الزفاف
السبت 25 يونيو 2011, 15:58
بدر بن نادر المشاري
إلى الشباب المؤمنين الطيبين الطاهرين عاشقين العفة والحياء ..
إلى الفتيات المؤمنات الطيبات الطاهرات عاشقات العفة والحياء..
إلى الأب المشفق على فلذات أكباده..
إلى الأم الحنونة على فلذات أكبادها..
أهدي هذه الرسالة علها أن تكون تاجاً للفضيلة
بسم الله الرحمن الرحيم
الزفاف
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي
بعده ؛ ؛ ؛ أما بعد:ـ
فإن الزواج في الإسلام عبادة، وقربة من الله عز وجل، وسنة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ينال به المؤمن الأجر والثواب إذا أخلص النية وصدق في العزيمة،
وكان القصد بالزواج إعفاف النفس عن الحرام، والرغبة في الذرية وتكثير سواد
الأمة المحمدية وبها تستمر الحياة وتعّمر الأرض إلى أن يشاء الله.
ومن هنا جاءت الشريعة السمحاء بالأمر به لمن قدر عليه؛ ليحصل به من المصالح
ويدرأ به من المفاسد العظيمة ما الله به عليم، قال المولى جلا وعلا: }وَأَنكِحُوا
الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن
يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ{ [النــور:32]
ولذا نادى رسول الهدى صلى الله عليه وسلمبذلكُ، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ
الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ
لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ
وِجَاءٌ"[1].
وأسلاف هذه الأمة أدركوا ذلك فقاموا وأمروا به بدءًا بصحابة رسول الله، ومرورًا
بالتابعين وتابعيهم، ونهاية بسائر من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى وقتنا هذا
وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
قال سفيان بن عيينة: حدثنا ابن عجلان قال عمر بن الخطاب :t "إني لأعجب ممن يدع
النكاح بعد سماعه آية النور: }وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن
فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ [النــور:32]
وبالزواج يباهي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا الأمم ويكاثر يوم القيامة،
فهو آية من آيات الله لسكن النفس وجعل المودة والرحمة بين الزوجين،
}وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ ا[لروم:21]
وقال أبو بكر بن شبل في كتاب النساء له من حديث سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن
ميسرة عن عبيد بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أحب فطرتي؛
فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح"[2].
فما دام أن هذه السنة فطرة فُطر عليها بنو آدم كان لزامًا على الزوجين ــ بل
وسائر المسلمين ــ أن يتفقهوا في أحكام وسنن الزواج وآدابه، وأن يكون لديهم
آفاق واسعة من المعرفة والاطلاع ليرفعوا عن أنفسهم الجهل والحرج ويعبدوا الله
على بصيرة، ومن هنا جاءت هذه الرسالة "الزفاف"سائلاً المولى أن ينفع بها كاتبها
وقارئها وناشرها وأن يُلبسها حُلل القبول انه ولي ذلك والقادر عليه.
المؤلف
بدر بن نادر المشاري
1/1/1426هـ
الرياض
جوال: 0505409983
ص.ب 140156
الرمز البريدي 11725
htin@maktoob.com
إشراقات آية
يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
قال الإمام الشوكاني: أي من جنسكم في البشرية والإنسانية. (لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا) أي تألفوها وتميلوا إليها، فإن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما
إلى الآخر ولا يميل قلبه إليه. (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) أي
ودادًا وتراحمًا بسبب عصمة النكاح يعطف به بعضكم على بعض من غير أن يكون بينكم
قبل ذلك معرفة فضلاً عن مودة ورحمة"[3].
وقال الإمام ابن كثير: خلق لكم من جنسكم إناثًا يكن لكم أزواجًا (لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا)، ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورًا وجعل إناثهم من جنس آخر إما
من جان أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة
لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من
جنسهم، وجعل بينهم وبينهنَّ مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك
المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجه إليه في
الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك"[4].
فطرة فطر الله الناس عليها
إن من المعلوم فطرة كما أسلفنا أن الزواج وحبه
فطرة فطر الله الناس في هذه الدنيا عليها لا تبديل لخلق الله؛ لذا أحبه الرسول
صلى الله عليه وسلم فقال:" حبب إلي من دنياكم ثلاث وذكر منها النساء"[5].
ويقال إن الشيء قد يكون من الدنيا ويكون حبه من الآخرة لإعانته عليها، ويروى عن
عمر أنه قال: ليس في النساء سرفٌ ولا في تركهن عبادة ولا زهد.
وذكر عن بعض السلف أنه كان عنده أربع زوجات وإماء وكان يقول: إني لمشتاق إلى
العروس.
إذًا المرأة في الدنيا متاع وخير متاعها الصالحة منهن، ومن رزق بالصالحة فقد
أعين على شطر دينه كما قال صلى الله عليه وسلم:" من رزقه الله امرأة صالحة، فقد
أعانه على شطر دينه فليتّقِ الله في الشطر الباقي"[6]{ فَالصَّالِحَاتُ
قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ} [سورة النساء: 34].
يا معشر الشباب
إن من العبادات اللازمة الزواج فهناك فريق من
علماء المسلمين يقرر أن الزواج فرض لازم للمسلم القادر فمن تركه أو تثاقل عنه؛
فهو آثم إثم من ترك فريضة من فرائض الإسلام، وفريق كبير من الأئمة والعلماء
قالوا: إنه واجب.
فهو، عبادة وفيه من الآيات والحكم ما الله به عليم، يقول الغزالي:" ومن بدائع
ألطافه أن خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا، وسلّط على الخلق شهوة اضطرهم
بها إلى الحراثة جبرًا، واستبقى بها نسلهم إقهاراً وقسراً، وندب إلى النكاح وحث
عليه استحبابًا وأمرًا، فإن النكاح معين على الدين، ومهين للشياطين، وحصن دون
عدو الله حصين، وسبب للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين"[7].
وقد رغب الله في النكاح وأمر به فقال:}وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ {
[النــور :32]، وهذا أمر، وقال: } فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّ { [البقرة : 232] ، وهذا منع من العضل"[8] ونهي عنه.
قال تعالى في وصف الرسل ومدحهم: }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ
وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً {[الرعد:38]
يا معشر الشباب؛ لقد مدح الله أولياءه بسؤال ذلك في الدعاء فقال: }َ والَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ { [الفرقان:74]
فاحذر تركه والعزوف عنه بدون سبب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"النكاح
سنتي فمن رغب عن سنتي، فقد رغب عني"[9] وقال عمر بن الخطاب t:" لا يمنع من
النكاح إلا عجز أو فجور".
الاختيار
إن البيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة وهو
الخلايا التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم الحي والمجتمع الإسلامي.
إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة ولابد أن تكون القلعة متماسكة من
داخلها حصينة في ذاتها، فواجب المؤمن أن يؤمّن هذه القلعة من داخلها، وأن يسدَّ
الثغرات فيها حتى لا يكونَ سهل الاقتحام؛ لذا ينبغي لمن أراد بناء بيت مسلم أن
يبحث له أولاً عن:
1. زوجه
مسلمه قال تعالى: } وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ
لِلطَّيِّبَاتِ{[النــور:26].
2. أن
يبحث ويظفر بذات الدين؛ لقول رسول الله: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ:
لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ
الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"[10] ولقد نهى رسول الله نهيًا صريحًا أن يكون للمرء
في زواجه أرب من المآرب الباطلة فقال: " لا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ
لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلا تَزَوَّجُوهُنَّ
لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ؛ وَلَكِنْ
تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ وَلأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ
أَفْضَلُ"[11]
إذًا لا يحق لمؤمن أن يستهدف غير الحق في أي عمل من أعماله، فالحق أعز ما استعز
به المرء في حياته، فمن أعرض عنه واستهدف سواه في زواجه وغيره؛ فقد حبط عمله،
ومحقت بركة زواجه على نحو ما رأينا في الحديث.
والزوج الصالح نعمة لا تعوَّض وبرده وعدم قبوله يحصل الفساد العريض والفتنة في
الأرض، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ
تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ
فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَإِنْ كَانَ
فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ
"[12] .
أي فتنة أعظم وأي فساد أشمل على الدين والأخلاق في الأسرة والمجتمع حين نضع
الفتاة المؤمنة بين يدي رجل متحلل أو زوج ملحد لا يعرف معنى الشرف والغيرة
والعرض ، وأي فتنة أعظم في الأسرة والمجتمع حين نضع المرأة المؤمنة في عصمة زوج
إباحي يكرهها على السفور والاختلاط ويجبرها على شرب الخمور والدخان ومراقصة
الرجال ويهزأ من دينها ويقسرها قسرًا على التفلت من عصمة الدين والأخلاق وهذا
فعل الديوث الخبيث } وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ{ [النــور:3].
فكم من فتاة كانت مظهرًا من مظاهر العفة والإيمان والطهر فلما وقعت في
بيت إباحي بين يدي زوج متحلل أصبحت امرأة مستهترة بدينها متهتكة بعقيدتها نبذت
الفضيلة وطرحت الشرف، فعلى أهل المخطوبة ووليها أن يبحثوا على الخاطب ذي الدين
والخلق؛ ليقوم بالواجب الأكمل في رعاية الأسرة ويؤدي حق زوجته الذي شرعه
الإسلام وتذكروا قوله تعالى: }إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ
وَفَسَادٌ كَبِيرٌ{ [الأنفال:73].
حق البكر والثيب
فحقها كمال الحرية في القبول أو الرفض لمن يأتي
لخطبتها، ولا حق لأبيها أو وليها أن يجبرها على ما لا تريده قال رسول الله:" لا
تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى
تُسْتَأْذَنَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ
تَسْكُتَ"[13].
والأيم هي البنت، والاستئمار هو طلب الأمر، فلا يعقد عليها حتى تشاور ويطلب
الأمر منها، وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ قُلْتُ:
إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِي قَالَ: إِذْنُهَا صُمَاتُهَا" وَقَالَ بَعْضُ
النَّاسِ: إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا فَأَبَتْ
فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَدْرَكَتْ
فَرَضِيَتْ الْيَتِيمَةُ فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزَّوْجُ
يَعْلَمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ[14] . فإذا تزوجت البنت دون
أن تستأمرها فالعقد باطل، وإذا زوجت البكر دون أن تستأذن فهي بالخيار إن شاءت
أمضت العقد وإن شاءت أبطلته، ومما جاء في الثيب، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ
الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ
فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَ[15]
.
ومما جاء في شأن البكر أن فتاة بكرًا ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أباها زوجها وهي كارهة فخيرها عليه الصلاة والسلام أي جعل لها الخيار في إبطال
العقد أو إمضائه ، وجاءت فتاة إليه صلى الله عليه وسلم فقالت:"إن أبي زوجني ابن
أخيه ليرفع بي خسيسته فجعل الأمر إليها فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت
أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء"[16].
فالبنت أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها وصمتها إقرارها، وللنووي
كلام نفيس في هذا المعنى فليرجع إليه0وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهما من
الكوفيين: يجب الاستئذان في كل بكر بالغة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في
البكر إذنها صمتها فظاهره العموم في كل بكر وكل ولي وأن سكوتها يكفي مطلقًا
"هذا هو الصحيح"
وروي عن عائشة أنها سألت رسول الله عن استئذان البكر فقالت: إن البكر لتستأذن
فتستحي فتسكت فقال:(سكاتها إذنها) [17].
قال بعض المحققين: لا يكون سكوت البنت إذنًا للأب فيزوجها إلا إذا كانت تعلم
ذلك فإن كانت لا تعلم فينبغي إعلامها؛ لذا ليتنبه الناس وليعلموا أن التشريع
الإسلامي يمنع إكراه البالغة على النكاح بكرًا كانت أو ثيبًا وكم للإكراه من
بلايا وعواقب وخيمة الإسلام يأباها كل الإباء والواقع يشهد بذلك.
رضا الولي
كما اشترط الإسلام قبول المرأة للزواج؛ اشترط
اقتناع وليها ورضاه، وذلك ضمانًا لسلامة الاتجاه وابتعادًا عن النوازع الخاطئة
والأهواء الجامحة، فقد يخفى وجه الحقيقة على الفتاة، أو تندفع وراء الأوهام
والعواطف فتُصدم بعدها بسوء العاقبة ومرارة الواقع.
إن الولي هنا قائد بصير، ورائد ناصح لا يعنيه إلا تلمح الحقيقة، ويبحث عن
المسعُد المعين، ولابد من رضا الولي للبكر والثيب معًا، وهذا ما تشهد به
الأحاديث؛ فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"
أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا؛ فَنِكَاحُهَا
بَاطِلٌ، فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْ فَرْجِهَا،
وَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ "[18].
وعنها رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا نِكَاحَ إِلا
بِوَلِيٍّ"[19]، ولا عَنَتَ في هذا ولا حرج، وهذا لا يخول للولي عضلها؛ لأن
الإسلام نهى الأولياء أن يعضلوا النساء فلا يمتنعوا عن تزويجهن متى كان الخاطب
كفئًا ولا يضار وهن بحبسهن عن الزواج لهوىً أو منفعة وفي القرآن: } فَلاَ
تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم
بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ
وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{ [البقرة:232]
وفي الحديث عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ:" يَا عَلِيُّ ثَلاثٌ لا
تُؤَخِّرْهَا: الصَّلاةُ إِذَا آنَتْ، وَالْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ،
وَالأَيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا"[20] فإن امتنع الولي من التزويج بلا
عذر مع كفاءة الزوج واستقامة الحال؛ انتقلت الولاية إلى القاضي لينفذ الزواج.
(لأن العضل ظلم، وولاية رفع المظالم إلى القاضي)
الرؤيــــــــة
حين يطمئن الرجل إلى حسن اختياره ويقتنع بما في
المرأة من صفات ويرى حياتهما معًا تكفل لهما السعادة وتحقق الرغبة؛ فليتقدم
للخطبة، والخطبة تعبير واضح عن الرغبة في الزواج فهي خطوة وإن كانت غير ملزمة
فهي أساسية في طريق الإلزام.
ولهذا ينبغي أن تصدر عن رغبة صادقة واقتناع بصير، وقد جعل الإسلام الرؤية وسيلة
للتعرف على الصفات الحسنة التي يهم الرجل الاطمئنان إليها، وفي هذا جاء قول
رسول اللهصلى الله عليه وسلم:" إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنِ
اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ
"[21] ، والمغيرة حينما خطب امرأة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انظر
إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) [22].
أي يوفق بينهما وهذا من السنة؛ لأنه فيه رعاية الجانب الحسي إلى جوار الجانب
الروحي والخلقي، وفيها يكمل الاختيار الموفق الذي تعمر به الحياة الزوجية وتؤدي
غايتها في سكينة واطمئنان.
المخطوبة ترى الخاطب
الأحاديث التي وردت واشتهرت في شأن الرؤية عند
إرادة الخطبة جاءت بلفظ رؤية الخاطب للمخطوبة وهذا في النصوص الشرعية أمر
مألوف.
حيث إن الأحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة هي غالبًا ما تخاطب الرجل
ويكون المقصود بها الاثنين معًا.
ولذلك فإن الأحاديث الواردة في حق نظر الرجل إلى المرأة هي نفسها تفيد حكم نظر
المرأة إلى الرجل، فكما يجوز للرجل النظر إلى المرأة إذا أراد نكاحها فكذا
للمرأة أن تنظر إلى الرجل إذا أرادت نكاحه، وقد نص كثير من الفقهاء على أن
للمرأة الحق في أن تنظر إلى الرجل عند إرادة النكاح مثلما أن له الحق في
ذلك[23].
إذًا المرأة إن كانت في الأصل محلاًّ للمتعة فإنها هي الأخرى تتمتع بالرجل
ولذلك فإنها تتطلع إلى صفات ترغبها في الرجل كما أنه يتطلع إلى صفات يرغبها
فيها ويعجبها منه ما يعجبه منه[24]. قال عمر بن الخطاب: "يعمد أحدكم إلى ابنته
فيزوجها القبيح إنهن يحببن ما تحبون" [25].
متى تكون رؤية المخطوبة
لقد اختلفت عبارات الأحاديث وألفاظه الدالة على
مشروعية رؤية المرأة لمن أراد نكاحها، فأشار بعضها إلى أن الرؤية تكون قبل
الخطبة، وأشار البعض الآخر إلى أن الرؤية تكون بعدها، والراجح والله أعلم أنه
إذا تسنى للخاطب رؤية المخطوبة قبل الخطبة فذلك أمر محمود، وإلا فإن الرؤية
تكون بعد الخطبة وهو الأولى عمليًَّا حيث إن الرؤية قبل الخطبة أمر قد يكون
شاقًا ومحرجًا، وهو جائز لدلالة الأحاديث عليه وأنه إذا أمكن حصوله بلا مشقة
فهو أمر مطلوب، والدليل:
1) عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ:" رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ
مَسْلَمَةَ يُطَارِدُ امْرَأَةً بِبَصَرِهِ فَقُلْتُ: تَنْظُرُ إِلَيْهَا
وَأَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةً لِامْرَأَةٍ
فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا" [26].
2) حديث جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا جُناحَ
على أحدكُمْ إذاَ أراد أن يخطبَ المرأة أن يغترها فينظر إليها فإنْ رضي نكحَ
وإن سخطَ تَرَكَ "[27].
وأدلة من يرى الرؤية بعد الخطبة عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ
فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا
فَلْيَفْعَلْ" وحديث أَبِي حُمَيْدَةَ قَالَ: وَقَدْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ، إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا
لِخِطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ " [28]. .
المواضع التي يراها الخاطب من المخطوبة
لا خلاف بين أهل العلم في جواز النظر إلى وجه
المرأة لمن أراد أن ينكحه[29] لكنهم اختلفوا فيما وراء ذلك من بقية البدن.
واختصارًا لما اختلفوا فيه من الأقوال بعد بحثها وعرضها ومناقشتها يترجح ــ
والعلم عند الله ــ ضعف قول إباحة رؤية بدن المرأة باستثناء العورة المغلظة أو
باستثناء مابين السرة والركبة؛ لأنهم أخذوا بظاهر الأحاديث وقد نوقش أن ظواهر
الأحاديث لا تدل من قريب ولا بعيد على جواز رؤية ما بطن من المرأة، والقول بأن
ظواهر الأحاديث تدل على جواز رؤية ما يصدق عليه أنه رؤية معتادة وهو الظاهر
عادة فيبقى عداه على الحظر الأصلي، قال النووي ــ رحمه الله ــ معلقًا على مثل
هذا الكلام: "وهذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع" [30]، فالقول الراجح
هو أن نظر الخاطب إلى مخطوبته ينطبق عليه ما ينطبق على نظر المحرم ــ غير الزوج
ــ إلى محارمه من جواز رؤية الوجه والكفين والقدمين والرأس والرقبة والساعدين
وغير ذلك مما يجوز للمحرم رؤيته، فنظره ليس للمتعة فلا يحل له ما يحل للزوج من
رؤية كامل البدن فهو قبل الخطبة شخص قد مُنع من الرؤية بنص القرآن والسنة، فلما
أُحلَ له ذلك بالأحاديث المخصصة دخل ضمن الأشخاص الذين أباحت لهم الآية حِلّ
النظر ــ أعني المحارم ــ ولكن لا يكون كالزوج؛ لأن نظره ليس للمتعة بل لهدف
آخر هو التحقق من أوصاف المرأة وهدفه هذا يتحقق بأقل مما يحل للزوج رؤيته
فيتعين أن يكون مثل المحارم غير الزوج والله أعلم.
الخلوة بالمخطوبة
من المقرر شرعًا أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب
وأنها ليست محرمًا له وهي محرمة عليه كغيرها من النساء الأجنبيات عنه، فليس
بينهما أي رابط من روابط النكاح التي بين الزوجين، وما أبيح لهما من نظر أحدهما
إلى الآخر قبل الخطبة أو بعدها فإنما هو فقط إباحة وقتية شرعها الشارع الحكيم
للحاجة؛ فيبقى غيرها على حكم الأصل وهو التحريم، ومن ذلك الخلوة بالمخطوبة فهي
محرمة لا تجوز بناء على أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب وهذا بالسنة والإجماع.
فقد أجمع أهل العلم على تحريم الخلوة بالأجنبية قال النووي: "إذا خلى الأجنبي
بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا
يستحى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم"[31] ، والسنة
جاءت بهذا، ففي حديث ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ:"لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ
بِامْرَأَةٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا
مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه؛ِ إِنَّ
امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا
قَالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ، وحَدَّثَنَاه أَبُو الرَّبِيعِ
الزَّهْرَانِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو بِهَذَا الإِسْنَادِ
نَحْوَهُ، وحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ
سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلّا وَمَعَهَا
ذُو مَحْرَمٍ" [32]
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ
مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ
الْحَمْوُ الْمَوْتُ [33]
إذًا يفهم من هذا أن على الخاطبين إذا أرادوا النظر إلى مخطوباتهم أن يكون بدون
خلوة، وأن الخلوة بالمخطوبة محرم والإباحة لم ترد إلا بالنظر فيبقى ما عداه
محرمًا كما تقدم.
قال ابن قدامة: " ولا يجوز له الخلوة بها؛ لأنها محرمة ولم يرد الشرع بغير
النظر فبقيت على التحريم " [34] .
بمن تنتفى الخلوة
قد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى كيفية انتفاء الخلوة حيث إنها تحصل بوجود
واحد فأكثر مع الرجل والمرأة بقوله:" لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغيبة إلا
ومعهُ رجل أو اثنانِ" والمغيبة التي غاب عنها زوجها عن منزلها، فتدفع الخلوة
بوجود شخص ثالث مع الرجل والمرأة سواء كان هذا الثالث رجلاً أو امرأة.
قال الزركشي في شرحه على الخرقي: "و يخرج عن الخلوة بحضور امرأة صبية فأكثر أو
رجل من ذوي أرحامها أو عصابتها ممن يباح له السفر بها" [35] .
ضوابط النظر إلى المخطوبة
للرؤية ضوابط ومعايير لابد من مراعاتها عند إرادة
اجتماع الخطيب بمخطوبته وهي:ـ
أولاً:
أن تكون الرؤية إلى المخطوبة بعد العزم على نكاحه[36] فلا يتصفح وجوه النساء
ليبحث عمن تصلح له [37] بل إذا تعينت وعزم على نكاحها؛ جاز له أن ينظر إليها
سواء بعلمها أو بدون علمها سواء قبل الخطبة أو بعدها.
ثانيًا:
أن يغلب على ظنه أنه سوف يُجاب إلى نكاحه[38] فإن لم يغلب على ظنه أنه سوف
يجاب إلى نكاحها؛ لم يجز له النظر إليها.
ثالثًا:
أن لا ينظر منها أكثر مما ينظر المحرم من محارمه من وجه وكف وقدم ورقبة ورأس.
رابعًا:
أن يكون الاجتماع للنظر من غير خلوة بها؛ بل لابد من وجود من ترتفع الخلوة به
من محرم أو امرأة أو صبي مميز؛ لأنه أجنبي عنها فلا تحل الخلوة بها.
خامسًا:
أن لا يقصد بنظره التلذذ فذلك لا يجوز[39]؛ لأن
نظر التلذذ لا يجوز إلا للزوج، والخاطب أجنبي فلا يجوز له ذلك.
سادسًا:
أن يأمن من ثوران الشهوة عند النظر؛ لأن ذلك قد
يؤدي إلى الفتنة مع خلاف الفقهاء فيه.
سابعًا:
أن لا تتعدى مدة الرؤية ولا عددها القدر المطلوب، فمتى ما اطّلع على مايريد من
الأوصاف وتأكد منها مرة أو مرتين أو أكثر؛ لم يجز له أن يستمر في الرؤية، وذكر
الفقهاء ــ رحمهم الله تعالى ــ أن له أن ينظر إليها ويكرر النظر إلى أن يتم
مقصوده ويتحقق من أوصافها، فإذا تحقق من أوصافها؛ انقضت حاجته التي أبيح النظر
من أجلها فيحرم بعد ذلك أن يزيد النظر أو يكرره [40]
ومما يدل على جواز تكرير النظر للحاجة هو فعله صلى الله عليه وسلم في حديث
الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم المتقدم، وهو عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ
إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ
النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَأَتِ
الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ
أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا
حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: لا
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ
تَجِدُ شَيْئًا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا.
قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ:
لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا
إِزَارِي.
قَالَ سَهْلٌ :مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ
لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ
مِنْهُ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ
فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي
سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا قَالَ:
أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ
مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ"[41] .
ثامنًا: عدم استعمال المساحيق في الوجه أو حمرة الشفاه أو صبغ الشعر من المرأة
أو الرجل؛ لأن ذلك من الغش والتدليس الذي نهى عنه الإسلام وحذر منه النبي صلى
الله عليه وسلم والرؤية إنما جعلت لمعرفة الحقيقة وهذه الأشياء تحول دون معرفة
الحقيقة.
التوكيل في الرؤية
ورؤية الصورة العاكسة للبدن
توكيل المرأة الأجنبية لرؤية المخطوبة وتوكيل
الرجل الأجنبي لرؤية الخاطب، هذه المسألة جائزة فيجوز للرجل أن يوكل امرأة
أجنبية عن المخطوب لتراها عنه، ويجوز للمرأة أن توكل رجلاً ليرى الخاطب[42]
وذلك فيما إذا تعذرت الرؤية المباشرة إما لخجل أو لبعد مسافة أو لكون الخاطب
أعمى، أو غير ذلك، وهذا لاخلاف فيه؛ لأن المرأة في الأصل يجوز لها أن ترى
المرأة كما أن الرجل يجوز له أن يرى الرجل، وقد دلت السنة على ذلك، فعَنْ
أَنَسٍ t أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَرْسَلَ أُمَّ
سُلَيْمٍ تَنْظُرُ إِلَى جَارِيَةٍ فَقَالَ: شُمِّي عَوَارِضَهَا وَانْظُرِي
إِلَى عُرْقُوبِهَا" [43].
وتوكيل الرجل الأجنبي لرؤية المخطوبة، وتوكيل المرأة الأجنبية لرؤية الخاطب
مسألة فيها أقوال، والراجح أن ذلك أمر غير جائز؛ لأن النظر محرم على الأجنبي
الذي لم يخطب فالنص إنما هو في حل النظر للخاطب والمخطوبة فقط، ثم إن الأمر فيه
سعة حيث تقوم المرأة مقام الرجل فلا حرج في هذا ولا ضرورة للرجل .
وأما رؤية الصورة العاكسة للبدن
هل تقوم الصورة العاكسة لبدن الشخص مقام الرؤية؟ وهل يجوز ذلك؟ أما أن الصورة
تقوم مقام الرؤية المباشرة فالأمر ظاهر في أنها لا تقوم مقامها تمامًا.
وأما الجواز فإن أهل العلم لم يتطرقوا لهذا؛ نظرًا لأن تصوير المثلي هو العاكس
للبدن أمر حديث والذي يترجح هو عدم الجواز لأن أصل التصوير حرام ولا يجوز، ثم
إنها لا تقوم بالمقصد الشرعي وهو أن يؤدم بينهما.
المهــــــــــــــــــــر
بيـــن التوجيه والتشريع
إن التشريع الإسلامي قد أنشأ للمرأة حقَّا صريحًا
وحقًّا شخصيًّا في صداقها يقول الله تعالى:} وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا
مَّرِيئًا{ [النساء:4]، أي يؤديه عن طيب نفس وارتياح خاطر كما يؤدي الهبة
والمنحة؛ فالله سبحانه وتعالى يجعل صداق المرأة فريضة لها مقابل الاستمتاع بها
}فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً {
[النساء: 24]، وذلك هو المهر الذي فرضه الله ويكون المهر لما يتراضى عليه
الزوجان بينهما وفق مقتضيات الحياة؛ لقوله تعالى: }وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمًا{[النساء: 24]، وعلى هذا الأساس يجب أن ينظر في تسهيل الأمور التي دعا
الإسلام إليها ومنها القصد في المهور وتيسير الزواج قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:"إن أعظم النكاح بركة أيسرُهُ مؤونةً"[44] .
نعم هناك إجماع للعلماء على أن المهر لا حدَّ لأكثره ولكن البركة في يسر
المؤونة التي يصورها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:" لَوْ أَنَّ
رَجُلًا أَعْطَى امْرَأَةً صَدَاقًا مِلْءَ يَدَيْهِ طَعَامًا كَانَتْ لَهُ
حَلَالًا"[45] ، وكان عمر t يقول: "لا تغلوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة
في الدنيا أو تقوى في الآخرة لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم" فأين
نحن من هذا الهدي المبارك، ولأن يقبل المرء اليسير من الصداق تحصيلاً لما وعد
رسول الله من البركة خير له ولمن ولاه الله أمرها من ملء الأرض ذهبًا يشق به
على الخاطب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، }يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ
وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ { [البقرة: 185]
نداء وصرخة عاجلة
- إلى أولياء البنات
أقول إذا كان المهر مشروعاً في الزواج فإنه ينبغي أن يكون مقداره بالمعروف
طبقاً لحال الزوج وحال المرأة لأن المهر وتحصيله وسيلة لا غاية فيجب أن يكون
بحدود المعقول وحسب الاستطاعة فاتقوا الله ولا يكون قلة المهر أوعدم حضوره
حائلًا بين الكفء وبين الزواج أوسبباً في المفاخرة والمضاهاة المنافية لشريعة
الإسلام
¯إليك أنت أيها الزوج المقتدر اعلم أن أيسر النساء مهراً ومؤنه أكثرهن بركة
وأشدهن أعسرهن مهراً ومؤنه أقلهن إن لم يكن معدومات البركة لاتقل بأني مقتدر
فإن في مجتمعك من إخوانك من لا يستطيع فعلك فخذ بالأيسر للمشروع وتحرياً للبركة
ورأفة بإخوانك الذين يعجزون عما تقدر عليه ولا يمنع إذا دخلت على أهلك
ورغبت.فأعطهم ما تشاء وكن ممن سن في الإسلام والدين والمجتمع سنة حسنة ليكون لك
أجرها وأجر من عمل بها
-
ونداء أخير لكِ أيتها المقبلة على الزواج
تذكري أنك ستعيشين مع رجل له القوامة عليك كيف سيكون حاله معك في التعامل في
الحياة كلها خصوصاً إذا كنت سبباً في إثقاله وتحمله أعباء المهر من ديون وغيرها
وكيف وأنتِ سبب في ذهاب كل ما جمع بعد الكد والتعب في عنفوان الشباب وتذكري أنه
هناك مؤمنات تزوجن في خير القرون بنعلين فأجاز رسول الهدى نكاحهن.وهناك من
تزوجت بخاتم من حديد بل وأمر الرسول بالتماسه لها وهناك من تزوجت بما مع الزوج
من القرآن الكريم من السور وتذكري أن رسول الله استكثر على الرجل الذي قال أني
تزوجت امرأة على أربعة أواق يعني مائة وستين درهما فقال رسول الله على أربعة
أواق كأنما تنحتون الفضة من عروض هذا الجبل ماعندنا مانعطيك
-
هذا ندائي للآباء والأمهات والأزواج والزوجات
ومن ولاه الله أمر امرأة أن يتقي ربه وأن ولا تجعلوا المهور محلاً للمفاخرة
والمباهاةِ وسببا في عنوس الفتيات وعزوف الشباب عن الزواج
فيسروا ولا تُعسروا
حفل الزفــــاف
سنّ الإسلام الاحتفال بعقد الزواج، إذ هو من
الأمور الجليلة التي ينبغي أن يشهدها أولو الصلاح والفضل، فيجتمعون وتشملهم
مشاعر الحمد وأماني النجاح والتوفيق وفي هذا الجو الطَّهور تتردد كلمات الحق
والخير وتؤكد عزائم التقوى والإيمان في هذه الخطبة المأثورة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ
نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ
يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون
، واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا "[46].
وهذه الآيات توحي بجو الحق والصدق الذي يريده الإسلام لهذه العلاقة، وكذلك من
السنة إقامة حفل للزفاف يتحقق به إعلان الزواج وإذاعته، ولا بأس في هذا الحفل
من الإعلان له بما لا يحدث منكرًا ولا يؤدي إلى باطل مثل الضرب بالدفُ والنشيد
بالصوت للنساء وهذا قدر متعين لإعلان النكاح، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فَصْلُ مَا
بَيْنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ"[47] ،
ولا غضاضة في هذا ولا حرج فقد رخص فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ومضى عليه
المسلمون في عصره وبعده.
وعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:" دَخَلْتُ عَلَى قُرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ
وَأَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ وَإِذَا جَوَارٍ يُغَنِّينَ
فَقُلْتُ: أَنْتُمَا صَاحِبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ: اجْلِسْ
إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ مَعَنَا وَإِنْ شِئْتَ اذْهَبْ قَدْ رُخِّصَ لَنَا فِي
اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ"[48].
وهذا من يسر الإسلام وسماحته وعرفانه لطبائع النفوس وحاجاتها، ولكن كثير من
المسلمين فجروا وابتعدوا عن نهج دينهم فتطرفوا في هذا الأمر بين التفريط
والتشديد فمنهم من ينتهز هذه السانحة للعصيان والفسوق عن أمر الله.
وليس هذا بشكر لتلك النعم ولا حمد لهذا الفضل، ولا يصلح بداية البناء لأسرة،
ولا مطلعًا لتأسيس بيت.
ومنهم من يغالى في الاحتياط والمنع فيجعل العرس يمر في تزمت وضيق، والخير
والسلامة في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسير على سنته القويمة فهي
الأكمل والأحسن.
حفل وليمة العرس
لقد سُنَّ في الإسلام للزوج أن يقيم وليمة يطعم
فيها أهله وأصحابه ويجعل فيها حظًّا للفقراء والمحتاجين شكرًا لربه وعرفانًا
لفضله، ولا يتكلف بل يبذل ما يستطيع ) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
مَا آتَاهَا ( [الطلاق:7]، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَعَا أَبُو
أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
عُرْسِهِ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ
قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ
إِيَّاهُ"[49] ، وقد كان هذا نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بما
يقدر عليه ولم يزد في ذلك عَنْ شاة .
" وذُكِرَ تَزْوِيجُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ عِنْدَ أَنَسٍ فَقَالَ: مَا
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ
مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَيْهَا أَوْلَمَ بِشَاةٍ"[50]، وليحذر المسلمون
السرف والإسراف والبذخ والتبذير فذاك كله من عمل الشياطين قال تعالى: {إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِرَبِّهِ كَفُورًا} [سورة الإسراء: 27].
الدعاء للعروسين
وقد ورد في السنة المطهرة الدعاء للعروسين بعد
تمام البناء و استحكامه؛ فقد سنَّه الرسول صلوات الله عليه تهنئة الزوج بذلك
الدعاء الذي يشف عن تأمين الخير ورجاء التوفيق وهو "بارك الله لك، وبارك عليك،
وجمع بينكما في خير"[51]، ويسن تهنئة الزوجة بمثل ذلك ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قالت تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى
خَيْرِ طَائِرٍ"[52] وهذا وإن كان جائزًا بأي لفظ إلا أن في الحرص على المأثور
بركة وخيرًا وإحياء لشعائر الإسلام.
ومضة
أيها الزوج تخيل أعدادا وفئاما من الناس رجالا
ونساءً جاءوا لدعوتك مستجيبين ولك مهنئين امتلأت أروقة مكان الزفاف بهم كم من
الوقت سيقضى حتى تفرقهم ألا ترى من المناسب أن تدخر لنفسك مع دعائهم أجورا في
إفادتهم وتكون لك سنة مباركة تسنها وتعمل بها وخصوصا وأنت مقبل على حياة زوجية
جديدة قل بلى وربي ثم استقم.
فهناك يارعاك الله برامجاً وأفكار تقضي بها جزءً من وقت ليلة زفافك فاستشر ووكل
من تثق فيه بذلك حتى يكون زواجك مباركا ولن تعدم الخير ومحبوه إذا عزمت عليه
بارك الله لك ولزوجك، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير
ما يستحب ليلة الزفاف
(1) يستحب
الغسل والطيب ليلة الزفاف ولبس أفضل الثياب وإزالة ما يسن إزالته من الشعر
والأظافر.
(2) وينبغي
أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك، وأن يسمي الله تبارك
وتعالى، ويدعو بالبركة، ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تزوج
أحدكم امرأة، أو اشترى خادماً، [فليأخذ بناصيتها] "[53] ، [وليسم الله عز وجل]،
[وليدع بالبركة]، وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ
بك من شرّها وشر ما جبلتها عليه. [وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروه سنامه، وليقل
مثل ذلك] )) " [54].
(3) يستحب
لهما أن يصليا ركعتين معًا لأنه منقول عن السلف وفيه أثران:
الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: ((تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفراً من
أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة –رضي الله
عنه-، قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر - رضي الله عنه- ليتقدم، فقالوا:
إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم، قال: فتقدمت إليهم وأنا عبد مملوك، وعلّموني
فقالوا: "إذا أدخل عليك أهلك فصلّ ركعتين، ثم سل الله -تعالى- من خير ما دخل
عليك، وتعوذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك" [55].
الأثر الثاني: عن شقيق قال: "جاء رجل يقال له:
إلى الشباب المؤمنين الطيبين الطاهرين عاشقين العفة والحياء ..
إلى الفتيات المؤمنات الطيبات الطاهرات عاشقات العفة والحياء..
إلى الأب المشفق على فلذات أكباده..
إلى الأم الحنونة على فلذات أكبادها..
أهدي هذه الرسالة علها أن تكون تاجاً للفضيلة
بسم الله الرحمن الرحيم
الزفاف
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي
بعده ؛ ؛ ؛ أما بعد:ـ
فإن الزواج في الإسلام عبادة، وقربة من الله عز وجل، وسنة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ينال به المؤمن الأجر والثواب إذا أخلص النية وصدق في العزيمة،
وكان القصد بالزواج إعفاف النفس عن الحرام، والرغبة في الذرية وتكثير سواد
الأمة المحمدية وبها تستمر الحياة وتعّمر الأرض إلى أن يشاء الله.
ومن هنا جاءت الشريعة السمحاء بالأمر به لمن قدر عليه؛ ليحصل به من المصالح
ويدرأ به من المفاسد العظيمة ما الله به عليم، قال المولى جلا وعلا: }وَأَنكِحُوا
الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن
يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ{ [النــور:32]
ولذا نادى رسول الهدى صلى الله عليه وسلمبذلكُ، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ
الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ
لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ
وِجَاءٌ"[1].
وأسلاف هذه الأمة أدركوا ذلك فقاموا وأمروا به بدءًا بصحابة رسول الله، ومرورًا
بالتابعين وتابعيهم، ونهاية بسائر من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى وقتنا هذا
وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
قال سفيان بن عيينة: حدثنا ابن عجلان قال عمر بن الخطاب :t "إني لأعجب ممن يدع
النكاح بعد سماعه آية النور: }وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن
فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ [النــور:32]
وبالزواج يباهي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا الأمم ويكاثر يوم القيامة،
فهو آية من آيات الله لسكن النفس وجعل المودة والرحمة بين الزوجين،
}وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ ا[لروم:21]
وقال أبو بكر بن شبل في كتاب النساء له من حديث سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن
ميسرة عن عبيد بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أحب فطرتي؛
فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح"[2].
فما دام أن هذه السنة فطرة فُطر عليها بنو آدم كان لزامًا على الزوجين ــ بل
وسائر المسلمين ــ أن يتفقهوا في أحكام وسنن الزواج وآدابه، وأن يكون لديهم
آفاق واسعة من المعرفة والاطلاع ليرفعوا عن أنفسهم الجهل والحرج ويعبدوا الله
على بصيرة، ومن هنا جاءت هذه الرسالة "الزفاف"سائلاً المولى أن ينفع بها كاتبها
وقارئها وناشرها وأن يُلبسها حُلل القبول انه ولي ذلك والقادر عليه.
المؤلف
بدر بن نادر المشاري
1/1/1426هـ
الرياض
جوال: 0505409983
ص.ب 140156
الرمز البريدي 11725
htin@maktoob.com
إشراقات آية
يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
قال الإمام الشوكاني: أي من جنسكم في البشرية والإنسانية. (لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا) أي تألفوها وتميلوا إليها، فإن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما
إلى الآخر ولا يميل قلبه إليه. (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) أي
ودادًا وتراحمًا بسبب عصمة النكاح يعطف به بعضكم على بعض من غير أن يكون بينكم
قبل ذلك معرفة فضلاً عن مودة ورحمة"[3].
وقال الإمام ابن كثير: خلق لكم من جنسكم إناثًا يكن لكم أزواجًا (لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا)، ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورًا وجعل إناثهم من جنس آخر إما
من جان أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة
لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من
جنسهم، وجعل بينهم وبينهنَّ مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك
المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجه إليه في
الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك"[4].
فطرة فطر الله الناس عليها
إن من المعلوم فطرة كما أسلفنا أن الزواج وحبه
فطرة فطر الله الناس في هذه الدنيا عليها لا تبديل لخلق الله؛ لذا أحبه الرسول
صلى الله عليه وسلم فقال:" حبب إلي من دنياكم ثلاث وذكر منها النساء"[5].
ويقال إن الشيء قد يكون من الدنيا ويكون حبه من الآخرة لإعانته عليها، ويروى عن
عمر أنه قال: ليس في النساء سرفٌ ولا في تركهن عبادة ولا زهد.
وذكر عن بعض السلف أنه كان عنده أربع زوجات وإماء وكان يقول: إني لمشتاق إلى
العروس.
إذًا المرأة في الدنيا متاع وخير متاعها الصالحة منهن، ومن رزق بالصالحة فقد
أعين على شطر دينه كما قال صلى الله عليه وسلم:" من رزقه الله امرأة صالحة، فقد
أعانه على شطر دينه فليتّقِ الله في الشطر الباقي"[6]{ فَالصَّالِحَاتُ
قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ} [سورة النساء: 34].
يا معشر الشباب
إن من العبادات اللازمة الزواج فهناك فريق من
علماء المسلمين يقرر أن الزواج فرض لازم للمسلم القادر فمن تركه أو تثاقل عنه؛
فهو آثم إثم من ترك فريضة من فرائض الإسلام، وفريق كبير من الأئمة والعلماء
قالوا: إنه واجب.
فهو، عبادة وفيه من الآيات والحكم ما الله به عليم، يقول الغزالي:" ومن بدائع
ألطافه أن خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا، وسلّط على الخلق شهوة اضطرهم
بها إلى الحراثة جبرًا، واستبقى بها نسلهم إقهاراً وقسراً، وندب إلى النكاح وحث
عليه استحبابًا وأمرًا، فإن النكاح معين على الدين، ومهين للشياطين، وحصن دون
عدو الله حصين، وسبب للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين"[7].
وقد رغب الله في النكاح وأمر به فقال:}وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ {
[النــور :32]، وهذا أمر، وقال: } فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّ { [البقرة : 232] ، وهذا منع من العضل"[8] ونهي عنه.
قال تعالى في وصف الرسل ومدحهم: }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ
وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً {[الرعد:38]
يا معشر الشباب؛ لقد مدح الله أولياءه بسؤال ذلك في الدعاء فقال: }َ والَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ { [الفرقان:74]
فاحذر تركه والعزوف عنه بدون سبب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"النكاح
سنتي فمن رغب عن سنتي، فقد رغب عني"[9] وقال عمر بن الخطاب t:" لا يمنع من
النكاح إلا عجز أو فجور".
الاختيار
إن البيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة وهو
الخلايا التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم الحي والمجتمع الإسلامي.
إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة ولابد أن تكون القلعة متماسكة من
داخلها حصينة في ذاتها، فواجب المؤمن أن يؤمّن هذه القلعة من داخلها، وأن يسدَّ
الثغرات فيها حتى لا يكونَ سهل الاقتحام؛ لذا ينبغي لمن أراد بناء بيت مسلم أن
يبحث له أولاً عن:
1. زوجه
مسلمه قال تعالى: } وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ
لِلطَّيِّبَاتِ{[النــور:26].
2. أن
يبحث ويظفر بذات الدين؛ لقول رسول الله: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ:
لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ
الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"[10] ولقد نهى رسول الله نهيًا صريحًا أن يكون للمرء
في زواجه أرب من المآرب الباطلة فقال: " لا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ
لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلا تَزَوَّجُوهُنَّ
لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ؛ وَلَكِنْ
تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ وَلأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ
أَفْضَلُ"[11]
إذًا لا يحق لمؤمن أن يستهدف غير الحق في أي عمل من أعماله، فالحق أعز ما استعز
به المرء في حياته، فمن أعرض عنه واستهدف سواه في زواجه وغيره؛ فقد حبط عمله،
ومحقت بركة زواجه على نحو ما رأينا في الحديث.
والزوج الصالح نعمة لا تعوَّض وبرده وعدم قبوله يحصل الفساد العريض والفتنة في
الأرض، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ
تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ
فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَإِنْ كَانَ
فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ
"[12] .
أي فتنة أعظم وأي فساد أشمل على الدين والأخلاق في الأسرة والمجتمع حين نضع
الفتاة المؤمنة بين يدي رجل متحلل أو زوج ملحد لا يعرف معنى الشرف والغيرة
والعرض ، وأي فتنة أعظم في الأسرة والمجتمع حين نضع المرأة المؤمنة في عصمة زوج
إباحي يكرهها على السفور والاختلاط ويجبرها على شرب الخمور والدخان ومراقصة
الرجال ويهزأ من دينها ويقسرها قسرًا على التفلت من عصمة الدين والأخلاق وهذا
فعل الديوث الخبيث } وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ{ [النــور:3].
فكم من فتاة كانت مظهرًا من مظاهر العفة والإيمان والطهر فلما وقعت في
بيت إباحي بين يدي زوج متحلل أصبحت امرأة مستهترة بدينها متهتكة بعقيدتها نبذت
الفضيلة وطرحت الشرف، فعلى أهل المخطوبة ووليها أن يبحثوا على الخاطب ذي الدين
والخلق؛ ليقوم بالواجب الأكمل في رعاية الأسرة ويؤدي حق زوجته الذي شرعه
الإسلام وتذكروا قوله تعالى: }إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ
وَفَسَادٌ كَبِيرٌ{ [الأنفال:73].
حق البكر والثيب
فحقها كمال الحرية في القبول أو الرفض لمن يأتي
لخطبتها، ولا حق لأبيها أو وليها أن يجبرها على ما لا تريده قال رسول الله:" لا
تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى
تُسْتَأْذَنَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ
تَسْكُتَ"[13].
والأيم هي البنت، والاستئمار هو طلب الأمر، فلا يعقد عليها حتى تشاور ويطلب
الأمر منها، وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ قُلْتُ:
إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِي قَالَ: إِذْنُهَا صُمَاتُهَا" وَقَالَ بَعْضُ
النَّاسِ: إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا فَأَبَتْ
فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَدْرَكَتْ
فَرَضِيَتْ الْيَتِيمَةُ فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزَّوْجُ
يَعْلَمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ[14] . فإذا تزوجت البنت دون
أن تستأمرها فالعقد باطل، وإذا زوجت البكر دون أن تستأذن فهي بالخيار إن شاءت
أمضت العقد وإن شاءت أبطلته، ومما جاء في الثيب، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ
الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ
فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَ[15]
.
ومما جاء في شأن البكر أن فتاة بكرًا ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أباها زوجها وهي كارهة فخيرها عليه الصلاة والسلام أي جعل لها الخيار في إبطال
العقد أو إمضائه ، وجاءت فتاة إليه صلى الله عليه وسلم فقالت:"إن أبي زوجني ابن
أخيه ليرفع بي خسيسته فجعل الأمر إليها فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت
أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء"[16].
فالبنت أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها وصمتها إقرارها، وللنووي
كلام نفيس في هذا المعنى فليرجع إليه0وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهما من
الكوفيين: يجب الاستئذان في كل بكر بالغة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في
البكر إذنها صمتها فظاهره العموم في كل بكر وكل ولي وأن سكوتها يكفي مطلقًا
"هذا هو الصحيح"
وروي عن عائشة أنها سألت رسول الله عن استئذان البكر فقالت: إن البكر لتستأذن
فتستحي فتسكت فقال:(سكاتها إذنها) [17].
قال بعض المحققين: لا يكون سكوت البنت إذنًا للأب فيزوجها إلا إذا كانت تعلم
ذلك فإن كانت لا تعلم فينبغي إعلامها؛ لذا ليتنبه الناس وليعلموا أن التشريع
الإسلامي يمنع إكراه البالغة على النكاح بكرًا كانت أو ثيبًا وكم للإكراه من
بلايا وعواقب وخيمة الإسلام يأباها كل الإباء والواقع يشهد بذلك.
رضا الولي
كما اشترط الإسلام قبول المرأة للزواج؛ اشترط
اقتناع وليها ورضاه، وذلك ضمانًا لسلامة الاتجاه وابتعادًا عن النوازع الخاطئة
والأهواء الجامحة، فقد يخفى وجه الحقيقة على الفتاة، أو تندفع وراء الأوهام
والعواطف فتُصدم بعدها بسوء العاقبة ومرارة الواقع.
إن الولي هنا قائد بصير، ورائد ناصح لا يعنيه إلا تلمح الحقيقة، ويبحث عن
المسعُد المعين، ولابد من رضا الولي للبكر والثيب معًا، وهذا ما تشهد به
الأحاديث؛ فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"
أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا؛ فَنِكَاحُهَا
بَاطِلٌ، فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْ فَرْجِهَا،
وَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ "[18].
وعنها رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا نِكَاحَ إِلا
بِوَلِيٍّ"[19]، ولا عَنَتَ في هذا ولا حرج، وهذا لا يخول للولي عضلها؛ لأن
الإسلام نهى الأولياء أن يعضلوا النساء فلا يمتنعوا عن تزويجهن متى كان الخاطب
كفئًا ولا يضار وهن بحبسهن عن الزواج لهوىً أو منفعة وفي القرآن: } فَلاَ
تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم
بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ
وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{ [البقرة:232]
وفي الحديث عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ:" يَا عَلِيُّ ثَلاثٌ لا
تُؤَخِّرْهَا: الصَّلاةُ إِذَا آنَتْ، وَالْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ،
وَالأَيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا"[20] فإن امتنع الولي من التزويج بلا
عذر مع كفاءة الزوج واستقامة الحال؛ انتقلت الولاية إلى القاضي لينفذ الزواج.
(لأن العضل ظلم، وولاية رفع المظالم إلى القاضي)
الرؤيــــــــة
حين يطمئن الرجل إلى حسن اختياره ويقتنع بما في
المرأة من صفات ويرى حياتهما معًا تكفل لهما السعادة وتحقق الرغبة؛ فليتقدم
للخطبة، والخطبة تعبير واضح عن الرغبة في الزواج فهي خطوة وإن كانت غير ملزمة
فهي أساسية في طريق الإلزام.
ولهذا ينبغي أن تصدر عن رغبة صادقة واقتناع بصير، وقد جعل الإسلام الرؤية وسيلة
للتعرف على الصفات الحسنة التي يهم الرجل الاطمئنان إليها، وفي هذا جاء قول
رسول اللهصلى الله عليه وسلم:" إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنِ
اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ
"[21] ، والمغيرة حينما خطب امرأة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انظر
إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) [22].
أي يوفق بينهما وهذا من السنة؛ لأنه فيه رعاية الجانب الحسي إلى جوار الجانب
الروحي والخلقي، وفيها يكمل الاختيار الموفق الذي تعمر به الحياة الزوجية وتؤدي
غايتها في سكينة واطمئنان.
المخطوبة ترى الخاطب
الأحاديث التي وردت واشتهرت في شأن الرؤية عند
إرادة الخطبة جاءت بلفظ رؤية الخاطب للمخطوبة وهذا في النصوص الشرعية أمر
مألوف.
حيث إن الأحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة هي غالبًا ما تخاطب الرجل
ويكون المقصود بها الاثنين معًا.
ولذلك فإن الأحاديث الواردة في حق نظر الرجل إلى المرأة هي نفسها تفيد حكم نظر
المرأة إلى الرجل، فكما يجوز للرجل النظر إلى المرأة إذا أراد نكاحها فكذا
للمرأة أن تنظر إلى الرجل إذا أرادت نكاحه، وقد نص كثير من الفقهاء على أن
للمرأة الحق في أن تنظر إلى الرجل عند إرادة النكاح مثلما أن له الحق في
ذلك[23].
إذًا المرأة إن كانت في الأصل محلاًّ للمتعة فإنها هي الأخرى تتمتع بالرجل
ولذلك فإنها تتطلع إلى صفات ترغبها في الرجل كما أنه يتطلع إلى صفات يرغبها
فيها ويعجبها منه ما يعجبه منه[24]. قال عمر بن الخطاب: "يعمد أحدكم إلى ابنته
فيزوجها القبيح إنهن يحببن ما تحبون" [25].
متى تكون رؤية المخطوبة
لقد اختلفت عبارات الأحاديث وألفاظه الدالة على
مشروعية رؤية المرأة لمن أراد نكاحها، فأشار بعضها إلى أن الرؤية تكون قبل
الخطبة، وأشار البعض الآخر إلى أن الرؤية تكون بعدها، والراجح والله أعلم أنه
إذا تسنى للخاطب رؤية المخطوبة قبل الخطبة فذلك أمر محمود، وإلا فإن الرؤية
تكون بعد الخطبة وهو الأولى عمليًَّا حيث إن الرؤية قبل الخطبة أمر قد يكون
شاقًا ومحرجًا، وهو جائز لدلالة الأحاديث عليه وأنه إذا أمكن حصوله بلا مشقة
فهو أمر مطلوب، والدليل:
1) عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ:" رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ
مَسْلَمَةَ يُطَارِدُ امْرَأَةً بِبَصَرِهِ فَقُلْتُ: تَنْظُرُ إِلَيْهَا
وَأَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةً لِامْرَأَةٍ
فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا" [26].
2) حديث جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا جُناحَ
على أحدكُمْ إذاَ أراد أن يخطبَ المرأة أن يغترها فينظر إليها فإنْ رضي نكحَ
وإن سخطَ تَرَكَ "[27].
وأدلة من يرى الرؤية بعد الخطبة عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ
فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا
فَلْيَفْعَلْ" وحديث أَبِي حُمَيْدَةَ قَالَ: وَقَدْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ، إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا
لِخِطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ " [28]. .
المواضع التي يراها الخاطب من المخطوبة
لا خلاف بين أهل العلم في جواز النظر إلى وجه
المرأة لمن أراد أن ينكحه[29] لكنهم اختلفوا فيما وراء ذلك من بقية البدن.
واختصارًا لما اختلفوا فيه من الأقوال بعد بحثها وعرضها ومناقشتها يترجح ــ
والعلم عند الله ــ ضعف قول إباحة رؤية بدن المرأة باستثناء العورة المغلظة أو
باستثناء مابين السرة والركبة؛ لأنهم أخذوا بظاهر الأحاديث وقد نوقش أن ظواهر
الأحاديث لا تدل من قريب ولا بعيد على جواز رؤية ما بطن من المرأة، والقول بأن
ظواهر الأحاديث تدل على جواز رؤية ما يصدق عليه أنه رؤية معتادة وهو الظاهر
عادة فيبقى عداه على الحظر الأصلي، قال النووي ــ رحمه الله ــ معلقًا على مثل
هذا الكلام: "وهذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع" [30]، فالقول الراجح
هو أن نظر الخاطب إلى مخطوبته ينطبق عليه ما ينطبق على نظر المحرم ــ غير الزوج
ــ إلى محارمه من جواز رؤية الوجه والكفين والقدمين والرأس والرقبة والساعدين
وغير ذلك مما يجوز للمحرم رؤيته، فنظره ليس للمتعة فلا يحل له ما يحل للزوج من
رؤية كامل البدن فهو قبل الخطبة شخص قد مُنع من الرؤية بنص القرآن والسنة، فلما
أُحلَ له ذلك بالأحاديث المخصصة دخل ضمن الأشخاص الذين أباحت لهم الآية حِلّ
النظر ــ أعني المحارم ــ ولكن لا يكون كالزوج؛ لأن نظره ليس للمتعة بل لهدف
آخر هو التحقق من أوصاف المرأة وهدفه هذا يتحقق بأقل مما يحل للزوج رؤيته
فيتعين أن يكون مثل المحارم غير الزوج والله أعلم.
الخلوة بالمخطوبة
من المقرر شرعًا أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب
وأنها ليست محرمًا له وهي محرمة عليه كغيرها من النساء الأجنبيات عنه، فليس
بينهما أي رابط من روابط النكاح التي بين الزوجين، وما أبيح لهما من نظر أحدهما
إلى الآخر قبل الخطبة أو بعدها فإنما هو فقط إباحة وقتية شرعها الشارع الحكيم
للحاجة؛ فيبقى غيرها على حكم الأصل وهو التحريم، ومن ذلك الخلوة بالمخطوبة فهي
محرمة لا تجوز بناء على أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب وهذا بالسنة والإجماع.
فقد أجمع أهل العلم على تحريم الخلوة بالأجنبية قال النووي: "إذا خلى الأجنبي
بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا
يستحى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم"[31] ، والسنة
جاءت بهذا، ففي حديث ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ:"لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ
بِامْرَأَةٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا
مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه؛ِ إِنَّ
امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا
قَالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ، وحَدَّثَنَاه أَبُو الرَّبِيعِ
الزَّهْرَانِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو بِهَذَا الإِسْنَادِ
نَحْوَهُ، وحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ
سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلّا وَمَعَهَا
ذُو مَحْرَمٍ" [32]
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ
مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ
الْحَمْوُ الْمَوْتُ [33]
إذًا يفهم من هذا أن على الخاطبين إذا أرادوا النظر إلى مخطوباتهم أن يكون بدون
خلوة، وأن الخلوة بالمخطوبة محرم والإباحة لم ترد إلا بالنظر فيبقى ما عداه
محرمًا كما تقدم.
قال ابن قدامة: " ولا يجوز له الخلوة بها؛ لأنها محرمة ولم يرد الشرع بغير
النظر فبقيت على التحريم " [34] .
بمن تنتفى الخلوة
قد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى كيفية انتفاء الخلوة حيث إنها تحصل بوجود
واحد فأكثر مع الرجل والمرأة بقوله:" لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغيبة إلا
ومعهُ رجل أو اثنانِ" والمغيبة التي غاب عنها زوجها عن منزلها، فتدفع الخلوة
بوجود شخص ثالث مع الرجل والمرأة سواء كان هذا الثالث رجلاً أو امرأة.
قال الزركشي في شرحه على الخرقي: "و يخرج عن الخلوة بحضور امرأة صبية فأكثر أو
رجل من ذوي أرحامها أو عصابتها ممن يباح له السفر بها" [35] .
ضوابط النظر إلى المخطوبة
للرؤية ضوابط ومعايير لابد من مراعاتها عند إرادة
اجتماع الخطيب بمخطوبته وهي:ـ
أولاً:
أن تكون الرؤية إلى المخطوبة بعد العزم على نكاحه[36] فلا يتصفح وجوه النساء
ليبحث عمن تصلح له [37] بل إذا تعينت وعزم على نكاحها؛ جاز له أن ينظر إليها
سواء بعلمها أو بدون علمها سواء قبل الخطبة أو بعدها.
ثانيًا:
أن يغلب على ظنه أنه سوف يُجاب إلى نكاحه[38] فإن لم يغلب على ظنه أنه سوف
يجاب إلى نكاحها؛ لم يجز له النظر إليها.
ثالثًا:
أن لا ينظر منها أكثر مما ينظر المحرم من محارمه من وجه وكف وقدم ورقبة ورأس.
رابعًا:
أن يكون الاجتماع للنظر من غير خلوة بها؛ بل لابد من وجود من ترتفع الخلوة به
من محرم أو امرأة أو صبي مميز؛ لأنه أجنبي عنها فلا تحل الخلوة بها.
خامسًا:
أن لا يقصد بنظره التلذذ فذلك لا يجوز[39]؛ لأن
نظر التلذذ لا يجوز إلا للزوج، والخاطب أجنبي فلا يجوز له ذلك.
سادسًا:
أن يأمن من ثوران الشهوة عند النظر؛ لأن ذلك قد
يؤدي إلى الفتنة مع خلاف الفقهاء فيه.
سابعًا:
أن لا تتعدى مدة الرؤية ولا عددها القدر المطلوب، فمتى ما اطّلع على مايريد من
الأوصاف وتأكد منها مرة أو مرتين أو أكثر؛ لم يجز له أن يستمر في الرؤية، وذكر
الفقهاء ــ رحمهم الله تعالى ــ أن له أن ينظر إليها ويكرر النظر إلى أن يتم
مقصوده ويتحقق من أوصافها، فإذا تحقق من أوصافها؛ انقضت حاجته التي أبيح النظر
من أجلها فيحرم بعد ذلك أن يزيد النظر أو يكرره [40]
ومما يدل على جواز تكرير النظر للحاجة هو فعله صلى الله عليه وسلم في حديث
الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم المتقدم، وهو عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ
إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ
النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَأَتِ
الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ
أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا
حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: لا
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ
تَجِدُ شَيْئًا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا.
قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ:
لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا
إِزَارِي.
قَالَ سَهْلٌ :مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ
لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ
مِنْهُ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ
فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي
سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا قَالَ:
أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ
مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ"[41] .
ثامنًا: عدم استعمال المساحيق في الوجه أو حمرة الشفاه أو صبغ الشعر من المرأة
أو الرجل؛ لأن ذلك من الغش والتدليس الذي نهى عنه الإسلام وحذر منه النبي صلى
الله عليه وسلم والرؤية إنما جعلت لمعرفة الحقيقة وهذه الأشياء تحول دون معرفة
الحقيقة.
التوكيل في الرؤية
ورؤية الصورة العاكسة للبدن
توكيل المرأة الأجنبية لرؤية المخطوبة وتوكيل
الرجل الأجنبي لرؤية الخاطب، هذه المسألة جائزة فيجوز للرجل أن يوكل امرأة
أجنبية عن المخطوب لتراها عنه، ويجوز للمرأة أن توكل رجلاً ليرى الخاطب[42]
وذلك فيما إذا تعذرت الرؤية المباشرة إما لخجل أو لبعد مسافة أو لكون الخاطب
أعمى، أو غير ذلك، وهذا لاخلاف فيه؛ لأن المرأة في الأصل يجوز لها أن ترى
المرأة كما أن الرجل يجوز له أن يرى الرجل، وقد دلت السنة على ذلك، فعَنْ
أَنَسٍ t أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَرْسَلَ أُمَّ
سُلَيْمٍ تَنْظُرُ إِلَى جَارِيَةٍ فَقَالَ: شُمِّي عَوَارِضَهَا وَانْظُرِي
إِلَى عُرْقُوبِهَا" [43].
وتوكيل الرجل الأجنبي لرؤية المخطوبة، وتوكيل المرأة الأجنبية لرؤية الخاطب
مسألة فيها أقوال، والراجح أن ذلك أمر غير جائز؛ لأن النظر محرم على الأجنبي
الذي لم يخطب فالنص إنما هو في حل النظر للخاطب والمخطوبة فقط، ثم إن الأمر فيه
سعة حيث تقوم المرأة مقام الرجل فلا حرج في هذا ولا ضرورة للرجل .
وأما رؤية الصورة العاكسة للبدن
هل تقوم الصورة العاكسة لبدن الشخص مقام الرؤية؟ وهل يجوز ذلك؟ أما أن الصورة
تقوم مقام الرؤية المباشرة فالأمر ظاهر في أنها لا تقوم مقامها تمامًا.
وأما الجواز فإن أهل العلم لم يتطرقوا لهذا؛ نظرًا لأن تصوير المثلي هو العاكس
للبدن أمر حديث والذي يترجح هو عدم الجواز لأن أصل التصوير حرام ولا يجوز، ثم
إنها لا تقوم بالمقصد الشرعي وهو أن يؤدم بينهما.
المهــــــــــــــــــــر
بيـــن التوجيه والتشريع
إن التشريع الإسلامي قد أنشأ للمرأة حقَّا صريحًا
وحقًّا شخصيًّا في صداقها يقول الله تعالى:} وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا
مَّرِيئًا{ [النساء:4]، أي يؤديه عن طيب نفس وارتياح خاطر كما يؤدي الهبة
والمنحة؛ فالله سبحانه وتعالى يجعل صداق المرأة فريضة لها مقابل الاستمتاع بها
}فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً {
[النساء: 24]، وذلك هو المهر الذي فرضه الله ويكون المهر لما يتراضى عليه
الزوجان بينهما وفق مقتضيات الحياة؛ لقوله تعالى: }وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمًا{[النساء: 24]، وعلى هذا الأساس يجب أن ينظر في تسهيل الأمور التي دعا
الإسلام إليها ومنها القصد في المهور وتيسير الزواج قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:"إن أعظم النكاح بركة أيسرُهُ مؤونةً"[44] .
نعم هناك إجماع للعلماء على أن المهر لا حدَّ لأكثره ولكن البركة في يسر
المؤونة التي يصورها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:" لَوْ أَنَّ
رَجُلًا أَعْطَى امْرَأَةً صَدَاقًا مِلْءَ يَدَيْهِ طَعَامًا كَانَتْ لَهُ
حَلَالًا"[45] ، وكان عمر t يقول: "لا تغلوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة
في الدنيا أو تقوى في الآخرة لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم" فأين
نحن من هذا الهدي المبارك، ولأن يقبل المرء اليسير من الصداق تحصيلاً لما وعد
رسول الله من البركة خير له ولمن ولاه الله أمرها من ملء الأرض ذهبًا يشق به
على الخاطب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، }يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ
وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ { [البقرة: 185]
نداء وصرخة عاجلة
- إلى أولياء البنات
أقول إذا كان المهر مشروعاً في الزواج فإنه ينبغي أن يكون مقداره بالمعروف
طبقاً لحال الزوج وحال المرأة لأن المهر وتحصيله وسيلة لا غاية فيجب أن يكون
بحدود المعقول وحسب الاستطاعة فاتقوا الله ولا يكون قلة المهر أوعدم حضوره
حائلًا بين الكفء وبين الزواج أوسبباً في المفاخرة والمضاهاة المنافية لشريعة
الإسلام
¯إليك أنت أيها الزوج المقتدر اعلم أن أيسر النساء مهراً ومؤنه أكثرهن بركة
وأشدهن أعسرهن مهراً ومؤنه أقلهن إن لم يكن معدومات البركة لاتقل بأني مقتدر
فإن في مجتمعك من إخوانك من لا يستطيع فعلك فخذ بالأيسر للمشروع وتحرياً للبركة
ورأفة بإخوانك الذين يعجزون عما تقدر عليه ولا يمنع إذا دخلت على أهلك
ورغبت.فأعطهم ما تشاء وكن ممن سن في الإسلام والدين والمجتمع سنة حسنة ليكون لك
أجرها وأجر من عمل بها
-
ونداء أخير لكِ أيتها المقبلة على الزواج
تذكري أنك ستعيشين مع رجل له القوامة عليك كيف سيكون حاله معك في التعامل في
الحياة كلها خصوصاً إذا كنت سبباً في إثقاله وتحمله أعباء المهر من ديون وغيرها
وكيف وأنتِ سبب في ذهاب كل ما جمع بعد الكد والتعب في عنفوان الشباب وتذكري أنه
هناك مؤمنات تزوجن في خير القرون بنعلين فأجاز رسول الهدى نكاحهن.وهناك من
تزوجت بخاتم من حديد بل وأمر الرسول بالتماسه لها وهناك من تزوجت بما مع الزوج
من القرآن الكريم من السور وتذكري أن رسول الله استكثر على الرجل الذي قال أني
تزوجت امرأة على أربعة أواق يعني مائة وستين درهما فقال رسول الله على أربعة
أواق كأنما تنحتون الفضة من عروض هذا الجبل ماعندنا مانعطيك
-
هذا ندائي للآباء والأمهات والأزواج والزوجات
ومن ولاه الله أمر امرأة أن يتقي ربه وأن ولا تجعلوا المهور محلاً للمفاخرة
والمباهاةِ وسببا في عنوس الفتيات وعزوف الشباب عن الزواج
فيسروا ولا تُعسروا
حفل الزفــــاف
سنّ الإسلام الاحتفال بعقد الزواج، إذ هو من
الأمور الجليلة التي ينبغي أن يشهدها أولو الصلاح والفضل، فيجتمعون وتشملهم
مشاعر الحمد وأماني النجاح والتوفيق وفي هذا الجو الطَّهور تتردد كلمات الحق
والخير وتؤكد عزائم التقوى والإيمان في هذه الخطبة المأثورة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ
نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ
يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون
، واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا "[46].
وهذه الآيات توحي بجو الحق والصدق الذي يريده الإسلام لهذه العلاقة، وكذلك من
السنة إقامة حفل للزفاف يتحقق به إعلان الزواج وإذاعته، ولا بأس في هذا الحفل
من الإعلان له بما لا يحدث منكرًا ولا يؤدي إلى باطل مثل الضرب بالدفُ والنشيد
بالصوت للنساء وهذا قدر متعين لإعلان النكاح، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فَصْلُ مَا
بَيْنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ"[47] ،
ولا غضاضة في هذا ولا حرج فقد رخص فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ومضى عليه
المسلمون في عصره وبعده.
وعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:" دَخَلْتُ عَلَى قُرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ
وَأَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ وَإِذَا جَوَارٍ يُغَنِّينَ
فَقُلْتُ: أَنْتُمَا صَاحِبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ: اجْلِسْ
إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ مَعَنَا وَإِنْ شِئْتَ اذْهَبْ قَدْ رُخِّصَ لَنَا فِي
اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ"[48].
وهذا من يسر الإسلام وسماحته وعرفانه لطبائع النفوس وحاجاتها، ولكن كثير من
المسلمين فجروا وابتعدوا عن نهج دينهم فتطرفوا في هذا الأمر بين التفريط
والتشديد فمنهم من ينتهز هذه السانحة للعصيان والفسوق عن أمر الله.
وليس هذا بشكر لتلك النعم ولا حمد لهذا الفضل، ولا يصلح بداية البناء لأسرة،
ولا مطلعًا لتأسيس بيت.
ومنهم من يغالى في الاحتياط والمنع فيجعل العرس يمر في تزمت وضيق، والخير
والسلامة في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسير على سنته القويمة فهي
الأكمل والأحسن.
حفل وليمة العرس
لقد سُنَّ في الإسلام للزوج أن يقيم وليمة يطعم
فيها أهله وأصحابه ويجعل فيها حظًّا للفقراء والمحتاجين شكرًا لربه وعرفانًا
لفضله، ولا يتكلف بل يبذل ما يستطيع ) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
مَا آتَاهَا ( [الطلاق:7]، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَعَا أَبُو
أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
عُرْسِهِ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ
قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ
إِيَّاهُ"[49] ، وقد كان هذا نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بما
يقدر عليه ولم يزد في ذلك عَنْ شاة .
" وذُكِرَ تَزْوِيجُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ عِنْدَ أَنَسٍ فَقَالَ: مَا
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ
مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَيْهَا أَوْلَمَ بِشَاةٍ"[50]، وليحذر المسلمون
السرف والإسراف والبذخ والتبذير فذاك كله من عمل الشياطين قال تعالى: {إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِرَبِّهِ كَفُورًا} [سورة الإسراء: 27].
الدعاء للعروسين
وقد ورد في السنة المطهرة الدعاء للعروسين بعد
تمام البناء و استحكامه؛ فقد سنَّه الرسول صلوات الله عليه تهنئة الزوج بذلك
الدعاء الذي يشف عن تأمين الخير ورجاء التوفيق وهو "بارك الله لك، وبارك عليك،
وجمع بينكما في خير"[51]، ويسن تهنئة الزوجة بمثل ذلك ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قالت تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى
خَيْرِ طَائِرٍ"[52] وهذا وإن كان جائزًا بأي لفظ إلا أن في الحرص على المأثور
بركة وخيرًا وإحياء لشعائر الإسلام.
ومضة
أيها الزوج تخيل أعدادا وفئاما من الناس رجالا
ونساءً جاءوا لدعوتك مستجيبين ولك مهنئين امتلأت أروقة مكان الزفاف بهم كم من
الوقت سيقضى حتى تفرقهم ألا ترى من المناسب أن تدخر لنفسك مع دعائهم أجورا في
إفادتهم وتكون لك سنة مباركة تسنها وتعمل بها وخصوصا وأنت مقبل على حياة زوجية
جديدة قل بلى وربي ثم استقم.
فهناك يارعاك الله برامجاً وأفكار تقضي بها جزءً من وقت ليلة زفافك فاستشر ووكل
من تثق فيه بذلك حتى يكون زواجك مباركا ولن تعدم الخير ومحبوه إذا عزمت عليه
بارك الله لك ولزوجك، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير
ما يستحب ليلة الزفاف
(1) يستحب
الغسل والطيب ليلة الزفاف ولبس أفضل الثياب وإزالة ما يسن إزالته من الشعر
والأظافر.
(2) وينبغي
أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك، وأن يسمي الله تبارك
وتعالى، ويدعو بالبركة، ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تزوج
أحدكم امرأة، أو اشترى خادماً، [فليأخذ بناصيتها] "[53] ، [وليسم الله عز وجل]،
[وليدع بالبركة]، وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ
بك من شرّها وشر ما جبلتها عليه. [وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروه سنامه، وليقل
مثل ذلك] )) " [54].
(3) يستحب
لهما أن يصليا ركعتين معًا لأنه منقول عن السلف وفيه أثران:
الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: ((تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفراً من
أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة –رضي الله
عنه-، قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر - رضي الله عنه- ليتقدم، فقالوا:
إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم، قال: فتقدمت إليهم وأنا عبد مملوك، وعلّموني
فقالوا: "إذا أدخل عليك أهلك فصلّ ركعتين، ثم سل الله -تعالى- من خير ما دخل
عليك، وتعوذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك" [55].
الأثر الثاني: عن شقيق قال: "جاء رجل يقال له:
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى