مشكلة عدم القدرة على الدفاع عن النفس عند الاطفال
الأحد 15 يوليو 2012, 19:03
-------
-------
مشكلة عدم القدرة
على الدفاع عن النفس
-------
-------
-------
-----------------------------
وردت إلي هذه الاستشارة
طفلي 6سنوات يخشى من الدفاع عن نفسه.. أشعر أنه سلبي جدا تجاه أي اعتداء عليه
من قبل أحد الأطفال، فلو ضربه أحد أقرانه يبكي ولا يتمكن من الضرب أو الدفاع
عن نفسه.. هذا ما يشغل فكري: كيف سيواجه مستقبل المدرسة في بداية العام القادم؟
أرشدوني وجزاكم الله خيرا
والحل
في ملعب كرة القدم يقف الأرانب الصغار صفا طويلا، وفي نهاية هذا الصف يقف الأرنب
بندق ومن خلفه زميله شرشر، وفي حركة سريعة ضرب شرشر بندق في ساقه،
ثم تراجع خطوتين للخلف ليستمر في اللعب بالكرة التي في يديه.. استدار بندق ونظر
في عيني شرشر بثقة وثبات، وقال له في جملة واحدة: شرشر لا تضرب هكذا،
هذا يضايقني، لا تعجبني طريقتك هذه.
صوب بندق الكرة نحو الهدف ورجع للصف مرة أخرى وللمرة الثانية كرر شرشر حركته
(ضرب بندق في قدميه) استدار بندق ونظر في عيني شرشر وبصوت ثابت: لا تكررها..
لا تختر مضايقتي، لن أقبلها. صفر المدرب ليجتمع الفريق.. قسم الأرانب لفريقين: بندق
وشرشر في فريق واحد، بدأت المباراة بين الفريقين. جمهور الأرانب يصفق للفريقين،
وصلت الكرة لشرشر مررها لبندق ليسجل الهدف الأول في المباراة.
أطفالنا جميعا مثل هؤلاء الأرانب؛ أحيانا ما يكون لديهم رغبة في التحكم وإبداء القوة،
وهذا ما يحققه أحيانا العدوان والسيطرة بصورة أو بأخرى؛ فهذا يشعر الطفل بتفوقه
وقدرته على سحق الآخر، ومادام قد تمكن منه فهو الأفضل والأقوى، وهذا الشعور
هو الذي يحتاجه الطفل أحيانا ليثبت ذاته، كذلك يمكن أن تكون وسيلة لجذب الانتباه
من قبل الكبار أو حتى تحقيق شعبية وسط الصغار.
على أن كل طفل معتدٍ مثل شرشر يختار ضحيته ويختبر صموده، وربما بالفعل انتهى
الأمر بهما للصداقة وإحراز الهدف المشترك في فريق اللعب، كما حدث مع بندق الذي
تعامل بصورة سليمة، كما يمكن أن ينتهي الأمر لأن يصبح بندق ذات يوم معتديا آخر
مثل شرشر.
وهذا يتوقف على عدة عوامل، أهمها: طبيعة المعتدي، وطبيعة الضحية،
ودور الأهل في التعامل معهما.
دعونا الآن نفصل في الأمر
أولا: ما هي أنواع العدوان؟
ثانيا: ما طبيعة الطفل الذي يتعرض للعدوان؟
ثالثا: كيف نتصرف؟
-------------
-------------
-------------
-------------
أولا: ما هو العدوان؟ وما هي أنواعه؟
1- بدنيا:
يتمثل في الضرب أو الركل أو الدفع أو حتى التهديد بفعل ذلك، كل هذا يعتبر عدوانا..
السرقة أو الإخفاء للأشياء أو التدمير لأشياء الآخرين.. دفع أحد لعمل شيء ما لا يرغب فيه.
2- لفظيا:
مثل التنابز بالألقاب (تسميته بلفظ غير محبب أو اسم غير محبب) أو السخرية.
3- عاطفيا:
مثل رفض التحدث مع أحد (التجاهل)، نشر الشائعات أو الأكاذيب.
باختصار الاعتداء هو كل ما يشعر بالألم أو الوحدة أو الخوف
أو عدم الأمان أو عدم الراحة وغيره من الأحاسيس السلبية
وقد أوضح عدد من الدراسات أن 70% من الأطفال يتعرضون للإيذاء من أقرانهم،
وللحق يمكننا أن نقول: إنه صار نمطا شائعا في دوائر علاقتنا في أغلب مستوياتها
حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد جماعة العمل أو الأقران، ثم في الدائرة
الأوسع، بين الدول.. ألست معي أنه نموذج مكرر لشكل العلاقات السلبية التي زادت
وشاعت واتسعت دائرتها؟
-------------
-------------
-------------
-------------
ثانيا: من هو الطفل الذي يُعتدى عليه غالبا؟
الطفل الضعيف جسمانيا.
الطفل الخواف.
الطفل القلق والمتوتر.
الطفل الحساس أو الخجول.
أي الطفل الذي يبدو عليه الضعف.
ولعل الصفة الأهم للمعتدي والمعتدى عليه معا هي التقدير المتدني للذات
ومن المهم أن ندرك كيف يشعر الطفل الذي يتعرض لهذا النوع من المضايقات
والاعتداءات..
يشعر أنه ليس جيدا بدرجة كافية.
يشعر بالوحدة.
يشعر بعدم الأمان.
يشعر بعدم الرغبة في ممارسة الأنشطة أو ارتياد الأماكن التي يهدد فيها.
الأكثر أهمية أنه ربما يشعر برغبة في عدم الحديث مطلقا عن تعرضه لاعتداء،
وهو ما ينبغي أن نكون حذرين بشأنه حين نخاطب الطفل؛ لأن دفعنا له ليتحدث يزيد
من الضغط عليه ويزيد من التوتر وإحساسه بالحرج حتى ولو كان من يحدثه
هو الأب أو الأم.
-------------
-------------
-------------
-------------
ثالثا: ماذا نفعل؟
اعملي على تغيير الصفات التي تؤهله للاعتداء، وهذا هو الحل الذي ينفعه حالا
في هذا الموقف كما ينفعه في كل حياته المستقبلية
ابني احترام وقبول الذات لدى طفلك (سأفصل في هذا الأمر لاحقا) فهذا أهم ما ينفع
الإنسان ليكون ناجحا وفعالا وإيجابيا وسعيدا
أما في الموقف الحالي فهناك بعض ما يمكنك فعله لدعم ابنك
ومساعدته على اجتياز هذا الأمر:
أولا:
أرجو ألا ينتقل لابنك هذا الشعور بأنه ضحية؛ فكم هو إحساس أليم. أرجو أن تتجاوزيه؛
لأنه بالفعل في مجال سيطرتنا وفي مجال قدرتنا على الحل بإذن الله تعالى.
لا تفرضي عليه حماية دائمة أو وصاية، بل اتركيه يدير أموره بنفسه ويكتسب ثقة
في قدرته على حل مشكلاته، على أن تراقبي عن بُعد ما يحدث وطريقة ابنك في التصرف.
سأحكي لك مثالا لذلك:
كنا جميعا في النادي، وطلبت ابنتاي الصغيرتان (3 - 5) الذهاب للأرجوحة،
ذهبتا بالفعل وكنت ألمحهما من على بعد، فوجدت طفلين يتقدمان نحوهما:
تركت ابنتاي الأرجوحة وتراجعتا للخلف، وظللت أتابع الموقف عن بُعد إلى أن رأيت
الصغريتين كما لو أنهما راجعا أنفسهما وتقدمتا نحو الطفلين الآخرين،
ورأيت حوارا دار بينهم جميعا، وبالطبع لم أتبين الكلمات من موضعي،
وكنت قد تقدمت نحوهما دون أن يرياني حتى أتيح لهما فرصة المحاولة لحل المشكلة،
وفي نفس الوقت لأتدخل إذا ما تعرضتا لعدوان زائد؛ فهذا محتمل بالفعل مع فرق القوة
بينهما وبين الولدين ( الذكرين) الكبيرين.
ولكن رأيت فيما بعد أنهم جميعا يتبادلون الأدوار.. سعدت كثيرا؛
فقد وعيا الدرس الذي كررناه مرارا من قبل بضرورة التعبير عن مطالبهما،
وعدم التنحي عن حقهما مع عدم إغفال حقوق الآخرين.
افهمي طفلك ودربيه على المطالبة بحقه والتعبير عن رغباته حتى غير المعقول منها..
علميه أن له حق القبول والرفض لتعاملات المحيطين بنا حتى أنت ووالده،
وعلميه كيف يعبر عن رفضه، ويبدأ هذا في البيت أولا؛ فالتعبير مسألة لها أهمية كبيرة
في حياة الأطفال والكبار جميعا، (وهناك الكثير مما يمكننا تفصيله في هذا الأمر،
ومما لا يتسع المقام حالا لتناوله، ولكن يظل رهن السؤال).
علميه أن يتواصل بعينيه مع من يحدثه؛ فلا يعتاد الهروب بعيدا عن محدثه
(مارسي هذا معه أولا؛ فانظري في عينيه حين تحدثينه، واجعليه ينظر في عينيك).
لا تحلي المشكلات بدلا عنه، ولا تفرضي الحماية دائما، بل ساعديه على اجتياز الأمر
بنفسه، وبالطبع بعد إفهامه وتدريبه وإشعاره بأننا موجودون لمساعدته إن احتاج،
ولكن دون تأكيد النموذج المرفوض من رد العدوان بالعدوان (الأكبر ضد الأكبر
أو الأقوى ضد الأضعف).
انقلي إليه إحساسك بقدرته على حل الأمر بنفسه، لا تمطريه بكم من المقترحات لحل
المشكلة، بل دعيه يقترح، وناقشيه فيما يقترح، وذلك عبر قصة مماثلة لما يتعرض له
من مضايقات (أو قصة تتناول إحساس المعتدى عليه، وذلك ليشعر أنكم تتفهمون مشاعره
وتقدرونها) وأن هذا الذي يشعر به غير مخجل، وليس معناه أنه شخص سيئ، وساعديه
ليصف ما يشعر به؛ فحين يعبر الطفل عن مشاعره السلبية يتخلص من أثرها السيئ
وكذلك يمكنه تغيير هذه المشاعر، وبالطبع هذا التعبير من قبل الطفل لابد أن يقابل بالتفهم
والتعاطف دون نقد أو محاكمة.
من المفيد جدا أن تبدأ رحلة الذكريات للأم والأب، وتبدأ في سرد المضايقات
التي تعرضتما لها في الطفولة؛ فمن المهم أن يشعر الطفل أنه ليس وحده الذي يتعرض
لمثل هذه الأمور، بل كل الناس تقريبا تعرضوا ويتعرضون لها حتى بابا وماما.
حين يواجه ابنك موقف الاعتداء تخيليا من خلال القصة أو الحكي يمكنه في هذا الوقت
أن يكون أقل توترا ويناقش الأمر معك، ويبدأ في وضع مقترحات وحلول للموقف،
هذا بالإضافة إلى أن معايشة الموقف تخيليا تعتبر كما لو أنها تجربة كاملة للحدث،
وبالطبع معايشة الموقف فيما بعد في الواقع ستكون أسهل.
يمكنك تبادل الأدوار بينك وبين طفلك؛ فمرة تكونين المعتدي ومرة المعتدى عليه،
ودعيه يفكر في الأمر ويعايش الحدث مرتين ويضع حلولا له؛ مما سيجرئه أكثر
في الموقف الحقيقي.
اسأليه:
ما الخيارات الممكنة؟ رد العدوان بمثله، الالتجاء لكبير للاحتكام وتوقيع العقاب
على المخطئ، تجنب الموقف.. مري معه على كل حل من الحلول بالمناقشة إلى أن يصبح
لديه عدد من الأفكار تمكنه من مواجهة الأمر.
لا تنسي الثناء على مقترحاته بهذا الشأن وغيره، وحين ينجح في حل ولو جزء بسيط
أو يبدي تقدما ولو بسيطا عليك بالدعم والتشجيع دون إفراط، على أن الثناء دائما يكون
محددا على جزئية محددة ليفهم الطفل ما هو الشيء الصائب الذي أتاه، وما الشيء
الذي يحتاج للتحسن، وهذا يجعل لثنائنا مصداقية لدى الطفل.
ساعديه ليكون جماعة من الأصدقاء؛ فغالبا ما لا يهاجم الطفل وسط جماعة من أصدقائه.
علميه ألا يقبل بالاعتداء عليه أو على الآخرين أيضا، كما ذكرت من قبل العدوان حلقة،
والمعتدى عليه اليوم من الممكن جدا أن يصبح معتديا غدا.
ويغذي هذه الحلقة بعض العوامل:
اعتبار بعض الأهل أن هذا السلوك جزء طبيعي من النمو، وهو ليس كذلك.
تشجيع كثير من الأهل لأطفالهم على هذا العدوان، معتبرين أنه تعبير عن الشخصية
القوية أو ما شابه، وهو مما يرفضه ديننا، وبالطبع يؤثر سلبيا على الطفل الذي يعتاد
العدوان ليشعر شعورا جيدا.
نقل نموذج الاعتداء من المحيطين سواء الأب أو المدرس الذي يعتبر الاعتداء
( بأي من أنواعه) وسيلة مشروعة للتعامل.
تربية الأطفال بما يدني صورة الذات لديهم، وكما أسلفت فإن المعتدي والمعتدى عليه
كلاهما لديه تقدير متدنٍ للذات؛ ولذا يمكننا التعامل مع هذه الجزئية كحلقة وسط في دائرة
العدوان.
كيف نبني تقدير الذات لدى الطفل؟
صورة الذات هي الصورة التي الموجودة لدى الفرد عن نفسه، وهي تتكون عبر خبراتنا،
وتتأثر بقوة بالرسائل التي يرسلها لنا الآخرون عبر تعاملاتنا، والطفل يكون صورته
عن ذاته من خلال تفاعلنا اليومي بل اللحظي معه، فإذا لقناهم أنهم محببون ومقبولون
ولديهم نقاط تمييز فسيصدقون ذلك.
وللحق إن تقدير الطفل لذاته يعكس في كثير من الأحيان تقدير الأهل لذواتهم بصورة
جيدة، وهو ما يجعلنا نقول دون مواربة علينا جميعا بناء الذات جنبا إلى جنب مع بناء
تقدير الذات لدى أطفالنا، وللحظ الحسن أن هذا من الأمور التي تدخل في دائرة الممكن.
ويمكننا إجمالا أن نعرض النقاط التي تبني تقديرا جيدا للذات لدى الطفل:
· الحب والقبول.
· الاتصال والتعبير الجيد.
· التعرف على نقاط القوة في نفسه.
· تنمية القدرات والمهارات.
· اتساع دوائر الاهتمام والمجالات التي يعرف فيها الطفل نفسه.
· فهم الذات بدرجة جيدة (مشاعر- أفكار).
· الاعتماد على النفس والمسئولية والاستقلالية.
· القدرة على حل المشكلات.
· ساعد ابنك على الإنجاز والنجاح في مهمات صغيرة واحدة تلو الأخرى.
· التشجيع والإثابة باعتدال.
· ساعد طفلك ليشعر أنه مقبول ومحبوب.
أشارت الأبحاث إلى أن أحد العناصر الأساسية لتطور تقدير الطفل لذاته هو وجود شخص
واحد على الأقل في محيط الطفل يشعره بالخصوصية والتقبل، ويركز طاقته على نواحي
القوة في الطفل، وإحدى الطرق لذلك قضاء الوقت المنفرد لكل طفل، وممارسة نشاط يحبه
ويتميز فيه الطفل على أن تشاركه هذا النشاط، وتثني على نواحي القوة لديه،
وإشعار الطفل بالاهتمام والاحترام والتقدير كأن تقول له: "إني أستمتع كثيرا باللعب معك
هذه اللعبة.. إني أحب كثيرا طريقتك في قذف الكرة.. كم يمتعني مشاركتك القراءة،
أظنه من أجمل أوقات اليوم لدي".
على أن تقضي هذا الوقت بدون مقاطعات، وأخبريه بذلك: "هذا الوقت الجميل لن أرد فيه
على الهاتف"، هذه فرصة لطفلك ليسترخي ويظهر نواحي قوته.
تجنبي التعبيرات والتعليقات السلبية والمحاكمات.
لا تهدديه أبدا بسحب الحب؛ فهو أهم ما يحتاجه الطفل ليطمئن ويقدم على المحاولات
الجديدة بثقة وأمان دون خوف من النتائج.
أعطي ابنك فرصة للخطأ دون أن يشعر دائما أنه مهدد، وأن الخطأ نهاية الحب ونهاية
القبول من قبلك.
علمي طفلك دائما أن الخطأ معناه أنك حاولت، ومجرد المحاولة ولو فاشلة خطوة للتعلم.
لا تقومي بأي شيء لطفلك يمكنه القيام به.
أعطيه مسئوليات حقيقية (المشاركة في الأعمال المنزلية - رعاية نفسه كالأكل واللبس
والنظافة وغيره مما يمكنه أن يقوم به بنفسه).
حاولي إشراكالطفل في عدد من الأنشطة بحثا عن مناطق جديدة للخبرة،
وكذلك بحثا عن نقاط الاهتمام والتمييز.
تحدثي مع طفلك وليس لطفلك.. تحدثي كثيرا.. تحدثي باحترام.. تحدثي بحب..
تحدثي إيجابيا.. تحدثي.. تحدثي.. تحدثي..
استمعي لطفلك فلديه الكثير من الأشياء المهمة والممتعة.
كلمة أخيرة
الحياة تصبح صعبة مع التقدير المتدني للذات؛
حيث لا حب لا احترام للذات، ولا محاولات جديدة، ولا نجاح
------------------
الكاتب
د. ياسر نصر
http://yasernasr.com
------------------
-----------------------------
-----------------------------
-----------
أمة اقرأ ... تقرأ
-----------
elnouri
-------
مشكلة عدم القدرة
على الدفاع عن النفس
-------
-------
-------
-----------------------------
وردت إلي هذه الاستشارة
طفلي 6سنوات يخشى من الدفاع عن نفسه.. أشعر أنه سلبي جدا تجاه أي اعتداء عليه
من قبل أحد الأطفال، فلو ضربه أحد أقرانه يبكي ولا يتمكن من الضرب أو الدفاع
عن نفسه.. هذا ما يشغل فكري: كيف سيواجه مستقبل المدرسة في بداية العام القادم؟
أرشدوني وجزاكم الله خيرا
والحل
في ملعب كرة القدم يقف الأرانب الصغار صفا طويلا، وفي نهاية هذا الصف يقف الأرنب
بندق ومن خلفه زميله شرشر، وفي حركة سريعة ضرب شرشر بندق في ساقه،
ثم تراجع خطوتين للخلف ليستمر في اللعب بالكرة التي في يديه.. استدار بندق ونظر
في عيني شرشر بثقة وثبات، وقال له في جملة واحدة: شرشر لا تضرب هكذا،
هذا يضايقني، لا تعجبني طريقتك هذه.
صوب بندق الكرة نحو الهدف ورجع للصف مرة أخرى وللمرة الثانية كرر شرشر حركته
(ضرب بندق في قدميه) استدار بندق ونظر في عيني شرشر وبصوت ثابت: لا تكررها..
لا تختر مضايقتي، لن أقبلها. صفر المدرب ليجتمع الفريق.. قسم الأرانب لفريقين: بندق
وشرشر في فريق واحد، بدأت المباراة بين الفريقين. جمهور الأرانب يصفق للفريقين،
وصلت الكرة لشرشر مررها لبندق ليسجل الهدف الأول في المباراة.
أطفالنا جميعا مثل هؤلاء الأرانب؛ أحيانا ما يكون لديهم رغبة في التحكم وإبداء القوة،
وهذا ما يحققه أحيانا العدوان والسيطرة بصورة أو بأخرى؛ فهذا يشعر الطفل بتفوقه
وقدرته على سحق الآخر، ومادام قد تمكن منه فهو الأفضل والأقوى، وهذا الشعور
هو الذي يحتاجه الطفل أحيانا ليثبت ذاته، كذلك يمكن أن تكون وسيلة لجذب الانتباه
من قبل الكبار أو حتى تحقيق شعبية وسط الصغار.
على أن كل طفل معتدٍ مثل شرشر يختار ضحيته ويختبر صموده، وربما بالفعل انتهى
الأمر بهما للصداقة وإحراز الهدف المشترك في فريق اللعب، كما حدث مع بندق الذي
تعامل بصورة سليمة، كما يمكن أن ينتهي الأمر لأن يصبح بندق ذات يوم معتديا آخر
مثل شرشر.
وهذا يتوقف على عدة عوامل، أهمها: طبيعة المعتدي، وطبيعة الضحية،
ودور الأهل في التعامل معهما.
دعونا الآن نفصل في الأمر
أولا: ما هي أنواع العدوان؟
ثانيا: ما طبيعة الطفل الذي يتعرض للعدوان؟
ثالثا: كيف نتصرف؟
-------------
-------------
-------------
-------------
أولا: ما هو العدوان؟ وما هي أنواعه؟
1- بدنيا:
يتمثل في الضرب أو الركل أو الدفع أو حتى التهديد بفعل ذلك، كل هذا يعتبر عدوانا..
السرقة أو الإخفاء للأشياء أو التدمير لأشياء الآخرين.. دفع أحد لعمل شيء ما لا يرغب فيه.
2- لفظيا:
مثل التنابز بالألقاب (تسميته بلفظ غير محبب أو اسم غير محبب) أو السخرية.
3- عاطفيا:
مثل رفض التحدث مع أحد (التجاهل)، نشر الشائعات أو الأكاذيب.
باختصار الاعتداء هو كل ما يشعر بالألم أو الوحدة أو الخوف
أو عدم الأمان أو عدم الراحة وغيره من الأحاسيس السلبية
وقد أوضح عدد من الدراسات أن 70% من الأطفال يتعرضون للإيذاء من أقرانهم،
وللحق يمكننا أن نقول: إنه صار نمطا شائعا في دوائر علاقتنا في أغلب مستوياتها
حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد جماعة العمل أو الأقران، ثم في الدائرة
الأوسع، بين الدول.. ألست معي أنه نموذج مكرر لشكل العلاقات السلبية التي زادت
وشاعت واتسعت دائرتها؟
-------------
-------------
-------------
-------------
ثانيا: من هو الطفل الذي يُعتدى عليه غالبا؟
الطفل الضعيف جسمانيا.
الطفل الخواف.
الطفل القلق والمتوتر.
الطفل الحساس أو الخجول.
أي الطفل الذي يبدو عليه الضعف.
ولعل الصفة الأهم للمعتدي والمعتدى عليه معا هي التقدير المتدني للذات
ومن المهم أن ندرك كيف يشعر الطفل الذي يتعرض لهذا النوع من المضايقات
والاعتداءات..
يشعر أنه ليس جيدا بدرجة كافية.
يشعر بالوحدة.
يشعر بعدم الأمان.
يشعر بعدم الرغبة في ممارسة الأنشطة أو ارتياد الأماكن التي يهدد فيها.
الأكثر أهمية أنه ربما يشعر برغبة في عدم الحديث مطلقا عن تعرضه لاعتداء،
وهو ما ينبغي أن نكون حذرين بشأنه حين نخاطب الطفل؛ لأن دفعنا له ليتحدث يزيد
من الضغط عليه ويزيد من التوتر وإحساسه بالحرج حتى ولو كان من يحدثه
هو الأب أو الأم.
-------------
-------------
-------------
-------------
ثالثا: ماذا نفعل؟
اعملي على تغيير الصفات التي تؤهله للاعتداء، وهذا هو الحل الذي ينفعه حالا
في هذا الموقف كما ينفعه في كل حياته المستقبلية
ابني احترام وقبول الذات لدى طفلك (سأفصل في هذا الأمر لاحقا) فهذا أهم ما ينفع
الإنسان ليكون ناجحا وفعالا وإيجابيا وسعيدا
أما في الموقف الحالي فهناك بعض ما يمكنك فعله لدعم ابنك
ومساعدته على اجتياز هذا الأمر:
أولا:
أرجو ألا ينتقل لابنك هذا الشعور بأنه ضحية؛ فكم هو إحساس أليم. أرجو أن تتجاوزيه؛
لأنه بالفعل في مجال سيطرتنا وفي مجال قدرتنا على الحل بإذن الله تعالى.
لا تفرضي عليه حماية دائمة أو وصاية، بل اتركيه يدير أموره بنفسه ويكتسب ثقة
في قدرته على حل مشكلاته، على أن تراقبي عن بُعد ما يحدث وطريقة ابنك في التصرف.
سأحكي لك مثالا لذلك:
كنا جميعا في النادي، وطلبت ابنتاي الصغيرتان (3 - 5) الذهاب للأرجوحة،
ذهبتا بالفعل وكنت ألمحهما من على بعد، فوجدت طفلين يتقدمان نحوهما:
تركت ابنتاي الأرجوحة وتراجعتا للخلف، وظللت أتابع الموقف عن بُعد إلى أن رأيت
الصغريتين كما لو أنهما راجعا أنفسهما وتقدمتا نحو الطفلين الآخرين،
ورأيت حوارا دار بينهم جميعا، وبالطبع لم أتبين الكلمات من موضعي،
وكنت قد تقدمت نحوهما دون أن يرياني حتى أتيح لهما فرصة المحاولة لحل المشكلة،
وفي نفس الوقت لأتدخل إذا ما تعرضتا لعدوان زائد؛ فهذا محتمل بالفعل مع فرق القوة
بينهما وبين الولدين ( الذكرين) الكبيرين.
ولكن رأيت فيما بعد أنهم جميعا يتبادلون الأدوار.. سعدت كثيرا؛
فقد وعيا الدرس الذي كررناه مرارا من قبل بضرورة التعبير عن مطالبهما،
وعدم التنحي عن حقهما مع عدم إغفال حقوق الآخرين.
افهمي طفلك ودربيه على المطالبة بحقه والتعبير عن رغباته حتى غير المعقول منها..
علميه أن له حق القبول والرفض لتعاملات المحيطين بنا حتى أنت ووالده،
وعلميه كيف يعبر عن رفضه، ويبدأ هذا في البيت أولا؛ فالتعبير مسألة لها أهمية كبيرة
في حياة الأطفال والكبار جميعا، (وهناك الكثير مما يمكننا تفصيله في هذا الأمر،
ومما لا يتسع المقام حالا لتناوله، ولكن يظل رهن السؤال).
علميه أن يتواصل بعينيه مع من يحدثه؛ فلا يعتاد الهروب بعيدا عن محدثه
(مارسي هذا معه أولا؛ فانظري في عينيه حين تحدثينه، واجعليه ينظر في عينيك).
لا تحلي المشكلات بدلا عنه، ولا تفرضي الحماية دائما، بل ساعديه على اجتياز الأمر
بنفسه، وبالطبع بعد إفهامه وتدريبه وإشعاره بأننا موجودون لمساعدته إن احتاج،
ولكن دون تأكيد النموذج المرفوض من رد العدوان بالعدوان (الأكبر ضد الأكبر
أو الأقوى ضد الأضعف).
انقلي إليه إحساسك بقدرته على حل الأمر بنفسه، لا تمطريه بكم من المقترحات لحل
المشكلة، بل دعيه يقترح، وناقشيه فيما يقترح، وذلك عبر قصة مماثلة لما يتعرض له
من مضايقات (أو قصة تتناول إحساس المعتدى عليه، وذلك ليشعر أنكم تتفهمون مشاعره
وتقدرونها) وأن هذا الذي يشعر به غير مخجل، وليس معناه أنه شخص سيئ، وساعديه
ليصف ما يشعر به؛ فحين يعبر الطفل عن مشاعره السلبية يتخلص من أثرها السيئ
وكذلك يمكنه تغيير هذه المشاعر، وبالطبع هذا التعبير من قبل الطفل لابد أن يقابل بالتفهم
والتعاطف دون نقد أو محاكمة.
من المفيد جدا أن تبدأ رحلة الذكريات للأم والأب، وتبدأ في سرد المضايقات
التي تعرضتما لها في الطفولة؛ فمن المهم أن يشعر الطفل أنه ليس وحده الذي يتعرض
لمثل هذه الأمور، بل كل الناس تقريبا تعرضوا ويتعرضون لها حتى بابا وماما.
حين يواجه ابنك موقف الاعتداء تخيليا من خلال القصة أو الحكي يمكنه في هذا الوقت
أن يكون أقل توترا ويناقش الأمر معك، ويبدأ في وضع مقترحات وحلول للموقف،
هذا بالإضافة إلى أن معايشة الموقف تخيليا تعتبر كما لو أنها تجربة كاملة للحدث،
وبالطبع معايشة الموقف فيما بعد في الواقع ستكون أسهل.
يمكنك تبادل الأدوار بينك وبين طفلك؛ فمرة تكونين المعتدي ومرة المعتدى عليه،
ودعيه يفكر في الأمر ويعايش الحدث مرتين ويضع حلولا له؛ مما سيجرئه أكثر
في الموقف الحقيقي.
اسأليه:
ما الخيارات الممكنة؟ رد العدوان بمثله، الالتجاء لكبير للاحتكام وتوقيع العقاب
على المخطئ، تجنب الموقف.. مري معه على كل حل من الحلول بالمناقشة إلى أن يصبح
لديه عدد من الأفكار تمكنه من مواجهة الأمر.
لا تنسي الثناء على مقترحاته بهذا الشأن وغيره، وحين ينجح في حل ولو جزء بسيط
أو يبدي تقدما ولو بسيطا عليك بالدعم والتشجيع دون إفراط، على أن الثناء دائما يكون
محددا على جزئية محددة ليفهم الطفل ما هو الشيء الصائب الذي أتاه، وما الشيء
الذي يحتاج للتحسن، وهذا يجعل لثنائنا مصداقية لدى الطفل.
ساعديه ليكون جماعة من الأصدقاء؛ فغالبا ما لا يهاجم الطفل وسط جماعة من أصدقائه.
علميه ألا يقبل بالاعتداء عليه أو على الآخرين أيضا، كما ذكرت من قبل العدوان حلقة،
والمعتدى عليه اليوم من الممكن جدا أن يصبح معتديا غدا.
ويغذي هذه الحلقة بعض العوامل:
اعتبار بعض الأهل أن هذا السلوك جزء طبيعي من النمو، وهو ليس كذلك.
تشجيع كثير من الأهل لأطفالهم على هذا العدوان، معتبرين أنه تعبير عن الشخصية
القوية أو ما شابه، وهو مما يرفضه ديننا، وبالطبع يؤثر سلبيا على الطفل الذي يعتاد
العدوان ليشعر شعورا جيدا.
نقل نموذج الاعتداء من المحيطين سواء الأب أو المدرس الذي يعتبر الاعتداء
( بأي من أنواعه) وسيلة مشروعة للتعامل.
تربية الأطفال بما يدني صورة الذات لديهم، وكما أسلفت فإن المعتدي والمعتدى عليه
كلاهما لديه تقدير متدنٍ للذات؛ ولذا يمكننا التعامل مع هذه الجزئية كحلقة وسط في دائرة
العدوان.
كيف نبني تقدير الذات لدى الطفل؟
صورة الذات هي الصورة التي الموجودة لدى الفرد عن نفسه، وهي تتكون عبر خبراتنا،
وتتأثر بقوة بالرسائل التي يرسلها لنا الآخرون عبر تعاملاتنا، والطفل يكون صورته
عن ذاته من خلال تفاعلنا اليومي بل اللحظي معه، فإذا لقناهم أنهم محببون ومقبولون
ولديهم نقاط تمييز فسيصدقون ذلك.
وللحق إن تقدير الطفل لذاته يعكس في كثير من الأحيان تقدير الأهل لذواتهم بصورة
جيدة، وهو ما يجعلنا نقول دون مواربة علينا جميعا بناء الذات جنبا إلى جنب مع بناء
تقدير الذات لدى أطفالنا، وللحظ الحسن أن هذا من الأمور التي تدخل في دائرة الممكن.
ويمكننا إجمالا أن نعرض النقاط التي تبني تقديرا جيدا للذات لدى الطفل:
· الحب والقبول.
· الاتصال والتعبير الجيد.
· التعرف على نقاط القوة في نفسه.
· تنمية القدرات والمهارات.
· اتساع دوائر الاهتمام والمجالات التي يعرف فيها الطفل نفسه.
· فهم الذات بدرجة جيدة (مشاعر- أفكار).
· الاعتماد على النفس والمسئولية والاستقلالية.
· القدرة على حل المشكلات.
· ساعد ابنك على الإنجاز والنجاح في مهمات صغيرة واحدة تلو الأخرى.
· التشجيع والإثابة باعتدال.
· ساعد طفلك ليشعر أنه مقبول ومحبوب.
أشارت الأبحاث إلى أن أحد العناصر الأساسية لتطور تقدير الطفل لذاته هو وجود شخص
واحد على الأقل في محيط الطفل يشعره بالخصوصية والتقبل، ويركز طاقته على نواحي
القوة في الطفل، وإحدى الطرق لذلك قضاء الوقت المنفرد لكل طفل، وممارسة نشاط يحبه
ويتميز فيه الطفل على أن تشاركه هذا النشاط، وتثني على نواحي القوة لديه،
وإشعار الطفل بالاهتمام والاحترام والتقدير كأن تقول له: "إني أستمتع كثيرا باللعب معك
هذه اللعبة.. إني أحب كثيرا طريقتك في قذف الكرة.. كم يمتعني مشاركتك القراءة،
أظنه من أجمل أوقات اليوم لدي".
على أن تقضي هذا الوقت بدون مقاطعات، وأخبريه بذلك: "هذا الوقت الجميل لن أرد فيه
على الهاتف"، هذه فرصة لطفلك ليسترخي ويظهر نواحي قوته.
تجنبي التعبيرات والتعليقات السلبية والمحاكمات.
لا تهدديه أبدا بسحب الحب؛ فهو أهم ما يحتاجه الطفل ليطمئن ويقدم على المحاولات
الجديدة بثقة وأمان دون خوف من النتائج.
أعطي ابنك فرصة للخطأ دون أن يشعر دائما أنه مهدد، وأن الخطأ نهاية الحب ونهاية
القبول من قبلك.
علمي طفلك دائما أن الخطأ معناه أنك حاولت، ومجرد المحاولة ولو فاشلة خطوة للتعلم.
لا تقومي بأي شيء لطفلك يمكنه القيام به.
أعطيه مسئوليات حقيقية (المشاركة في الأعمال المنزلية - رعاية نفسه كالأكل واللبس
والنظافة وغيره مما يمكنه أن يقوم به بنفسه).
حاولي إشراكالطفل في عدد من الأنشطة بحثا عن مناطق جديدة للخبرة،
وكذلك بحثا عن نقاط الاهتمام والتمييز.
تحدثي مع طفلك وليس لطفلك.. تحدثي كثيرا.. تحدثي باحترام.. تحدثي بحب..
تحدثي إيجابيا.. تحدثي.. تحدثي.. تحدثي..
استمعي لطفلك فلديه الكثير من الأشياء المهمة والممتعة.
كلمة أخيرة
الحياة تصبح صعبة مع التقدير المتدني للذات؛
حيث لا حب لا احترام للذات، ولا محاولات جديدة، ولا نجاح
------------------
الكاتب
د. ياسر نصر
http://yasernasr.com
------------------
-----------------------------
-----------------------------
-----------
أمة اقرأ ... تقرأ
-----------
elnouri
رد: مشكلة عدم القدرة على الدفاع عن النفس عند الاطفال
الإثنين 16 يوليو 2012, 00:41
شكرا على الموضوع المميز جزاك الله خيرا
رد: مشكلة عدم القدرة على الدفاع عن النفس عند الاطفال
الإثنين 13 أغسطس 2012, 17:20
اسعدني مروركم
شكرا
الونشريسي
-------------
elnouri
شكرا
الونشريسي
-------------
elnouri
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى