر شرعه في بلد فقيرة جاهلة كأفغانستان، وشرائح مسلمة لا تعجبها صورة الإسلام وتطبيقاته في أفغانستان وتؤثر أن يزول كله لا أن يستقيم.

    أما مجتمع أفغانستان فهو راسخ الدين مجاهد أعجز أمس ويعجز اليوم القوى الاستعمارية من الشمال أو الغرب والشرائح فيه المثقفة غربياً والمرتدة أن تنزل عليه عزل الدين بالعلمانية اللادينية السياسية التي نزلت على غالب الحياة العامة في ديار الإسلام. ولا مجال في مصير حكم أفغانستان لتجاوز اللامركزية في السلطان، فالبلاد مترامية الأطراف غير موصولة ومجتمعها قبائل متعصبة لا يجمع تباينها إلا الدين ولا ترضيها إلا قسمة من السلطة. والحرية والشورى والديموقراطية منهج لازم لسياسة الأمر العام في أفغانستان، ولو لتصريف عزائم الإرادات الشعبية إلى ساحات الرأي العام وأسواق العمل والإنتاج والمعاش، ولكيلا تتغذى روح القتال المتوغلة في الثقافة هناك فتحول أي اختلاف إلى احتراب وتنزع في التعريب عن الدين كله بالجهاد وعن القبلية ومصالحها بالقتال. ولا بد من استقرار أمن ونمو مصالح وطيب معاش لتطمئن النفوس وتسكن لحماية أوضاع الحياة وأسباب متاعها، وإلا فالطاقة البشرية كلها تستنفذ صراعاً لاسيما لأن خسائره لا تكلف كثيراً في بلد فقير لم تقم فيه بعد مرافق حياة أو تعمر مواقع تعز على الناس. ذلك ما هو كله موكول إلى الدول الأقرب والأبعد التي ظلت تتداعى عاكفة على ترتيب أوضاع تخدم مصالحها، وإنما غلب التعويل على ذلك الشعب العزيز الذي يتمرد على أي حكم تقيمه عليه قوة خارجية. ولئن تبين اليوم عجز الأيدي التي تمتد إلى أفغانستان مكراً أو كيداً فلربما تجدي الاستعانة بمسلمين موثوق بهم من ذلك الشعب ومسموع لهم لو عرضوا عليه ع
    الرجوع الى أعلى الصفحة
    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى