- wiliam wallaceعضو جديد
- :
عدد الرسائل : 18
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 22/08/2012
إستريوغرافية المغرب القديم
الخميس 14 مارس 2013, 13:48
إستريوغرافية المغرب
القديم
القديم
إنّ تاريخ المغرب القديم لم يكتبه أهل البلاد
الأصليّين، إذ هو تاريخ تضمّنته دواوين أدبية بعيدة إلى حدّ كبير عن أهله وأرضه،
دواوين أدبية لا تخرج عن الميراث الإغريقي واللاّتيني في غالبها، نتعرّف فيها على
المغاربة الأصليّين من خلال ما يقوله عرضا جغرافيون ورحالة وأدباء وهم يتكلّمون
على شعوب أخرى، فنحن نستقي معلوماتنا عن البربر القدماء عبر واسطتين، فنراهم من
خلال أنظار القرطاجيّين، ونرى هؤلاء من أنظار الرّومان، فكان هذا من الخلل ما
يجعلهم يظهرون لنا وكأنّهم أشخاص ثانويّون، يشاهدون من بعيد ما يقع على أرضهم من
المآسي وكلّ هذا ترك بصمات عميقة ليس لها مقابل في كل ما كُتب عن تلك الحقبة وذلك
الإقليم.
إنّ أسماء كـ: "سترابون"،"بولبيوس"،"تاستيوس"،"سالستيوس"،"أبيانوس"،
كلّها أسماءٌ شهيرة في ساحة الإستريوغرافية القديمة، لكن عيبها أنّها بعيدة إلى
حدّ كبير عن السّاحة المغربية، فهي إمّا أنّها لم تطأها قطٌّ أو نزلتها بالعرض في
أزمنة محدودة لم تعايش أهلها ولم تعرفهم، أو أنّها رأتها بمنظور غيرها ممّن لا يؤتمن
نقله فضلا على أن يؤتمن حكمه.
إنّ القارئ لتاريخ بلاد المغرب من المصادر الإغريقية
واللاّتينية ليُصدم لأوّل وهلة بتلك الثّانوية الّتي اصطبغ بها البربري، والحدث
التّاريخي المغربي في ذهنية مؤلّفيها، فأنت إذغ قرأت خبر فلان وفلان المغربيان فلن
تقرأه إلاّ كواحد من أتباع القائد فلان والعظيم فلان الإغريقي أو الرّوماني، وإذا
نظرت في الحدث الفلاني الواقع ببلاد المغرب أو المشترِك فيه المغربي فلا تراه إلاّ
تبعا للأثر الفلاني الإغريقي أو الرّوماني، فنجد المؤرّخين القدامى يسوقون أخبارا
طويلة عن المغربي "ماسينيسا" جاعلين منه بطل مغامرات شيّقة ليست
في الواقع سوى انعكاسات لسياسة رومــا في المغرب، بل يرويها " بولبيوس"
المؤرّخ اليوناني ضمن تاريخ عائلة "شيبيون" التي يعترف بالولاء
لها الزّعيم النّوميدي والمؤرّخ اليوناني معاً.
ثمّ نقرأ عن "يوغرطة" عند "سالستيوس"
فنجدها لا تروي قصّة ثورة هذا البطل، بقدر ما تصف تناقضات الجمهورية الرّومانية
وصراعاتها، فقد يكون هذا البربري قد خطّط فعلا لتوحيد البربر وطرد الرّومان لكن
يستحيل أن نجد لهذه الغاية الشّريفة صدًى عند مؤرّخنا الرّوماني، الّذي كان همّه
ذكر أخبار "يوغرطة" إصدار الأحكام القاسية غير البريئة على زعماء
رومـا وسياستهم وهي في دور الإنحطاط، يقول عبد الله العروي:" لا نقول أنّ
سكوت سالستيوس يدلّ على عدم وجود أيّ مشروع توحيدي وتحريري في ذهن يوغرطة، بل نقول
إنّ الوثيقة المكتوبة وهي وثيقة رومانية لا يمكن أن تسوق الأخبار من وجهة نظر مغربية،
وهذا أمر بديهي".
ثمّ إنّ عيوب المصادر الأدبية القديمة الرتابة في
الأحكام التاريخية، وقراءة الواقع التّاريخي والتّأريخ له هذا إذ لم يكن تدوينها
تقليدا مطلقا لما كتبه الأوائل، فنحن نستقي ثورة "تاكفاريناس"
أساس عند " تاستيوس" الّذي لا ينازع في عبقريته كمؤرّخ، لكن
يُحسّ القارئ لتاريخه أنّه يستوحي باستمرار أحكام سابقيه كـ سالستيوس في
تأليفه لحرب "يوغرطة"، فيظنّ المؤرّخ المعاصر أن لا فرق بين
الثّوريّين، ويستنتج أنّ أحوال البربر قارة وتاريخهم راتب راكد، وهنا نتساءل: هل
يصحّ أن نأخذ ميل المؤرّخين القدامى إلى تقليد سابقيهم برهانا على أنّ المجتمع
البربري نفسه لا يعرف التّغيير؟ !
ثمّ أنّنا في جانب آخر لا نكاد نجد في الرّواية
التّاريخية القديمة إلاّ مصادرا مشكوكا فيها ألقت لن أحكاما مشكوكا فيها فأكثرها
إن لم نقل كلّها روايات ن القوّاد الرّومان في أثناء حروبهم، والّذين يسمون
أعمالهم بالعقل والتّروّي، وأعمال خصومهم المغاربة بالعفوية والإضطراب، وأوصاف
أخرى كلّها داخلة في باب الذّمّ إن لم تكن من باب الإحتقار، إنّنا في الحقيقة
لانعرف بجلاء ويقين أهداف ودوافع هؤلاء الثّوّار البربر لكنّنا لا نقبل بدون نقاش
أحكام قوّاد رومـا وورثتهم المعاصرين.
ونزيد على ذلك أن لا نضع تلك الرّوايات مضمومة
بالشّكّ فيها، لا من حيث صدق الرّواية، ولا من حيث صواب الأحكام، فالخصم لا يقبل
كلامه في خصمه إلاّ مع البيّنة، وهذا ينطبق على الرّاوي، وناقل الرّوايةعلى حدّ
سواء، لا تّفاقهما في أصل الحضارة، فأنّة يؤتمن "تيتوس ليفيوس" وهو يبدأ
تاريخه الكبير موضّحا مشروعه فيه، وهو الإحتفال بعظمة رومـا كما قال:"
التّذكير بعظام الأعمال لأوّل شعوب العالم" !
ويفرح الباحث من ضعف هذه المصادر إذا ما علم أنّه في
مقابل هذه الوثائق المكتوبة الأدبية، يوجد وثائق غير أدبية هي المخلّفات الأثرية
لأهالي بلاد المغرب عسى أن يجد فيها ما افتقده من مصداقية في الأولى، لكن سرعانما
يخيب أمله إذ هذه الوثائق تنقسم في أصولها إلى قسمين:
-
منها ما يسهل تأريخه ثمّ تأويله إلاّ أنّها قليلة
الفائدة لا تغيّر شيئا من المعلومات المستقاة من الأدبيات، فهي إمّا تأكيد لها أو
توضيح جزئي لبعض مستثنياتها.
-
منها ما نتوقّع أن نجد فيه ما غاب في الأولى من
معلومات جديدة، إلاّ أنّه سرعانما تخيب آمالنا بتعارض الباحثين في معفة حقيقتها أو
إدراك محتواها، ويؤكّد هذا كلّه المؤرّخين "كامبس" و"كورتوا"
وهما من هما في السّاحة الإستوريوغرافية الحديثة.
وفي جانب آخر يجد الباحث أطلالا رومانية عسكرية
ومدنية، وكذلك نقودا وشواهد قبور وأنصاب تذكارية كلّها تهمّ المدن وبالتّالي
تنظيمات رومـا السياسية والعسكرية والإجتماعية، قد حقّق تاريخها وضبط في حين بقيت
الأطلال البربرية بعيدة عن ذلك، واستخيف من الخوض فيها حتّى أنّ المؤرّخ "كركوبينو"
يقول:" هذه أطلال بربرية لا نجرؤ على تأريخها، لكن بما أنّ عددها كبير جدّا
يحقّ لنا أن نعتبرها إحدى عواقب الحملات التّخريبية".
إنّ هذه
الصّعوبة المزعومة جرّت إلى أن يُعزى كلَ كشف أثري إلى الرّومان، وعلى الرّغم من
اليقظة الحاصلة في العقود الأخيرة كردّ فعل على هذا المنهج، إلاّ أنّه لا زالت
تقاليد الآداب اليونانية واللاّتينية متحكّمة في أذهان الباحثين، تكيّف منظورهم من
دون وعي منهم، وعلى الباحث أن يتنبّه لذلك جيّدا.
أمّا الدّرسات التّاريخية الحديثة المتعلّقة بتاريخ
المغرب القديم وما قبله، فقد كانت إلى غاية الحرب العالمية الأولى مرتبطة
بالكلاسيكيات أو الأدبيات اليونانية والرّومانية، فكان كلّ من "مومسن"
و"ستيفان غزيل" شيخ مؤرّخي المغرب القديم في هذه المرحلة،
يتّجهان إلى دراسة نتائج الحفريات المغربية بالنّظر والتّدقيق في المعطيات الأدبية
الّتي بقيت تحتلّ المرتبة الأولى دائما في المقاربات والمقارنات التّاريخية، ثمّ
طرأ تغيّر منهجي بعد سنة 1930م بدخول السّاحة الإستوريوغرافية المؤرّخ "ليونيل
تالُوَا" الحال محلّ "غزيل" حيث تقدّمت الوثيقة الأثرية على
الوثيقة الأدبية.
إلاّ أنّ كلا المنهجين خضعا للخلفية الإيديولوجية
الغالبة على زمنها، وقد حدّ هذا من تأثير التّجديد المنهجي الطّارئ، ودفع إلى
التّرويج باسم العلم الموضوعي، لتلك الأفكار المشوّهة عن ماضي المغرب، تلك
الإيديولوجية العلمية التي نستشفها في مثل تساؤل "غزيل" في بدايات كتابه
في قوله:" علينا أن نعرف سبب الرّخاء الّذي عرفه شمال إفيقيا أثناء العهد
الرّوماني، أهو الطّقس الّذي كان أكثر ملاءمة للزّراعة أم هو نشاط وذكاء
الإنسان؟".
تتكرّر هذه الأفكار المشوّهة عن ماضي المغرب،
فالمغاربة القدماء قد مروا مبكرا بثورة نيوليتية وبعد نيوليتية، وقد عرفوا آلات
حجرية صقيلة ونحاسية، إلاّ أنّهم لم يصنعوها وإنّما تسلّموها من جيرانهم أو من
تجّار أو من غزاة! وإنّ الحضارة النيوليتية المغربية هزيلة إلى حدّ أنّها لا تكاد
تستحقّ أن تسمّى بالنيوليتية! ثمّ إنّ العهد الحجري الصّقيل لم ينته في منطقة
المغرب إلاّ بعد سنة 1000 ق.م مع مجيء الفينيقيّين فتعلّم البربر منهم
استعمال الحديد دون أن يمرّوا بمرحلة استعمال النّحاس والبرونز!
فإذا اصطدم الباحث بنظرية الإختزال الحضاري هذه
فسيصطدم مرّة أخرى بنظرية التبعية الحضارية لـ "كامبس" القائلة
بتلقّي المغاربة الآلات المعدنية من الخارج دون أن يتعلّموا كيفية صناعتها
بأنفسهم!! يقول مؤكّدا هذا:" إنّ المغرب فقد وحدته الأصلية منذ العهد الحجري
الصقيل، أثناء الألفي الثاني قبل الميلاد، تحت تأثير حضارات غازية مختلفة: الحضارة
الإيبيرية في القسم الغربي، والإيطالية الجنوبية في القسم الشّرقي، والّحراوية
المصرية في الجنوب، وبقي المغرب الأوسط منطقة مرور بلا صفات مميّزة"!!
إنّ قضيّة تلقّي المغاربة الحضارة من الخارج ليس كلّ
الحضارة أمر صحيح في العموم، إلاّ أنّه ليس ذلك قضيّة استثنائية مختصّة به، ثمّ
إنّ النّقطة المهمّة الّتي خفيت أو أُخفيت هي أنّ المغاربة قبلوا بعض مظاهر هذه
الحضارة ورفضوا بعضها الآخر، فهم لم يكونوا قطٌّ قد انسلخوا عن موروثهم القديم وإن
قلّ كما يزعم البعض، يقول عبد الله العروي:" إنّ الدّافع الحقيقي لموقف كامبس
وزملائه هو رفض صورة الحضارة التي قبلها المغاربة عن طواعية، وبنفي فكرة التّاريخ
عن ماضي المغرب وإبقائه في ميدان قبيل التّاريخ، يظنّ هؤلاء أنّهم سيقضون على تلك
الصّورة الخاصّة ( الصّورة العربية الإسلامية النّاجحة) لأنّهم يتحسّرون على إخفاق
صورة أخرى (الصورة الرومانية).
إنّنا
لا نقلّل من قيمة الإستوريوغرافية القديمة والحديثة الوالجة في تاريخ المغرب
القديم، بل نشكر لها سعيها، وإن كنّا نتحفّظ على مناهجها ومنطلقاتها الّتي نظّرت
بها إلى تاريخ شعب له أثر كبير على السّاحة الإقليمية المتوسّطية القديمة، ونحذّر
من تلقّي الرّواية القديمة والأحكام التّاريخية الحديثة بالتّسليم والمبايعة، فإنّ
ذلك أليق بمناهج المستضعفين.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى