- سعيد501عضو ملكي
- :
عدد الرسائل : 2046
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 20/12/2007
شرعية العمليات الاستشهادية وأدلتها من الكتاب والسنة والسيرة (وتكييفها)
الخميس 30 ديسمبر 2010, 19:23
شرعية العمليات الاستشهادية وأدلتها من الكتاب والسنة والسيرة (وتكييفها)
الدكتور نواف التكروري
بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أتكلم في هذه المسألة من خلال مقدمة ونقطتين.
أما المقدمة فهي عن تكييف العمليات وموقعها في ديننا وما يترتب على العلماء الناظرين فيها ومن يقلدهم ويتبع فتاواهم ويدافع عنها.
وأما النقطة الأولى: فحول بعض الأدلة على شرعية هذه العمليات من حيث مخالفتها للانتحار وكونها في إطار الاستشهاد.
وأما النقطة الثانية: فحول المدنيين وما يزعم من أنه يُقتل بالعمليات مدنيين، إذ لا بد من معرفة من هو المدني ومن هو العسكري من اليهود على أرض فلسطين.
وأبدأ بالمقدمة وهي تكييف هذه العمليات وموقعها في أحكام ديننا إذ تنقسم الأحكام إلى:
1- أحكام العقائد (الأصول).
2- أحكام الفقه (الفروع).
3- أحكام السلوك.
ومن المعلوم والمسَلم به أن العمليات الاستشهادية ليست مسألة عقدية وهو أمر لا خلاف فيه فلا نطيل الوقوف عنده.
وهي ليست من أحكام السلوك وإن كان لها علاقة بذلك.. وبالتالي فهي من المسائل الفقهية ولكن ليس من تلك المسائل التي جاءت بها النصوص القطعية أمراً أو نهياً بحيث لا تقبل الخلاف كتلك التي وردت بالمواريث أو بعض الحدود.
فهي إذاً مسألة فقهية، النصوص التي تشير إليها ظنية الدلالة وبهذا فهي مسألة تقبل الاختلاف في الوصول إلى حكم فيها كما هو الحال في أكثر مسائل الفقه - في العبادات - والمعاملات والأحوال الشخصية والسياسية... والعلاقات الداخلية والخارجية... وبناء عليه فوجود أكثر من رأي فيها أمر طبيعي تحتمله النصوص وتحتمله المسألة فلا يشترط فيها إجماع علماء الأمة... ويترتب على هذه النتيجة أمران:
1- الأمر الأول:
أن على القائلين بشرعية هذه العمليات، أن لا يجرموا القائلين بعدم شرعيتها أو يتهمونهم بالعمالة والخيانة فهذا لا يجوز أن يكون بين العلماء - وإن كان لا ينكر وجود عملاء يرجون لحرمة هذه العمليات ومقصدهم إنما هو تخفيف الضغط عن اليهود ومحاولة منع كل ما يؤدي إلى مقاومتهم وإلحاق الضرر بهم على وجه يضعف تمسكهم باغتصاب فلسطين - وأما هؤلاء العلماء فمقصدهم بث حكم شرعي يرونه صحيحاً ويودون حمل أمتهم على الالتزام بما يظنونه شرع الله. ومن هنا فإن توجيه الاتهام لهؤلاء العلماء أمر لا يجوز بحال من الأحوال مع انه لا بد من التحذير من العملاء أصحاب المقاصد الدنيئة، والفرق بين الفريقين واضح، على أنني لا اقصد بدفاعي هذا عن العلماء أولئك الذين يغيرون فتاواهم على وفق أوامر ساستهم فيحللون حيناً ويحرمون أحياناً.
2- الأمر الثاني:
الذي يترتب على كون هذه العمليات تخضع لأحكام الفقه وكونها خلافية: هو أن على القائلين بحرمتها أن يتذكروا أن المسائل الفقهية الخلافية لا يجوز فيها تجريم المخالف بل لا بد من الشهادة له بالأجر وأنه في إطار الأجر الواحد الكامل الذي ألغاه عملياً كثير من العلماء في فقههم، وكثير من المفكرين والسياسيين الإسلاميين في نظرتهم وتقديرهم للأمور.
ومن هنا فإنه بناء على ذلك يجب على القائلين بعدم شرعية هذه العمليات القول بصوابها بعد وقوعها وكون القائمين بها استشهاديين - وليسوا انتحاريين - ما توافرت لهم النية اللازمة لأنهم يتبعون في ذلك فتوى علماء يستندون إلى أدلة كما يستندون هم (القائلون بحرمتها) إلى أدلة.
وإن هذه القاعدة هي قاعدة سلفنا من العلماء رحمهم الله تعالى فهذا الإمام مالك يُنفذ كل عقد زواج يعقد على غير شرطه هو بعد تمامه وترتيب الدخول عليه إذا كان موافقاً لشروط غيره من العلماء...بل ربما تزوج ابنته ولم يعدها ابنة زنا قطعاً.
وكذلك لو توضأ مسلم ومسح بعض رأسه ثم سأل الإمام أحمد أو الإمام مالك عن صلاته بهذا الوضوء لقال له بأنها صحيحة سليمة ولا يمكن أن يقول له صلاتك باطلة مع أنه لا يرى صحة الوضوء إلا بمسح كامل الرأس، ولربما صلى خلفه واقتدى به. وذلك لأنهم كانوا يعون معنى الاختلاف ولا يعدون المخالف في دائرة الإثم والتجاوز لحدود الله وشرعه، وإنما هو في دائرة الأجر الواحد مع احتمال أن يكون هو صاحب الأجرين، وهذا معنى قول الإمام الشافعي (قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصحة).
وإنني اعتقد أننا إذا توصلنا في مسألة العمليات الاستشهادية إلى هذه القناعة وأعلن المحرمون لها اعتقادهم بأنها خلافية ثم أجر القائم بها بعد تنفيذه لها، اعتقد عندئذ أن هذه المسألة أصبحت واضحة المعالم.. ولم نسعَ في يوم من الأيام إلى إلغاء القول الآخر، فهي مسألة فقهية خلافية تعدد الآراء فيها مشروع إذا كان بفهم صحيح: أما الاعتداد بقول واحد واعتبار فريق المجيز لها (ليس من علماء الدليل) كما قال لي أحد الأخوة وهو يناقشني في هذه المسألة فقال (لم يقل بشرعيتها أحد علماء الدليل) فهل من يقول بشرعيتها صاحب هوى ومتجاوز لأحكام الشرع وأدلته ويقول على الله ورسوله بما يوافق هواه.
على كل حال أقول لهؤلاء الأخوة الذين تضيق صدورهم بكل رأي مخالف فيرونه هوى ويحكمون عليه بأهوائهم هم، أقول لهم ما قلت لهذا الأخ (اعلموا أنني لو علمت أن التقول على الله سبحانه وتعالى أو رسوله (ص) والتحريف المتعمد لمعنى دليل من الأدلة، يؤدي إلى تحرير فلسطين بكاملها - ولن يكون - لما فعلته).
وكذا كل أخ أو عالم أو طالب علم من أي الفريقين (القائلين بشرعيتها أو القائلين بحرمتها) لأننا نؤمن بأن لقاء الله قريب وأننا مسؤولون عن كلامٍ نجتهد به وننظر فيه، وليس حسابنا على الصوابية في الوصول إلى الحكم في هذه المسائل الاجتهادية وإنما في صدق المقصد والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى وصحة الطريق في البحث العلمي.. ونحن وأنتم والقائمون بهذه العمليات مأجورون بكل حال بإذن الله تعالى ما تجنبنا الهوى والاتهام على غير دليل، ونأتي إلى النقطة الأولى:
الأدلة الشرعية على مفارقة العمليات الاستشهادية للانتحار الذي جاءت النصوص بتحريمه.
1- قوله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً» النساء/29-30.
لا خلاف بين المفسرين بأن المقصود بهذه الآية لا يقتل بعضكم بعضاً. والآية تنهى عن ذلك وتجعله حراماً إذا كان على وجه الظلم والعدوان بمنطوقها، وهي تدل بمفهومها(مفهوم المخالفة الذي يأخذ به جمهور العلماء). على وجود قتل لا على وجه العدوان والظلم وإنما على وجه العدل، وتدل على أن الوعيد في الآية إنما هو للمعتدي الظالم في القتل، فقتل المسلم غيره من المسلمين قصاصاً لا ذنب فيه ولا وعيد وكذا قتل الزاني والمرتد... وقد جاء ذلك واضحاً بالنصوص فلا يحتاج إلى بيان... والآية تدل بمنطوقها أيضاً على حرمة قتل النفس - أن يباشر الإنسان قتل نفسه، وبتنصيصها على العدوان والظلم وحصر المنع فيه، تدل على وجود قتل للنفس - لا على وجه الظلم والعدوان وإنما على سبيل العدل والتضحية والجهاد، ولكن العلماء لم يشيروا قديماً إلى هذا المفهوم من النص، لعدم إمكانية وقوعه في آلات القتال والحرب السابقة، فلما وجدت وسائل جهادية وقتالية جديدة تسمح بمباشرة بذل النفس على وجه إعزاز دين الله والدفاع عن حقوق المسلمين أصبحت داخلة تلقائياً بمفهوم المخالفة لهذه الآية والله تعالى أعلم.
فصار كل من مباشرة قتل النفس أو الغير خاضعاً لوعيد هذه الآية إذا كان على وجه العدوان والظلم، ومستثنى بمفهوم الآية إذا كان على وجه الحق والعدل أو الجهاد وإعزاز الدين. والعدوان في قتل الغير يكون بقتله في غير ما جعل الشارع دمه فيه مهدوراً - وكذا قتل النفس عدوان كله إلا ما كان منه فيما فتح الشارع فيه باب التضحية والتغرير بالنفس وبذلها بلا تردد وهو باب الجهاد في سبيل الله سبحانه فكل بذل للنفس في هذا الباب مستثنى من العدوان وخارج منه، مباشرة أو تسبباً.
2- الناظر في النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المسألة بدقة يجد أن الشارع قد ناط الحكم بالباعث وليس باليد الفاعلة أو ذات الفعل فقط ويمكن أن يظهر لنا هذا الأمر جلياً من خلال النظر في المثالين التاليين:
المثال الأول:
- وجدنا الشارع قد نهى عن تمني الموت، فقال (ص) فيما أخرجه البخاري ومسلم (لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد أو مسيئاً فلعله يستعتب) وبالمقابل قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم (من سأل الله الشهادة بصدق أنزله الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه) فما هو سبب التفريق أو ليس كل منها تمني انتهاء الحياة؟.
أقول إن سبب التفريق في الحكم بين تمني الموت وتمني الشهادة أن الأول جزع فزع يائس ضجر إذ جاء في إحدى الروايات عند البخاري ومسلم أيضاً (لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه..) وهي علامة اليأس والضجر... بينما تمني الشهادة باعثه حب لقاء الله والتضحية في سبيله ولذلك فرق الشارع بالحكم، وإن لم يرتقِ التفريق إلى دائرة التحريم والإيجاب لأنها لم تصل حد الفعل وإنها في مساحة القول والتمني...
- كذلك حرم الشارع التسبب في قتل النفس وتعريضها مواقع الهلاك المردي ولو دون المباشرة وإنما بمجرد التسبب، ولا خلاف بين العلماء في أن من مكن غيره من قتله أو جلس في طريق سيارة لتقتله ففعلت فهو منتحر... أو ملحق بالمنتحر.
بينما المتسبب في قتل نفسه في الجهاد في سبيل الله ولو فعل ما يمكن العدو من قتله ويساعده في ذلك ويسهل عليه قتله هو مجاهد في سبيل الله ما استحضر لذلك نيته. وكان لهذا التمكين غرضه في الجهاد ففي الصحيح أن أحد الصحابة سأل الرسول (ص) في إحدى المعارك ما يضحك الرب من عبده، فقال عليه السلام أن يراه يقاتل حاسراً في سبيل الله فخلع درعاً كانت على صدره أي أزال أسباب الحماية ثم قاتلهم حتى قتل) وهذا الفعل تحت أنظار المصطفى عليه السلام. والفارق بينه وبين التسبب في قتل نفسه بالجلوس لسيارة ونحوه هو الباعث فالأول باعثه أمر من أمور الدنيا من ضجر.. والثاني باعثه إرضاء ربه وإغاظة عدوه وتجريء المسلمين على الجهاد، فافترق الحكم بينهما بالنصوص الواضحة بين التجريم للأول والاستحسان بل الوجوب أحياناً للثاني.
ج- وفي مسألتنا هذه تمام المعادلة: إذ حرم الشارع مباشرة قتل النفس من أجل أمر من أمور الدنيا بوسائل تدل على اليأس والضجر (.. من تحسى سماً ومن تردى..ومن وجأ نفسه بحديدة..) لما تدل عليه من اليأس والضجر. بينما تفجير النفس من خلال الأحزمة الناسفة لقتل العدو وتجرئة المسلمين وإعادة الأمل بالعزة للأمة وتطهير المقدسات..لا يمكن أن يستوي مع قاتل نفسه ضجراً أو يأساً، وإنما هي متفقة مع المتسبب في قتل نفسه لإعلاء كلمة الله والطلب للشهادة وشتان شتان بينها وبين الداعي بالموت والمتسبب بقتل نفسه ضجراً أو المباشر لذلك.
المثال الثاني:
الذي يدل على أن العبرة بالباعث وليس باليد الفاعلة.. أننا لو نظرنا في الأحاديث الثلاثة التالية وحاولنا أن نعرف المشترك بينها الذي يوحد الحكم والمختلف الذي يؤدي إلى اختلاف الحكم، نصل إلى نفس النتيجة (العلة المشتركة التي أنيط بها الحكم).
- قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من تردى من جبل فهو في نار جهنم... ومن تحسى سماً..) فالحديث يدل على:
أ- أنه قتل نفسه بيد نفسه.
ب- أنه قتل نفسه ضجراً ويأساً. (من أجل أمر من أمور الدنيا).
ج- أن مآله الوعيد والعذاب في نار جهنم.
قال رسول الله (ص): أول الناس تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، ذكر منهم (مجاهد قاتل حتى قتل، فيقول الله له لقد أتيتك صحة وجسماً فماذا فعلت، فيقول قاتلت فيك حتى قتلت فيقول له كذبت قاتلت حتى يقال شجاع وقد قيل فيؤمر به فيلقى في النار)، فهذا:
أ- قتل بيد عدوه في ساحة المعركة (مخالفاً للأول باليد الفاعلة للقتلة).
ب- باعثه أمر من أمور الدنيا (متفق مع الأول بالباعث).
ج- النتيجة في النار.. (متفق بالنتيجة).
والحديث الثالث: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله و كذا من قتل والنصوص الدالة على ذلك كثيرة...):
أ- فهذا قتل بيد العدو في ساحة المعركة (موافق للثاني باليد الفاعلة).
ب- باعثه إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى (مخالف للسابقين بالباعث).
ج- النتيجة في الجنة، مدركاً وعد الله للشهداء.. (مخالف للسابقين في النتيجة).
الناظر في هذه النصوص الثلاثة يجد ما يلي:
1- أن الأول والثاني اختلفا باليد الفاعلة فالأول قتل بيد نفسه والثاني قتل بيد العدو واتفقا في الباعث فهو لكل منهما أمر من أمور الدنيا.. فاتفقا في النتيجة إذ نص الشارع على أنهما في النار، وفي هذا دلالة على اعتبار الباعث دون اليد الفاعلة، ويؤكد هذا إجراء ذات المقارنة بين الثاني والثالث إذ اتفقا في اليد الفاعلة فكل منها قتل بيد العدو وفي ساحة المعركة واختلفا بالباعث، فباعث الثاني أمر من أمور الدنيا وهو الشهرة.وباعث الثالث إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، فاختلفا في النتيجة إذ الثاني في النار والثالث في الجنة كما أشارت النصوص:
وبهذا نستنتج أن الشارع لم ينط حكم الاستشهاد والانتحار باليد الفاعلة وإنما بالباعث على قتل النفس أو المباشرة في أعمال التفجير إعلاءً لكلمة الله تعالى وإرغاماً لأعدائه فهو استشهادي.
هذه بعض الأدلة: إضافة إلى ما يمكن ذكره، ومن نصوص:
1- قصة أصحاب الأخدود.
2- قصة ماشطة ابنة فرعون.
3- قصة عبد الله بن الزبير مع الأشتر النخعي.
4- أقوال علماء السلف في الاقتحام على العدو وكذلك أقوال كثير من علماء العصر في المسألة.
5- الأحاديث الواردة في الإقدام على الموت في ساحات الجهاد طلباً للشهادة وتخويف العدو وغيرها من الوقائع والأحداث الكثير والكثيرة جداً...
6- كما أن أثر هذه العمليات على العدو من زعزعة أمنه ونزع استقراره، وإدخال الرعب إلى قلوب مجنديه ومستوطنيه وقادته وتجرئة المسلمين وإعادة الأمل لهم.. كلها يمكن أن تكون أدلة صالحة للاستشهاد على شرعية هذه الأعمال الاستشهادية.
النقطة الثانية:وهي القول بأنه يقتل في هذه العمليات مدنيون ودعوى أن في اليهود على أرض فلسطين مدنيين لا يقتلون سوى الأطفال... أقول: إن أي ادعاء بوجود مدنيين في صفوف اليهود على أرض فلسطين سوى الأطفال ادعاء ترده النصوص... فمن هم المدنيون، هل المدنيون هم الذين لا يلبسون لباس العسكري.. أم أن المدنيين حسبما تشير النصوص هم الذين لا يمارسون العدوان أو يحرضون عليه ويشجعونه بمد يد العون له ولا يمكنهم شيء من ذلك حسب الواقع والعرف القائم.
فإن الإسلام في الوقت الذي كان له السبق في تشريع صيانة المدنيين وحمايتهم بتحريم قصدهم بالقتل، لم يغفل أن يبين المدنيين لا بأسمائهم وذواتهم وإنما بالحال التي يعدون فيها مدنيين فقد أخرج أبو داود: أن النبي(ص) مر بامرأة يوم حنين فقال: من قتل هذه؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله غنمتها وأردفتها خلفي، فلما رأت الهزيمة فينا، أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها. فلم ينكر عليه الرسول (ص). فاستنكار الرسول (ص) لقتلها زال عندما علم بأنها مقاتلة أو حاولت ذلك.. وكل النصوص الناهية عن قتل المدنيين جعلت لهم أوصافاً تدل على انعزالهم أو كان العرف يحكم بانعزالهم، أو عقيدتهم تأمرهم بذلك (ولا تقتلوا طفلاً ولا امرأة) والعرف قاضٍ بانعزالهم بدليل سكوته عليه وعلى آله الصلاة والسلام عن قتل المقاتلة من النساء، ولا تقتلوا شيخاً فانياً فإن بدا منه شيء من عداء أو تحريض قتل. وقتل دريد بن الصمة وهو شيخ قد تجاوز المائة وإقرار النبي (ص) أكبر شاهد على ذلك.
والنصوص التي تدل على شرعية قتل المقاتل رجلاً أو امرأة صغيراً كان أو كبيراً، كثيرة جداً وكذلك أقوال الفقهاء، ومما لا شك فيه أن العسكري لا ينحصر في حامل السلاح وإنما كل من يشكل وجوده ضرب من ضروب العدوان فهو عسكري محارب وبناءً عليه يمكن الفصل في مسألة الكبار بالسن والنساء من اليهود في فلسطين، فهم يقيمون على غير أرضهم ويحتلونها وهم عامل قوة للعدو المعتدي وتثبيت عدوانه وتأييد ودفاع عنه بالحجة.. وعدوان المعتدي يرد مهما كان حاله وبما يمكن رده.. ولا تنظر إلى لباسه وجنسه وصفته في مثل هذه الحالة وإنه لمن السفاهة أن نسمي من انتقل من بلده إلى بلد آخر على وجه القهر والغصب مدنياً، وإلا ربما يكون الجنود إذا بدلوا ملابسهم مدنيون. إذا كان المظهر الخارجي من لباس ونحوه هو الفصل في المسألة.
أضف إلى ذلك النقاط التالية:
أ- أن الكيان الصهيوني هو البلد الوحيد في العالم الذي يجب حتى على المرأة الخدمة العسكرية فهي مجندة كالرجل واحتياطية أيضاً.
ب- إن المرأة منهم مفسدة وقد أنزل المصطفى (ص) المفسدة منزلة المقاتلة (وقد أخرج أحمد أنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام أمر بقتل من كشفت عن عورتها لتفسد المسلمين وقال دونكم فارموها).
ج- أن رجال الدين هم الأكثر تأليباً وتحريضاً وحقداً، واغتصاب فلسطين تم باسم الدين اليهودي..
د- إن كبار السن هم استمرار العدوان وهم المقاتلون الأوائل وكانوا هم المغتصبون لأرضنا القادمون إليها من الخارج.. وما زالوا يمارسون عدوانهم بالإقامة على الأرض التي مارسوا اغتصابها (فلو سرق مالك أو بيتك شاب، ولم تأخذ منه حتى شاخ أيسقط حقك بمقاتلته ومطالبته).
هـ- إن المجاهدين في فلسطين لم يقصدوا مدرسة أطفال في قتالهم وعملياتهم.
و- وأن باب التترس واضح المعالم وهو يدل على مشروعية قتل المدنيين إذا اختلطوا بالعسكريين على أن لا يقصد المدنيون بالقتل، وقد قال عليه السلام حين قصف غطفان بالمنجنيق وسألوه عن الأطفال قال هم من آبائهم وفي رواية (هم منهم) والحديث أخرجه البخاري.. وقال الإمام السرخسي (ولا يمتنع تحريق حصونهم بكون النساء والولدان فيها وكذلك لا يمتنع تحريق حصونهم بكون أسرى المسلمين فيها، ولكن يقصدون المشركين).
ز- إن المعاملة بالمثل باب واسع في شريعتنا لا سيما من أجل دفع العدوان وأطفالنا ونساؤنا تقتل في كل يوم، وبيوتهم تهدم ، فكيف ندفع هذا الشر إن انتظرنا حامل السلاح حتى يلوح لنا، وكيف نشكل ضغطاً على عدونا بمنعه من قتل أطفالنا ونسائنا.
ح- ثم أن الضرورات تبيح المحظورات وما قطع شجر في النضير، لما استعصوا في الحصون إضعافاً لهم إلا شاهد على ذلك.
أخيراً إن إنجازات هذه العمليات وتوفيقاتها لتشير إشارة واضحة إلى أنها ضرب من هداية السبيل الوارد في قوله تعالى: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» العنكبوت/69. وأن القائمين بها ليسوا من أبناء الشوارع بل هم طلاب جنة علموا أن ثمنها بذل أنفسهم فجادوا بها من أوسع الأبواب «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن» التوبة/111، والحديث في هذه المسألة يحتاج إلى أكثر من باب بالإضافة إلى البحث الفقهي المجرد فإنه لا بد من التعريف بهؤلاء الشهداء فهم خريجوا بيوت الله سبحانه وتعالى وتربوا فيها على كتاب الله وسنة رسوله (ص). وهم غيورون على دينهم ومقدساتهم، وأهل شوق إلى لقاء الله والفوز بجنته وإنني اعتقد أن من يقرأ وصايا هؤلاء الشهداء يوافق تماماً أنه لا يمكن أن يكونوا والمنتحرين سواء.
وأخيراً أوصي السادة العلماء والأخوة طلاب العلم بالاهتمام بهذه المسائل وإيلائها وقتاً أطول واهتماماً أكبر إذ أننا انبرينا لهذه المهمة الشاقة في هذا الوقت الصعب وإن سؤالنا بين يدي الله تعالى عظيم إن نحن قصرنا في جدية طرحها وتوضيحها بجرأة وإيمان ورجولة وانضباط بنصوص الشرع دون إغلاق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_ _ _
[b]
الدكتور نواف التكروري
بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أتكلم في هذه المسألة من خلال مقدمة ونقطتين.
أما المقدمة فهي عن تكييف العمليات وموقعها في ديننا وما يترتب على العلماء الناظرين فيها ومن يقلدهم ويتبع فتاواهم ويدافع عنها.
وأما النقطة الأولى: فحول بعض الأدلة على شرعية هذه العمليات من حيث مخالفتها للانتحار وكونها في إطار الاستشهاد.
وأما النقطة الثانية: فحول المدنيين وما يزعم من أنه يُقتل بالعمليات مدنيين، إذ لا بد من معرفة من هو المدني ومن هو العسكري من اليهود على أرض فلسطين.
وأبدأ بالمقدمة وهي تكييف هذه العمليات وموقعها في أحكام ديننا إذ تنقسم الأحكام إلى:
1- أحكام العقائد (الأصول).
2- أحكام الفقه (الفروع).
3- أحكام السلوك.
ومن المعلوم والمسَلم به أن العمليات الاستشهادية ليست مسألة عقدية وهو أمر لا خلاف فيه فلا نطيل الوقوف عنده.
وهي ليست من أحكام السلوك وإن كان لها علاقة بذلك.. وبالتالي فهي من المسائل الفقهية ولكن ليس من تلك المسائل التي جاءت بها النصوص القطعية أمراً أو نهياً بحيث لا تقبل الخلاف كتلك التي وردت بالمواريث أو بعض الحدود.
فهي إذاً مسألة فقهية، النصوص التي تشير إليها ظنية الدلالة وبهذا فهي مسألة تقبل الاختلاف في الوصول إلى حكم فيها كما هو الحال في أكثر مسائل الفقه - في العبادات - والمعاملات والأحوال الشخصية والسياسية... والعلاقات الداخلية والخارجية... وبناء عليه فوجود أكثر من رأي فيها أمر طبيعي تحتمله النصوص وتحتمله المسألة فلا يشترط فيها إجماع علماء الأمة... ويترتب على هذه النتيجة أمران:
1- الأمر الأول:
أن على القائلين بشرعية هذه العمليات، أن لا يجرموا القائلين بعدم شرعيتها أو يتهمونهم بالعمالة والخيانة فهذا لا يجوز أن يكون بين العلماء - وإن كان لا ينكر وجود عملاء يرجون لحرمة هذه العمليات ومقصدهم إنما هو تخفيف الضغط عن اليهود ومحاولة منع كل ما يؤدي إلى مقاومتهم وإلحاق الضرر بهم على وجه يضعف تمسكهم باغتصاب فلسطين - وأما هؤلاء العلماء فمقصدهم بث حكم شرعي يرونه صحيحاً ويودون حمل أمتهم على الالتزام بما يظنونه شرع الله. ومن هنا فإن توجيه الاتهام لهؤلاء العلماء أمر لا يجوز بحال من الأحوال مع انه لا بد من التحذير من العملاء أصحاب المقاصد الدنيئة، والفرق بين الفريقين واضح، على أنني لا اقصد بدفاعي هذا عن العلماء أولئك الذين يغيرون فتاواهم على وفق أوامر ساستهم فيحللون حيناً ويحرمون أحياناً.
2- الأمر الثاني:
الذي يترتب على كون هذه العمليات تخضع لأحكام الفقه وكونها خلافية: هو أن على القائلين بحرمتها أن يتذكروا أن المسائل الفقهية الخلافية لا يجوز فيها تجريم المخالف بل لا بد من الشهادة له بالأجر وأنه في إطار الأجر الواحد الكامل الذي ألغاه عملياً كثير من العلماء في فقههم، وكثير من المفكرين والسياسيين الإسلاميين في نظرتهم وتقديرهم للأمور.
ومن هنا فإنه بناء على ذلك يجب على القائلين بعدم شرعية هذه العمليات القول بصوابها بعد وقوعها وكون القائمين بها استشهاديين - وليسوا انتحاريين - ما توافرت لهم النية اللازمة لأنهم يتبعون في ذلك فتوى علماء يستندون إلى أدلة كما يستندون هم (القائلون بحرمتها) إلى أدلة.
وإن هذه القاعدة هي قاعدة سلفنا من العلماء رحمهم الله تعالى فهذا الإمام مالك يُنفذ كل عقد زواج يعقد على غير شرطه هو بعد تمامه وترتيب الدخول عليه إذا كان موافقاً لشروط غيره من العلماء...بل ربما تزوج ابنته ولم يعدها ابنة زنا قطعاً.
وكذلك لو توضأ مسلم ومسح بعض رأسه ثم سأل الإمام أحمد أو الإمام مالك عن صلاته بهذا الوضوء لقال له بأنها صحيحة سليمة ولا يمكن أن يقول له صلاتك باطلة مع أنه لا يرى صحة الوضوء إلا بمسح كامل الرأس، ولربما صلى خلفه واقتدى به. وذلك لأنهم كانوا يعون معنى الاختلاف ولا يعدون المخالف في دائرة الإثم والتجاوز لحدود الله وشرعه، وإنما هو في دائرة الأجر الواحد مع احتمال أن يكون هو صاحب الأجرين، وهذا معنى قول الإمام الشافعي (قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصحة).
وإنني اعتقد أننا إذا توصلنا في مسألة العمليات الاستشهادية إلى هذه القناعة وأعلن المحرمون لها اعتقادهم بأنها خلافية ثم أجر القائم بها بعد تنفيذه لها، اعتقد عندئذ أن هذه المسألة أصبحت واضحة المعالم.. ولم نسعَ في يوم من الأيام إلى إلغاء القول الآخر، فهي مسألة فقهية خلافية تعدد الآراء فيها مشروع إذا كان بفهم صحيح: أما الاعتداد بقول واحد واعتبار فريق المجيز لها (ليس من علماء الدليل) كما قال لي أحد الأخوة وهو يناقشني في هذه المسألة فقال (لم يقل بشرعيتها أحد علماء الدليل) فهل من يقول بشرعيتها صاحب هوى ومتجاوز لأحكام الشرع وأدلته ويقول على الله ورسوله بما يوافق هواه.
على كل حال أقول لهؤلاء الأخوة الذين تضيق صدورهم بكل رأي مخالف فيرونه هوى ويحكمون عليه بأهوائهم هم، أقول لهم ما قلت لهذا الأخ (اعلموا أنني لو علمت أن التقول على الله سبحانه وتعالى أو رسوله (ص) والتحريف المتعمد لمعنى دليل من الأدلة، يؤدي إلى تحرير فلسطين بكاملها - ولن يكون - لما فعلته).
وكذا كل أخ أو عالم أو طالب علم من أي الفريقين (القائلين بشرعيتها أو القائلين بحرمتها) لأننا نؤمن بأن لقاء الله قريب وأننا مسؤولون عن كلامٍ نجتهد به وننظر فيه، وليس حسابنا على الصوابية في الوصول إلى الحكم في هذه المسائل الاجتهادية وإنما في صدق المقصد والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى وصحة الطريق في البحث العلمي.. ونحن وأنتم والقائمون بهذه العمليات مأجورون بكل حال بإذن الله تعالى ما تجنبنا الهوى والاتهام على غير دليل، ونأتي إلى النقطة الأولى:
الأدلة الشرعية على مفارقة العمليات الاستشهادية للانتحار الذي جاءت النصوص بتحريمه.
1- قوله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً» النساء/29-30.
لا خلاف بين المفسرين بأن المقصود بهذه الآية لا يقتل بعضكم بعضاً. والآية تنهى عن ذلك وتجعله حراماً إذا كان على وجه الظلم والعدوان بمنطوقها، وهي تدل بمفهومها(مفهوم المخالفة الذي يأخذ به جمهور العلماء). على وجود قتل لا على وجه العدوان والظلم وإنما على وجه العدل، وتدل على أن الوعيد في الآية إنما هو للمعتدي الظالم في القتل، فقتل المسلم غيره من المسلمين قصاصاً لا ذنب فيه ولا وعيد وكذا قتل الزاني والمرتد... وقد جاء ذلك واضحاً بالنصوص فلا يحتاج إلى بيان... والآية تدل بمنطوقها أيضاً على حرمة قتل النفس - أن يباشر الإنسان قتل نفسه، وبتنصيصها على العدوان والظلم وحصر المنع فيه، تدل على وجود قتل للنفس - لا على وجه الظلم والعدوان وإنما على سبيل العدل والتضحية والجهاد، ولكن العلماء لم يشيروا قديماً إلى هذا المفهوم من النص، لعدم إمكانية وقوعه في آلات القتال والحرب السابقة، فلما وجدت وسائل جهادية وقتالية جديدة تسمح بمباشرة بذل النفس على وجه إعزاز دين الله والدفاع عن حقوق المسلمين أصبحت داخلة تلقائياً بمفهوم المخالفة لهذه الآية والله تعالى أعلم.
فصار كل من مباشرة قتل النفس أو الغير خاضعاً لوعيد هذه الآية إذا كان على وجه العدوان والظلم، ومستثنى بمفهوم الآية إذا كان على وجه الحق والعدل أو الجهاد وإعزاز الدين. والعدوان في قتل الغير يكون بقتله في غير ما جعل الشارع دمه فيه مهدوراً - وكذا قتل النفس عدوان كله إلا ما كان منه فيما فتح الشارع فيه باب التضحية والتغرير بالنفس وبذلها بلا تردد وهو باب الجهاد في سبيل الله سبحانه فكل بذل للنفس في هذا الباب مستثنى من العدوان وخارج منه، مباشرة أو تسبباً.
2- الناظر في النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المسألة بدقة يجد أن الشارع قد ناط الحكم بالباعث وليس باليد الفاعلة أو ذات الفعل فقط ويمكن أن يظهر لنا هذا الأمر جلياً من خلال النظر في المثالين التاليين:
المثال الأول:
- وجدنا الشارع قد نهى عن تمني الموت، فقال (ص) فيما أخرجه البخاري ومسلم (لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد أو مسيئاً فلعله يستعتب) وبالمقابل قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم (من سأل الله الشهادة بصدق أنزله الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه) فما هو سبب التفريق أو ليس كل منها تمني انتهاء الحياة؟.
أقول إن سبب التفريق في الحكم بين تمني الموت وتمني الشهادة أن الأول جزع فزع يائس ضجر إذ جاء في إحدى الروايات عند البخاري ومسلم أيضاً (لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه..) وهي علامة اليأس والضجر... بينما تمني الشهادة باعثه حب لقاء الله والتضحية في سبيله ولذلك فرق الشارع بالحكم، وإن لم يرتقِ التفريق إلى دائرة التحريم والإيجاب لأنها لم تصل حد الفعل وإنها في مساحة القول والتمني...
- كذلك حرم الشارع التسبب في قتل النفس وتعريضها مواقع الهلاك المردي ولو دون المباشرة وإنما بمجرد التسبب، ولا خلاف بين العلماء في أن من مكن غيره من قتله أو جلس في طريق سيارة لتقتله ففعلت فهو منتحر... أو ملحق بالمنتحر.
بينما المتسبب في قتل نفسه في الجهاد في سبيل الله ولو فعل ما يمكن العدو من قتله ويساعده في ذلك ويسهل عليه قتله هو مجاهد في سبيل الله ما استحضر لذلك نيته. وكان لهذا التمكين غرضه في الجهاد ففي الصحيح أن أحد الصحابة سأل الرسول (ص) في إحدى المعارك ما يضحك الرب من عبده، فقال عليه السلام أن يراه يقاتل حاسراً في سبيل الله فخلع درعاً كانت على صدره أي أزال أسباب الحماية ثم قاتلهم حتى قتل) وهذا الفعل تحت أنظار المصطفى عليه السلام. والفارق بينه وبين التسبب في قتل نفسه بالجلوس لسيارة ونحوه هو الباعث فالأول باعثه أمر من أمور الدنيا من ضجر.. والثاني باعثه إرضاء ربه وإغاظة عدوه وتجريء المسلمين على الجهاد، فافترق الحكم بينهما بالنصوص الواضحة بين التجريم للأول والاستحسان بل الوجوب أحياناً للثاني.
ج- وفي مسألتنا هذه تمام المعادلة: إذ حرم الشارع مباشرة قتل النفس من أجل أمر من أمور الدنيا بوسائل تدل على اليأس والضجر (.. من تحسى سماً ومن تردى..ومن وجأ نفسه بحديدة..) لما تدل عليه من اليأس والضجر. بينما تفجير النفس من خلال الأحزمة الناسفة لقتل العدو وتجرئة المسلمين وإعادة الأمل بالعزة للأمة وتطهير المقدسات..لا يمكن أن يستوي مع قاتل نفسه ضجراً أو يأساً، وإنما هي متفقة مع المتسبب في قتل نفسه لإعلاء كلمة الله والطلب للشهادة وشتان شتان بينها وبين الداعي بالموت والمتسبب بقتل نفسه ضجراً أو المباشر لذلك.
المثال الثاني:
الذي يدل على أن العبرة بالباعث وليس باليد الفاعلة.. أننا لو نظرنا في الأحاديث الثلاثة التالية وحاولنا أن نعرف المشترك بينها الذي يوحد الحكم والمختلف الذي يؤدي إلى اختلاف الحكم، نصل إلى نفس النتيجة (العلة المشتركة التي أنيط بها الحكم).
- قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من تردى من جبل فهو في نار جهنم... ومن تحسى سماً..) فالحديث يدل على:
أ- أنه قتل نفسه بيد نفسه.
ب- أنه قتل نفسه ضجراً ويأساً. (من أجل أمر من أمور الدنيا).
ج- أن مآله الوعيد والعذاب في نار جهنم.
قال رسول الله (ص): أول الناس تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، ذكر منهم (مجاهد قاتل حتى قتل، فيقول الله له لقد أتيتك صحة وجسماً فماذا فعلت، فيقول قاتلت فيك حتى قتلت فيقول له كذبت قاتلت حتى يقال شجاع وقد قيل فيؤمر به فيلقى في النار)، فهذا:
أ- قتل بيد عدوه في ساحة المعركة (مخالفاً للأول باليد الفاعلة للقتلة).
ب- باعثه أمر من أمور الدنيا (متفق مع الأول بالباعث).
ج- النتيجة في النار.. (متفق بالنتيجة).
والحديث الثالث: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله و كذا من قتل والنصوص الدالة على ذلك كثيرة...):
أ- فهذا قتل بيد العدو في ساحة المعركة (موافق للثاني باليد الفاعلة).
ب- باعثه إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى (مخالف للسابقين بالباعث).
ج- النتيجة في الجنة، مدركاً وعد الله للشهداء.. (مخالف للسابقين في النتيجة).
الناظر في هذه النصوص الثلاثة يجد ما يلي:
1- أن الأول والثاني اختلفا باليد الفاعلة فالأول قتل بيد نفسه والثاني قتل بيد العدو واتفقا في الباعث فهو لكل منهما أمر من أمور الدنيا.. فاتفقا في النتيجة إذ نص الشارع على أنهما في النار، وفي هذا دلالة على اعتبار الباعث دون اليد الفاعلة، ويؤكد هذا إجراء ذات المقارنة بين الثاني والثالث إذ اتفقا في اليد الفاعلة فكل منها قتل بيد العدو وفي ساحة المعركة واختلفا بالباعث، فباعث الثاني أمر من أمور الدنيا وهو الشهرة.وباعث الثالث إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، فاختلفا في النتيجة إذ الثاني في النار والثالث في الجنة كما أشارت النصوص:
وبهذا نستنتج أن الشارع لم ينط حكم الاستشهاد والانتحار باليد الفاعلة وإنما بالباعث على قتل النفس أو المباشرة في أعمال التفجير إعلاءً لكلمة الله تعالى وإرغاماً لأعدائه فهو استشهادي.
هذه بعض الأدلة: إضافة إلى ما يمكن ذكره، ومن نصوص:
1- قصة أصحاب الأخدود.
2- قصة ماشطة ابنة فرعون.
3- قصة عبد الله بن الزبير مع الأشتر النخعي.
4- أقوال علماء السلف في الاقتحام على العدو وكذلك أقوال كثير من علماء العصر في المسألة.
5- الأحاديث الواردة في الإقدام على الموت في ساحات الجهاد طلباً للشهادة وتخويف العدو وغيرها من الوقائع والأحداث الكثير والكثيرة جداً...
6- كما أن أثر هذه العمليات على العدو من زعزعة أمنه ونزع استقراره، وإدخال الرعب إلى قلوب مجنديه ومستوطنيه وقادته وتجرئة المسلمين وإعادة الأمل لهم.. كلها يمكن أن تكون أدلة صالحة للاستشهاد على شرعية هذه الأعمال الاستشهادية.
النقطة الثانية:وهي القول بأنه يقتل في هذه العمليات مدنيون ودعوى أن في اليهود على أرض فلسطين مدنيين لا يقتلون سوى الأطفال... أقول: إن أي ادعاء بوجود مدنيين في صفوف اليهود على أرض فلسطين سوى الأطفال ادعاء ترده النصوص... فمن هم المدنيون، هل المدنيون هم الذين لا يلبسون لباس العسكري.. أم أن المدنيين حسبما تشير النصوص هم الذين لا يمارسون العدوان أو يحرضون عليه ويشجعونه بمد يد العون له ولا يمكنهم شيء من ذلك حسب الواقع والعرف القائم.
فإن الإسلام في الوقت الذي كان له السبق في تشريع صيانة المدنيين وحمايتهم بتحريم قصدهم بالقتل، لم يغفل أن يبين المدنيين لا بأسمائهم وذواتهم وإنما بالحال التي يعدون فيها مدنيين فقد أخرج أبو داود: أن النبي(ص) مر بامرأة يوم حنين فقال: من قتل هذه؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله غنمتها وأردفتها خلفي، فلما رأت الهزيمة فينا، أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها. فلم ينكر عليه الرسول (ص). فاستنكار الرسول (ص) لقتلها زال عندما علم بأنها مقاتلة أو حاولت ذلك.. وكل النصوص الناهية عن قتل المدنيين جعلت لهم أوصافاً تدل على انعزالهم أو كان العرف يحكم بانعزالهم، أو عقيدتهم تأمرهم بذلك (ولا تقتلوا طفلاً ولا امرأة) والعرف قاضٍ بانعزالهم بدليل سكوته عليه وعلى آله الصلاة والسلام عن قتل المقاتلة من النساء، ولا تقتلوا شيخاً فانياً فإن بدا منه شيء من عداء أو تحريض قتل. وقتل دريد بن الصمة وهو شيخ قد تجاوز المائة وإقرار النبي (ص) أكبر شاهد على ذلك.
والنصوص التي تدل على شرعية قتل المقاتل رجلاً أو امرأة صغيراً كان أو كبيراً، كثيرة جداً وكذلك أقوال الفقهاء، ومما لا شك فيه أن العسكري لا ينحصر في حامل السلاح وإنما كل من يشكل وجوده ضرب من ضروب العدوان فهو عسكري محارب وبناءً عليه يمكن الفصل في مسألة الكبار بالسن والنساء من اليهود في فلسطين، فهم يقيمون على غير أرضهم ويحتلونها وهم عامل قوة للعدو المعتدي وتثبيت عدوانه وتأييد ودفاع عنه بالحجة.. وعدوان المعتدي يرد مهما كان حاله وبما يمكن رده.. ولا تنظر إلى لباسه وجنسه وصفته في مثل هذه الحالة وإنه لمن السفاهة أن نسمي من انتقل من بلده إلى بلد آخر على وجه القهر والغصب مدنياً، وإلا ربما يكون الجنود إذا بدلوا ملابسهم مدنيون. إذا كان المظهر الخارجي من لباس ونحوه هو الفصل في المسألة.
أضف إلى ذلك النقاط التالية:
أ- أن الكيان الصهيوني هو البلد الوحيد في العالم الذي يجب حتى على المرأة الخدمة العسكرية فهي مجندة كالرجل واحتياطية أيضاً.
ب- إن المرأة منهم مفسدة وقد أنزل المصطفى (ص) المفسدة منزلة المقاتلة (وقد أخرج أحمد أنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام أمر بقتل من كشفت عن عورتها لتفسد المسلمين وقال دونكم فارموها).
ج- أن رجال الدين هم الأكثر تأليباً وتحريضاً وحقداً، واغتصاب فلسطين تم باسم الدين اليهودي..
د- إن كبار السن هم استمرار العدوان وهم المقاتلون الأوائل وكانوا هم المغتصبون لأرضنا القادمون إليها من الخارج.. وما زالوا يمارسون عدوانهم بالإقامة على الأرض التي مارسوا اغتصابها (فلو سرق مالك أو بيتك شاب، ولم تأخذ منه حتى شاخ أيسقط حقك بمقاتلته ومطالبته).
هـ- إن المجاهدين في فلسطين لم يقصدوا مدرسة أطفال في قتالهم وعملياتهم.
و- وأن باب التترس واضح المعالم وهو يدل على مشروعية قتل المدنيين إذا اختلطوا بالعسكريين على أن لا يقصد المدنيون بالقتل، وقد قال عليه السلام حين قصف غطفان بالمنجنيق وسألوه عن الأطفال قال هم من آبائهم وفي رواية (هم منهم) والحديث أخرجه البخاري.. وقال الإمام السرخسي (ولا يمتنع تحريق حصونهم بكون النساء والولدان فيها وكذلك لا يمتنع تحريق حصونهم بكون أسرى المسلمين فيها، ولكن يقصدون المشركين).
ز- إن المعاملة بالمثل باب واسع في شريعتنا لا سيما من أجل دفع العدوان وأطفالنا ونساؤنا تقتل في كل يوم، وبيوتهم تهدم ، فكيف ندفع هذا الشر إن انتظرنا حامل السلاح حتى يلوح لنا، وكيف نشكل ضغطاً على عدونا بمنعه من قتل أطفالنا ونسائنا.
ح- ثم أن الضرورات تبيح المحظورات وما قطع شجر في النضير، لما استعصوا في الحصون إضعافاً لهم إلا شاهد على ذلك.
أخيراً إن إنجازات هذه العمليات وتوفيقاتها لتشير إشارة واضحة إلى أنها ضرب من هداية السبيل الوارد في قوله تعالى: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» العنكبوت/69. وأن القائمين بها ليسوا من أبناء الشوارع بل هم طلاب جنة علموا أن ثمنها بذل أنفسهم فجادوا بها من أوسع الأبواب «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن» التوبة/111، والحديث في هذه المسألة يحتاج إلى أكثر من باب بالإضافة إلى البحث الفقهي المجرد فإنه لا بد من التعريف بهؤلاء الشهداء فهم خريجوا بيوت الله سبحانه وتعالى وتربوا فيها على كتاب الله وسنة رسوله (ص). وهم غيورون على دينهم ومقدساتهم، وأهل شوق إلى لقاء الله والفوز بجنته وإنني اعتقد أن من يقرأ وصايا هؤلاء الشهداء يوافق تماماً أنه لا يمكن أن يكونوا والمنتحرين سواء.
وأخيراً أوصي السادة العلماء والأخوة طلاب العلم بالاهتمام بهذه المسائل وإيلائها وقتاً أطول واهتماماً أكبر إذ أننا انبرينا لهذه المهمة الشاقة في هذا الوقت الصعب وإن سؤالنا بين يدي الله تعالى عظيم إن نحن قصرنا في جدية طرحها وتوضيحها بجرأة وإيمان ورجولة وانضباط بنصوص الشرع دون إغلاق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_ _ _
[b]
رد: شرعية العمليات الاستشهادية وأدلتها من الكتاب والسنة والسيرة (وتكييفها)
الإثنين 03 يناير 2011, 17:28
شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
رد: شرعية العمليات الاستشهادية وأدلتها من الكتاب والسنة والسيرة (وتكييفها)
الجمعة 27 مايو 2011, 14:06
يسم الله الرحمان الرحيم
بارك الله فيك على هذا المجهود وجزاك الله خيرااا
بارك الله فيكم و في مجهودكم .كما أشكر جميع الاعضاء على التواصل
.وفقكم الله و سدد خطاكم.و الحمد لله لقد صار منتدى الونشريسي من أحسن و
أرقى المنتديات التربوية .و لقد تابعت مسيرته منذ النشئة الى التألق
و
هذه شهادة أن المنتدى يحتوي بين طياته و ثناياه ما ينفع و يفيد.فمزيدا من
الالتفاف نحو هذا المنتدى الذي يستحق المباركة و التشجيع ..
بارك الله فيك على هذا المجهود وجزاك الله خيرااا
بارك الله فيكم و في مجهودكم .كما أشكر جميع الاعضاء على التواصل
.وفقكم الله و سدد خطاكم.و الحمد لله لقد صار منتدى الونشريسي من أحسن و
أرقى المنتديات التربوية .و لقد تابعت مسيرته منذ النشئة الى التألق
و
هذه شهادة أن المنتدى يحتوي بين طياته و ثناياه ما ينفع و يفيد.فمزيدا من
الالتفاف نحو هذا المنتدى الذي يستحق المباركة و التشجيع ..
- bzikemعضو جديد
- :
عدد الرسائل : 72
العمر : 27
المزاج : السائر في طريق النجاح
تاريخ التسجيل : 01/04/2011
رد: شرعية العمليات الاستشهادية وأدلتها من الكتاب والسنة والسيرة (وتكييفها)
الخميس 21 يوليو 2011, 17:57
شكرا على الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى