- Mohameddjaعضو ماسي
- :
عدد الرسائل : 675
العمر : 59
العمل/الترفيه : أستاذ فيزياء تعليم متوسط
المزاج : هادئ
تاريخ التسجيل : 21/03/2010
علاج الغرور
الجمعة 14 يونيو 2013, 00:32
علاج الغرور
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالي
(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
[لقمان: 18].
* * *
قالوا في الحكم
" من أطال الأمل: نسي العمل، وغفل عن الأجل، وركبه الغرور"
تساؤل...واتفاق
عزيزي القارئ..
هل أنت ممن يتحدثون عن أنفسهم وأعمالهم كثرًا بداع لذلك وبغير داع...؟
وهل أنت ممن يحبون أن يترفعوا على الناس، أو يحبون أن يرفعهم الناس فوق مقدارهم، ويمجدونهم...؟
وهل أنت تحتقر الآخرين أحيانا، أو تقلل من شأنهم،وتحط من قدرهم، وتسفه آراءهم..؟
وهل تجد في نفسك صعوبة ف قبول الحق، والانقياد له، والتسليم بأنك على خطأ..خاصة إذا كان هذا الحق أو ذاك التنبيه صادر عمن يعرفك وتعرفه، أو كان صغيرًا عنك أو تابعًا لك؟
* * *
إذا كان هذا ..قد حدث ..؟
فأنت مريض، وبقراءتك لهذا الكتاب:قد بقي فيك خير كثير..!
حيث إنك: تريد العلاج...
ولكن..ما هذا المرض..؟
إنه عزيزي القارئ : مرض قلبي.
* * *
فهل تريد....أن تعرف وتتعرف على هذا المرض..؟
لا تخجل..
قل: نعم ..مرضاة لله تعالي..!!
وهل إن عرفت، وتأكدت ـ لا قدر الله ـ أنك مريض: عندك الاستعداد للعلاج من هذا المرض..عن طريق(طب القلوب)..؟
لا تخجل..
قل: نعم .مرضاة لله تعالي..!
* * *
إذن ..أدعوك ـ الآن ـ لقراء هذا الكتيب...
فنحن ..من خلال صفحاته،وبعون الله تعالي، وإفادة من القرآن الكريم، وسنة النبي صلي الله عليه وسلم ، وسيرة السلف الصالح، وكتابات العلماء العاملين..
نبين الداء..!!
ونصف الدواء..!!
ومن الله يكون الشفاء..!!
* * *
والله تعالي: يهدينا ويهديك،ويعافينا ويعافيك...
إنه سبحانه..ولي ذلك،والقادر عليه.
ولكن ..ليكن في معلومك أيها القارئ : أنك لست وحدك المصاب بهذا الداء الوبيل.
بل هناك الكثير من المغرورين الذين يظنون بأنفسهم الخير، وهم مخطئون، بل مخدوعون في ذلك وأنت أفضلهم ، لأنك تريد التعرف على هذا الداء، كما تريد العلاج منه والبعد عنه، وكذلك كل من يريد الشفاء من هذا المرض.
هؤلاء المغرورين أصناف وأصناف.
يذكرهم الأمام الغزالي في كتابه النفيس "الإحياء في علوم الدين"، ونحن نختصر لك منه ما يوضح انواعهم على النحول الآتي:
نتناول بعون الله تعالي طب هذا المرض في هذه النقاط..
أ) تساؤل
ب)المصابون بالغرور
ج) أسباب الغرور
د) مخاطر وأضرار الغرور
وذلك على النحو الذي تطالعه ـ شفاني الله وإياك منه ـ في الصفحات التالية:
المصابون بالغرور
1- إبليس.
وهو أول من أصابه الغرور، فتأبي على أمر ربه، حيث أمر بالسجود لأدم وهو مع الملائكة ، (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)[البقرة:34].
فلما قال الله عز وجل له:( مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)..؟
(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[الأعراف:12].
2- الكفار..وهؤلاء
غرتهم الحياة الدنيا، ففتنوا بها، وجمعوا من متاعها، وقالوا : اليقين خير من الشك...ولذات الدنيا يقين، ولذات الآخرة شك، فلا نترك الشك باليقين، وطغوا في البلاد، وأكثروا فيها الفساد، واستعبدوا خلق الله إرعابًا وإذلالاً.
يقول تعالي: (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)[الملك:20].
وهؤلاء إليهم الإشارة بقوله عز وجل: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ)[البقرة:86]
قول بعضهم في أنفسهم وبألسنتهم، إنه لو كان لله من معاد فنحن أحق به من غيرنا ونحن أوفر حظا فيه وأسعد حالا، كما أخبر الله تعالي عنه من قول الرجلين المتحاورين إذ قال:( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)[الكهف:36].
وجملة أمرهما كما نقل في التفسير: أن الكافر منهما بني قصرًا بألف دينار وأشتري بستانا بالف دينار وخدما بألف دينار وتزوج امرأة على ألف دينار.
وفي ذلك كله يعظه المؤمن ويقول: اشتريت قصرًا يفني ويخرب ألا اشتريت قصرًا في الجنة لا يفني؟ واشتريت بستانا يخرب ويفني ألا اشتريت بستانا في الجنة لا يفني وخدما لا يفنون ولا يموتون وزوجة من الحور العين لا تموت؟
ويرد عليه الكافر ويقول: ما هناك شيء وما قيل من ذلك فهو أكاذيب! وإن كان فليكونن لي في الجنة خير من هذا.
وكذلك:
وصف الله تعالي قول العاص بن وائل إذ يقول: (لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا)[مريم:77]، فقال الله ردًا عليه:( أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا)[مريم:79-79].
وروي عن خباب أبن الأرت (في: البخاري ن ومسلم) أنه قال: كن لي على العاص بن وائل دين فجئت أتقاضاه فلم يقض، فقلت: إني آخذه في الآخرة؛ فقال لي: إذا صرت إلى الآخرة فإن لي هناك مالاً وولدًا أقضيك منه.
فأنزل الله تعالي: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى)[فصلت:50].
وهذا كله من الغرور بالله.
وسببه قياس من أقيسة إبيلس نعوذ بالله منه.
وذلك أنهم:
ينظرون إلى نعم الله عليهم في الدنيا... فيقيسون عليها نعمة الآخرة، وينظرون مرة إي تأخير العذاب عنهم فيقيسون عليه عذاب الآخرة كما قال تعالي:( وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ)[المجادلة:8].
فقال تعالي جوابا لقولهم: (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
ومرة ينظرون إلى المؤمنين؛ وهم فقراء شعث غبر..فيزدرون بهم ويتحقرونهم فيقولون: (أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا)[الأنعام:53] ويقولون: (لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ)[الأحقاف:11].
وترتيب القياس الذي نظمه في قلوبهم أنهم يقولون : قد أحسن الله إلينا بنعيم الدنيا، وكل محسن فهو محب، وكل محب فإنه يحسن أيضًا في المستقبل كما قال الشاعر:
لقد أحسن الله فيما مضي
كذلك يحسن فيما بقي
ولكن..هيهات..هيهات..!!
3- العصاة من المؤمنين.
وهؤلاء غيرهم بالله غرور، وأهملوا الطاعة، والأعمال الصالحة، وترفعوا إلى خلق الله، واحتقروا غيرهم.
وهم يقولون: إن الله كريم، وإن نرجوا عفوه، واتكلوا على ذلك، واستندوا على أن نعمة الله واسعة، ورحمته شاملة وكرمه عميم، ويقولون: أين معاصي العباد في بحار رحمة الله؟
وإنا بالرغم من المعاصي موحدون مؤمنون...
وهؤلاء: منهم المخدوعون، ومنهم المغالون ومنهم،ومنهم.
وقد أفاض الإمام الغزالي رحمه الله في بيان أصناف هؤلاء العصاة.
أسباب الغرور
1- الإفراط في التدليل زمن الطفولة.
وذلك : يكون من الأهل ، خاصة إذا كان هذا الإنسان ولدهم الوحيد، الذي تجاب كل مطالبه، فينشأ وكأن الدنيا كلها ملك يديه، بل يسيطر عليه أنه أفضل من في الكون، وتتغلب عليه هذه النزعة، التي تؤدي به إلى خداع النفس وإصابتها بالإعجاب والغرور، وبخاصة إذا أصبح ذا شأن في المجتمع أو صاحب مال أو منصب أو جاه مرموق.
هذا:وليس بالضرورة..أن يكون كل مدلل زمن الطفولة مغرورًا..حيث إن هذا التدليل لا يؤدي بأحد إلى الغرور إلا إذا كان لديه الاستعداد الفطري لذلك.
2- الانخداع بالحياة الدنيا والركون إليها.
وذلك: يكون عند من تبهره الدنيا بزخرفها، وتشغله بزينتها دون أن يعرف حقيقتها، ويضعها في مكانتها، بل ينغمس فيها، ويفتن بزينتها، ويركن إليها ويعجب بنفسه لتفوقه فيها، وامتلاكه لمتاعها، ويهمل بالتالي مراقبة نفسه؛ فيقع في المعاصي ويؤخر التوبة، ويصاب بالغرور.
وقد نبه القرآ، لهذا السبب وحذر منه، حيث يقول رب العزة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].
3- الإسراف في الأماني.
وذلك: يكون عند من يسرف في الأماني ، وهي خدع الشيطان، يحلم بها المرء، يتمناها، ويعيش معها، وينسي حق الله تعالي، وحسن معاملة الآخرين، حتى يغتر ويتعالي عليهم.
يقول تعالي: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[الحديد:13-14]
وقال بعض العلماء ]القرطبي..الجامع لأحكام القرآن ( تفسير سورة الحديد:الآية:4)]: إن للباقي بالماضي معتبرًا، وللآخرين بالأول مزدجرًا، والسعيد من لا يغتر بالطمع، ولا يركن إلا الخدع.
ومن ذكر المنية: نسي الأمنية.
ومن أطال الأمل: نسي العمل، وغفل عن الأجل، وركبه الغرور.
4- الشيطان.
وذلك: يكون حيثما ينخدع الإنسان بوساوس الشيطان وزخارفه، واستجابته لها.
أ) وهو الذي خدع آدم عليه السلام حينما وسوس له وهو في الجنة بالأكل من الشجرة المحرمة...
يقول تعالي: (وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)[الأعراف:19-22].
ب)يقول تعالي: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)[الأنعام:112].
ج) ويقول سبحانه : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ)[الأنعام:118].
د) وهو الذي يتربص بالإنسان ليفتنه عن الهدي (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف:16-17].
ومن صور الخداع بالشيطان.
أن ينظر المغرور إلى نعم الله عليه في الدنيا..فيقيس عليه نعم الآخرة فيقول: قد أحسن الله إلى بنعيم الدنيا، وكل محسن محب، وكل محب محسن دائما.
وكذلك ينظر المغرور إلى تأخير العذاب عنه في الدنيا..فيقيس عليه عذاب الآخرة، فيقول: قد أخذ الله عني العذاب في الدنيا ولم يعذبني، ولن يعذبني في الآخرة.
وأيضًا: ينظر مرة ثالثة، إلى المؤمنين في الدنيا هم فقراء فيحتقرهم..ويقيس عليه وضعهم في الآخرة، فيقول:( أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا)؟
ولذلك ..فنحن على الحق، وليس هم.
وكل هذا فاسد، لأنه من أقيسة إبليس ـ عليه لعنة الله الذي قال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[الأعراف:12].
5- إهمال النفس وعدم محاسبتها.
وذلك: أنه من المعلوم " أن كل بني أدم خطاء" لا محالة ، ومن أراد النجاة من مضار هذه الأخطاء، لابد له من مراجعة النفس، ومحاسبتها على هذه الأخطاء، والتوبة منها بصفة مستمرة.
ومن هذه الأخطاء الرذيلة: الغرور.
فإذا أهمل نفسه ولم يتب من هذا الخطأ، ويصلح نفسه، تمكن الداء منه، وتحول إلى احتقار للآخرين .
وقد نبه القرآن إلى ذلك..في قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
6- عدم مناصحة الآخرين له]د.سيد نوح..آفات على الطريق 1/129].
من المعلوم أن " المؤمن مرآة المؤمن"]رواه أبو داود..ك: الأدب ن باب في النصيحة]،وأن " الدين النصيحة]رواه مسلم ..ك: الإيمان ، باب بيان أن الدين النصيحة].
ولذلك : إذا لم يجد المغرور من ينبهه على غرقه أزداد غرقا على غرق، كما أنه إذا لم يجد النصح الأمين الذكي استمر في غيه وضلاله.
ومن هنا: كان من واجب الأخوة في الإسلام، ومن مبادئ التعاون على الخير والبر والتقوى : التناصح.
ومن هنا: كانت النصيحة من الآخرين للمغرور.. خير عون له على التخلص من هذا الداء الوبيل.
وهذا: أمر لا يستهان به..خاصة وأن المخلصين قد لا ينتبهون إي هذا الواجب، فيقعدون عن أداء دورهم فيه، وحينئذ يتمكم هذا الداء من صاحبهن ويصعب علاجه.
مخاطر وأضرار الغرور
وللغرور مخاطر ومفاسد كثيرة على صاحبه..فردا كان أو جماعة ، أو أمة.
أ) فمن مخاطره وأضراره على افرد.
1- أن صاحبه يصاب بداء الجدال ولو بالباطل.
حيث إن المغرور ـ لحبة لذاته، ورؤيته لعمله، واحتقاره للآخرين وعملهم ـ يحاول دائما الانتصار لنفسه، والغلبة لها بالحق أو بالباطل، ويزين له الشيطان أن أفضل وسيلة لهذا الغرض هي المراء والجدال، فيقع فيه، وتضيع عليه الصالحات والأوقات ويذهب العمر سدي.
وفي الحديث:"ما ضل قوم بعد هوى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل"]رواه الترمذي ..ك:التفسير، باب ومن سورة الزخرف].
2- كما أن صاحبه يصاب بداء ..التكبر في الأرض بغير الحق]د. سيد نوح ..آفات على الطريق 1/129].
حيث إن الغرور حين يتمكن من النفس يتحول من مجرد استصغار للآخرين ، إلى ترفع على الغير، وللترفع والتكبر أضراره.
حيث يقول تعالي : (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)[الإسراء:37].
ويقول أيضًا : (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[لقمان:18].
وفي الحديث الشريف: "تقول النار : أوثرت بالمتكبرين"]رواه البخاري ..تفسير سورة ق].
3- ويصاب كذلك بآفة الاستبداد بالرأي]د. سيد نوح..آفات على الطريق 1/129].
حيث إن المغرور لرؤيته لنفسه، يعتقد أن ما يصدر عنه كله صواب لا خطأ فيه، وأن ما يصدر عن الآخرين كله خطأ لا صواب فيه.
ومثل هذا:إذا دعي إلى حق عز عليه النزول عليه، والإذعان له..فيبقي مستبدًا برأيه.
واستبداده برأيه يجعله يعيش في حياته غارقًا في أخطائه حتى يهلك مع الهالكين.
4- دخولهم النار.
حيث إن مثل هذا الشخص لا يميز بينما ينفعه وما لا ينفعه..فتكثر أخطائه وتتعاظم، وقد لا يتوب منها، ولا يرجع عنها، فيكون مصيره إلى النار والعياذ بالله.
ويقول تعالي: (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)[الجاثية:34-35].
ب)ومن مخاطره على الجماعة والأمة.
1- الإصابة بالطغيان.
حيث إن غرورها بسبب امتلاكها لمتاع الدنيا أو تقدمها في زخرفها ، وتفننها في أدوات زينتها..وهذا نتيجة الغني الذي وصلت إليه.
يقول تعالي: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7].
2- وقوع الهلاك.
حيث إن هذا الطغيان..إفساد في الأرض، ونتيجته بالضرورة ..هي الهلاك.
ومثل هذا حدث لقوم عاد، وعلي سبيل المثل.
يقول تعالي :( أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)[الشعراء : 128-129].
ومثل هذا أيضا حدث لثمود قوم صالح
يقول تعالي :( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ)[الأعراف:74-78].
علاج الغرور
يلاحظ ابتداء : أنه مهما تعاظم الداء..فلن يكون أبدًا عسير الشفاء منه أمام رغبة المريض وصدق عزيمته، واستعانته بالله تعالي في التخلص منه.
وهذه بعض الوسائل التي تساعد على الوصول لهذا الغرض]. سيد نوح..آفات على الطريق 1/129].
1- النصيحة الحكيمة.
وتكون من المحيطين به ، المحبون له، والمخلصين لله في نصيحتهم للمغرور.
حيث ينبغي أن تكون بأسلوب شفيق رقيق مناسب، وفي الوقت المناسب، لا تعنيف فيها ولا تأنيب، ولا احتقار فيها ولا تصغير .
وبهذا : أكد الإسلام على النصيحة.
ففي الحديث:"الدين النصيحة، قلنا لم ..؟ قال صلي الله عليه وسلم لله ولكتابه، ولرسوله، لأئمة المسلمين وعامتهم " ]رواه المسلم ..ك: الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة].
2- معرفة منزلة الدنيا من الآخرة.
وبما أ، معظم الغرور..يكون بسبب الدنيا،فإن معرفة قيمة الدنيا ومنزلتها بالنسبة للآخرة: يعد مفيدًا للعلاج من هذا الداء.
ولذلك : نجد القرآن الكريم : يذم الدنيا، ويحذر منها..إذا أتخذها الناس هدفا وغاية.
يقول تعالي: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد:20].
ويقول سبحانه: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا)[الكهف:45].
ويقول تعالي منبها على الأفضل: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[الأعلي:16-17].
وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم كثيرًا ما يدعو بهذا الدعاء: اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، وأجعله الوارث منا، وأجعل ثأرنا على من ظلمنا وأنصارنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا"]رواه الترمذي ..ك:الدعوات.].
3- ضرورة معرفته لحقيقة نفسه ]الماوردي..أدب الدين والدنيا..231وما بعدها].
حكي أن رجلا من الصالحين رأي أحد الناس يمشي الخيلاء..فقال له: ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله؟
قال الرجل: أما تعرفني..؟
قال الصالح: بل أعرفك..أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة.
فأخذ الشاعر هذا الكلام ونظمه ، فقال :
عجبت من معجب بنفسه
وكان بالأمس نطفه مذرة
وفي غد بعد حسن صورته يصير في اللحد جيفة قذرة
وهون على تيهه ونخوته ما بين ثوبيه يحمل العذرة
وقال الأحنف بن قيس:
عجبت لمن جري في مجري البول مرتين، كيف يغتر؟
وقال بعض الشعراء يصف الإنسان.
يا مظهر الكبر إعجابا بصورته أنظر خلاك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس ما في بطونهم ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك والعين مرفضة والثغر ملعوب
يا بن التراب ومأكول التراب غدا أقصر فإنك مأكول ومشروب
4- الوقوف على عواقب الغرور.
حيث إن معرفة العواقب مما يحول النفس من داخلها إن كان لا يزال فيها خير إلا أن فيها خير، إلا أن تسع جاهدة إي التخلص من هذا الداء،قبل أن يأتي يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، ويتمني الإنسان الرجوع إلى الدنيا فلا يستجاب له.
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون:99-100].
5- معرفة أخبار الصالحين ودراسة سيرهم.
حيث إن ذلك مما يحرك الهمم للإقتداء بهم.
جاء عن أبي بكر رضي الله عنه أكمل الناس إيمانًا، قوله: " لو يعلم الناس ما أنا فيه لأهالوا على التراب".
وهذا الإمام الشافعي ، الذي وصفه الإمام أحمد بن حنبل بقوله: كان كالشمس في الدنيا والعافية للناس.
لما حضرته الوفاة: سأله بعض أصحابه قائلا: كيف أصبحت..؟
قال:" أصبحت على الدنيا راحلاً وللإخوان مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا ، وعلي الله عز وجل واردا، ولا أدري أيؤمر بي إلى الجنة، أو يؤمر بي إلى النار، ثم أنشد:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
6- محاسبة النفس.
حيث إن ذلك مما يساعد على التخلص من الأمراض، والأخلاق الذميمة.
وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم إذ يقول: "الكيس: من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمني على الله الأماني "]رواه ابن ماجة..ك:الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له].
7- الاستعانة بالله تعالي في التخلص من هذا الداء.
حيث إنه سبحانه يعين من دعاه، ولا يخيب من قصده ولجأ إليه ولا ذ به.
يقول تعالي: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت:69]
- تيماالمراقب العام
- :
عدد الرسائل : 1656
العمر : 27
العمل/الترفيه : خياطة و معلمة للاطفال الروضة
المزاج : ممتاز والحمد لله وحياتي مليئة بالتفاؤل
تاريخ التسجيل : 15/01/2013
رد: علاج الغرور
الأربعاء 14 مايو 2014, 16:53
بارك الله فيك موضوع قيم الله يجزيك الخير
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى