- Mohameddjaعضو ماسي
- :
عدد الرسائل : 675
العمر : 59
العمل/الترفيه : أستاذ فيزياء تعليم متوسط
المزاج : هادئ
تاريخ التسجيل : 21/03/2010
علاج الحقد
الجمعة 14 يونيو 2013, 00:42
علاج الحقد
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالي
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا)
[آل عمران: 120].
* * *
ويقول صلي الله عليه وسلم
"تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس ..فيغفر لك عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين الرجلين حتى يصطلحا".
[رواه: مسلم]
تساؤل ..واتفاق
عزيزي القارئ...
هل شعرت يوما بكراهية شديدة لبعض الناس، القريبين لك، أو البعيدين عنك ، لا لشيء إلا أن الله خصهم ببعض النعم، زيادة على ما عندك..؟
وهل أحسست أنك تريد الانتقام منهم، ونزول الإيذاء الشديد بهم، وتوقع المكروه لهم، لأنهم آذوك بأي نوع من الإيذاء..؟
وهل وجدت أنك عاجز عن التخلص من هذه الكراهية وفي ذات الوقت عاجز عن تنفيذ هذا الانتقام؟
وهل تحول هذا العجز إلى كبت لما يدور بداخلك من كراهية ، ورغبة في الانتقام، حتى أصبح هذا الكبت عبئا ثقيلا عليك؟
وهل أصبحت هذه الأحاسيس تشغل بالك، وتقلق نومك، وتكثر همك، وتطيل ليلك ، وتفسد فكرك.
بل صرت تشعر أن هذه الكراهية سكنت جوانحك، واختفي شرها انتظارًا لفرصة لك سائحة ، أو ضربة منك ناجحة..!؟
إذا كان هذا..قد حدث..؟
فأنت مريض، وبقراءتك لهذا الكتاب: قد بقي فيك خير كثير..!!
حيث إنك تريد العلاج.
* * *
ولكن ..ما هذا المرض..؟
إنه عزيزي القارئ: مرض قلبي.
* * *
فهل تريد..أن تعرف، وتتعرف، على هذا المرض..؟
لا تخجل..
قل: نعم..مرضاة لله تعالي..!!
* * *
فهل إن عرفت ، وتأكدت ـ لا قدر الله ـ أنك مريض عندك الاستعداد للعلاج من هذا المرض..عن طريق (طب القلوب)..؟
لا تخجل...
قل: نعم...مرضاة لله تعالى..!!
إذن ..أدعوك ـ الآن ـ لقراءة هذا الكتيب...
فنحن ..من خلال صفحاته، وبعون الله تعالي، وإفادة من : القرآن الكريم، وسنة النبي صلي الله عليه وسلم، وسيرة السلف الصالح، وكتابات العلماء العاملين.
نبين الداء..!
ونصف الدواء..!
ومن الله يكون الشفاء..!
* * *
والله تعالي: يهدينا ويهديك، ويعافينا ويعافيك...
إنه سبحانه..ولي ذلك، والقادر عليه.
نقاط البحث
نتناول ـ بتوفيق الله تعالي ـ طب هذا المرض في النقاط التالية:
أ) أعراض الحقد.
ب)أساب الحقد.
ج) مخاطر الحقد.
د) علاج الحقد.
وذلك على النحو الذي تطالعه، شفاني الله وإياك منه ـ في الصفحات التالية:
أعراض الحقد
شعور المرء بالعداوة، والكراهية الشديدة التي يصاحبها رغبة في الانتقام من الشخص المكروه، لدرجة إفنائه نهائيًا، وإلغائه من الوجود.
فإذا عجز الكاره عن التشفي والانتقام ممن يكره:
تحلت الكراهية إلى حقد دفين، وغل أسود .
ويصير هذا الحقد في جوف صاحبه..أشبه بالخراج الداخلي، الذي يأكل اللحم السليم، ويتلف الدم النقي، ويحرق الأعصاب وينخر العظام.
أو يصير هذا الحقد: كالحمل الثقيل ، يتعب حامله، وتشقي به نفسه، ويفسد به فكره، ويشغل باله، ويقض مضجعه، ويكثر بسببه همه وغمه؛ حيث إنه حمل مملوء بالصخور الثقيلة المحمية، التي تنفث السموم التي تلتهب منها الصدور.
ويظل الحاقد يحمل هذا الحمل الثقيل الخبيث مهما حل وارتحل، حتى يشفي حقده بالانتقام ممن يحقد عليه]عبد الرحمن حنبكة ..الأخلاق الإسلامية ..1/785 وما بعدها].
أسباب الحقد
والأسباب التي تنتجه وتؤدي إليه كثيرة.
منها:
1- الغضب مع العجز عن الانتقام.
حيث إن الغاضب ، إذا عجز عن الانتقام ممن أغضبه أو آذاه، وكظم غيظه في الحال: رجع إلى الباطن، واختفي فيه..وصار حقدًا.
ويؤدي الحقد ـ في هذه الحالة ـ إلى إضمار الشر للجاني،إذ لم يتمكم من الانتقام منه، ويختفي هذا الشر إلى حين إمكان الفرصة للانتقام]أنظر الجرجاني ..التعريفات ..95، ابن قدامة ..مختصر منهج القاصدين..203، الجاحظ ..تهذيب الأخلاق..33، رائد فؤاد ..الأمراض القلبية..34].
2- خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله ]الغزالي..إحياء علوم الدين..3/192،193].
حيث إن النفس الخبيثة لا تحب الخير لأحد إطلاقا ، بل تكون شحيحة بالخير يجود الله تبارك وتعالى به على الغير.
3- الحرمان.
ذلك: أن الله تعالي قد يحرم المرء نعمة: من مال، أو ولد، أو جاه، أو صحة، أو ذكاء، أو غير ذلك...فلا تطيب نفسه بذلك ولا يرضي بقسمة المولي سبحانه، فضلا عن أنه يجد هذه النعم عند غيره، ويتناسى حكمة الله في ذلك كما في قوله تعالي :( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)[الشوري:27].
وكما في الحديث القدسي : "إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغني، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه[د. سيد نوح ..آفات على الطريق..2/280وما بعدها].
وحين يقف المرء عند الإحساس بهذا الحرمان، متناسيا حكمة الله في هذا التوزيع: يمتلئ قلبه بالغل والحقد، ويظل ينتهز الفرصة للتعبير عن هذا الحقد.
4- سواء التوزيع والتفريق في المعاملة]د. سيد نوح ..آفات على الطريق..2/280وما بعدها].
حيث إن سوء التوزيع للثروة ، وللوظائف على نطاق الأمة، بين أفرادها.
وكذلك: التفريق في المعاملة بين أفراد البيت الواحد، والعشرين والواحدة، وأبناء الوطن الواحد.
وكل ذلك: من الأمور التي تجلب الحقد إلى النفوق، وتزرعه في المجتمع وبين أفراده.
ولعل هذا هو السر في:
تركيز الإسلام عل عدالة التوزيع، كما في قوله تعالي:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)[النساء : 135].
وتركيز الإسلام على العدل في القول كما في قوله تعالي: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)[الأنعام:152].
وتركيز الإسلام كذلك على العدل مع الخصوم كما في قوله سبحانه: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[المائدة:8].
وتركيز الإسلام في العدل بين الأولاد ..حيث يقول محمد صلي الله عليه وسلم : "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"]رواه البخاري ..ك: الهبة ، باب الإشهاد على الهبة.مسلم ك:الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة].
5- الكبت والقهر]د. سيد نوح ..آفات على الطريق..2/280وما بعدها].
ذلك: أن المرء إذا حيل بينه وبين التعبير عما يجيش في صدره، وما يجول بخاطره..!!
وأضيف إلى ذلك: القهر على أية صورة كان...!!
ودام ذلك الكبت وهذا القهر زمنا طويلا: فإن المرء مع عجزه عن التخلص من ذلك، يظل يختزن العداوة في صدره، حتى تنقلب إلى الحقد على من كبت حريته، وأذل كرامته، وقهر نفسيته.
ولعل هذا هو السر في:
دعوة الإسلام للشوري ..حيث يقول: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[آل عمران:159].
تحريم ظلم الناس..حيث يقول في الحديث القدسي:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا ، فلا تظالموا".
تحريم السخرية من الآخرين...حيث يقول تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ)[الحجرات:11].
يقول صلي الله عليه وسلم "رجلان من أمتي لا تنالهما شفاعتي:سلطان ظلوم غشوم، وآخر..غال من الدين، مارق منه"]ابن حجر الهيثمي ..مجمع الزوائد ..ك:الخلافة، باب: في أئمة الظلم والجور].
إلى غير ذلك من الأسباب]د. سيد نوح ..آفات على الطريق..2/280وما بعدها].
مخاطر الحقد
ومخاطر هذا الداء: تصيب الفرد والمجتمع بآفات عديدة، ومشاكل لا حصر لها، ولا منقذ إلا الله عز وجل منها.
ومن هذه المخاطر:
1- الحسد.
حيث يحمل الحقد صاحبه على أنه يتمني زوال النعم التي أنعم الله بها على من يحقد عليه.
2- الشماتة.
حيث يجعل القد صاحبه من أهل الشماتة، الذين تسيؤهم النعم وتسرقهم النقم والمصائب تنزل عن يحقدون عليهم.
يقول تعالي مصورًا حقد أعداء المسلمين: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا)[آل عمران:120].
3- القطيعة.
حيث يحمل الحقد صاحبه على هجر وقطيعة، من يحقد عليه، وإن طلبه، أو أقبل عليه.
مع أن الإسلام ركز على عدم القطيعة بين أفراده، ففي الحديث الشريف:" لا يحل المسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة"]رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد في المسند].
4- الغيبة والنميمة.
حيث يتكلم الحاقد على من يحقده بما لا يحل من كذب، وغيبة ونميمة، وإفشاء سر، وهتك ستر.
5- الإيذاء.
حيث إن الحاقد يتربص بمن يحقد عليه، ويتمني له الضرر، سواء أوقعه هو به، أو عصفت به الأيام أو غدر به الزمان من نكبات تحل، أو مصائب تقع، أو كوارث تنزل.
6- منع الحقوق.
حيث يدفع الحقد صاحبه..إلى منع الحق: من قضاء دين، أو صلة رحم، أو رد مظلمة ، أو قضاء مصلحة ..إلخ.
7- حرمان المرء من مرضاة الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"تفتح أبواب الجنة: يوم الاثنين ويوم الخميس..فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا"]رواه مسلم في الصحيح ..ك: البر، وأبو داود في السنن..ك:الأدب، ومالك في الوطأ..ك حسن الخلق،وأحمد في المسند].
8- شيوع العلل والأمراض القلبية في المجتمع.
حيث إن انتشار هذا الداء بين أفراد المجتمع دون علاج له: مما يساعد على قطع الأواصر، وانتشار الرذائل، وشيوع العداوة، وعدم الرضي، وكثرة السخط، وقلة التسليم، وضعف الإيمان.
وكل هذه الأمور: عوامل مؤثرة ف تأخر المجتمع، وعدم نمائه ورقيه، بل مؤدية بالضرورة إلى تخلفه، وتأخره، وضياع أمنه، وانحطاط هيبته.
علاج الحقد
لقطع دابر هذا الداء من المجتمع الإسلامي: لابد أن يتحمل المجمع وأفراده دورًا هامًا للوقاية من هذا الداء،وعلاجه.
حيث إن على المجتمع وأفراده.
1- الحرص على العدالة في التوزيع والتسوية في المعاملة من الأب لأولاده، ومن الأخ لإخوانه، ومن الحاكم للرعاية؛ حيث إن ذلك له دور كبير في اقتلاع جذور الحقد من النفس، وأن يحل محله العفو، والصفح، والإحسان.
2- السعي لقطع الهجران وعلاج الخصومات، بأية طريق حلال؛ حيث إن ذلك له دور كبير في إصلاح النفوس، واقتلاع الحقد من القلوب، قبل أن تنبت وتثمر]د. سيد نوح ..آفات على الطريق..2/280وما بعدها].
كما أن على الحاقد من جهة أخرى : أن يعرف ضرر هذا الداء، وخطورته عليه، وعلي المجتمع الإسلامي ،وأن يعرف فوائد البعد عنه،والتخلص منه.
ولذا: فعليه...
1- محاسبة نفسه أولاً بأول، وإفهامها أن الحقد على الآخرين،بسبب النعم، اعتراض على الله تعالي، وعدم رضا بقضائه وقدره، وهذا ضعف في إيمانه، وطريق لعبث الشيطان به[د. سيد نوح ..آفات على الطريق..2/280وما بعدها].
2- دوام العيش مع كتاب الله تعالي وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم، وسيرة السلف الصالح، وكيف كان الذم للحقد والغل والبغضاء.
فإن ذلك: مما يساعده على مجاهدة النفس للتخلص من هذا الداء، وتقوية إيمانه بالله تعالي.[ د. سيد نوح ..آفات على الطريق..2/280وما بعدها].
حيث كانوا يقابلون السيئة بالحسنة، فيقدمون لهؤلاء النفقة، والهدية، ويحسنون جوارهم، وضيافتهم، ويتفقدونهم، ويشاركونهم أفراحهم ولا يؤذونهم في غياب أو حضور ، ويدعون لهم بظهر الغيب..وهكذا.
وحسبنا هنا موقف الصديق من مسطح بن أثاثة، وكان قريبًا له،وكان الصديق يتعهده بالنفقة، وحين تورط في حادثة الإفك حلق الصديق أن يمنع عنه رفده وعطاءه، فنزل القرآن : (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النور:22].
وحين سمع الصديق ذلك قال: بلي يا رب أحب أن تغفر لي، وعاد إلى النفقة عليه وكفر عن يمينه]د. عبد الحي الفرماوي..تفسير سورة النور.. تفسير الآية :22].
يقول الإمام الغزالي في الإحياء: والأولى..أن يبقي على ما كان عليه.. فإن أمكنه أن يزيد في الإحسان، مجاهدة للنفس، وإرغاما للشيطان، فذلك مقام الصديقين، وهو من فضائل أعمال المقربين.
3- اجتهاده في القضاء على غضبه وانفعالاته.
حيث إن علاج الحقد فيمنك أولا في القضاء عل أصله وهو الغضب، فإذا حدث ذلك الغضب ولم يتمكن من قمعه بالحلم وتذكر فضيلة كظم الغيظ ونحوهما، فإن لشعور بالحقد يحتاج إلى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا وعليه أن يحذر نفسه عاقبة الانتقام وليعلم أن قدرة الله عليه أعظم من قدرته وأنه سبحانه بيده الأمر والنهي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه هذا من ناحية العلم، أما العمل فإن عليه أن يكلف نفسه أن لا يصنع بالمحقود عليه عندما اقتضاه حقده فيتبدل الذم مدحًا والكبر تواضعا، وعليه أن يضع نفسه مكانه ويتذكر أنه يحب أن يعامل بالرفق فيعامله كذلك]رائد فؤاد ..الأمراض القلبية ..40].
4- أن يعلم جيدًا أنه ليس من صفات المؤمنين، حيث إنه ليس من صفاتهم أن يحملوا الحقد في صدورهم، وذلك لأن الأصل في صدورهم أن كون مملوءة بالمحبة وإرادة الخير للآخرين، ومتى امتلأت القلوب بالمحبة وإرادة الخير للآخرين : لم يجد الغل مكانا فيها ينزل فيه، ولئن مرت الكراهية أو البغضاء فيها عابرة سبيل: فإنها لا تستطيع أن تجد فيها مكانًا شاغرًا تقيم فيه.
إن هذا العوارض القذرة غريبة لا تستطيع أن تجد لها فيها وطنا]عبد الرحمن حنبكة ..الأخلاق الإسلامية ..1/785وما بعدها].
الحقد داء دفين ليس يحمله
إلا جهول مليء النفس بالعلل
مالي وللحقد يشقيني واحمله
إني إذن لغبي فاقد الحيل!!
سلامة الصدر أهنا لي وأحب لي
ومركب المجد أحلي لي من الزلل
إن نمت نمت قرير العين ناعمها
وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي
وأمتطي لمراقي المجد مركبتي
لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي
مبرأ القلب من حقد يبطئني
أما الحقود ففي بؤس وفي خطل
وفي سورة الحشر تحدثت الآيات عن المهاجرين والأنصار وأثنت عليهم، ثم تحدثت عن المؤمنين الذين جاؤوا من بعدهم، فوصفتهم بأنهم يدعون بالمغفرة لأنفسهم ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان ويسألون ربهم أن لا يجعل في قلوبهم غلا للذين آمنوا، قال الله تعالي: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحسر:8-10].
إن الأخوة الإيمانية والغل لا يجتمعان في قلب واحد؛ إن عاطفة المؤمن نحو إخوانه المؤمنين تتدفق بالمحبة ، فكيف يجد الغل إلى هذه العاطفة الكريمة سبيلا؟! إنهما أمران لا يجتمعان. قد ينال المؤمن من أخيه أذى، وقد يكرهه لذلك أو يعاديه انتصارًا لنفسه، ولكن هذه العوارض لا تستمر ف قلب المؤمن، فهي لا تتحول إلى عداوة دفينة في القلب، وحقد وغل متغلغل يتربص الدوائر بأخيه المؤمن، بل يجد المسامحة والعفو أهنأ له وأسعد وأرضي لله، وإن ناله من أخيه ما يكره من ضر أو أذى.
بهذه الأخلاق الكريمة يتحلى المؤمن الفاضل ، وبهذه الفضائل الكريمة تتحول العداوات الشخصية إلى مودات جماعيه، قال الله تعالي : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[فصلت:34-36]
5- أن يعلم أنه: ليس من صفات أهل الجنة.
ولما كانت الجنة دار سعادة ونعيم عام وشامل كان لابد لأصحابها من أن يكونوا مبرئين من كل حقد وغل، ومن كل علة خلقية تسبب لهم آلامًا وأكدارًا.
وقد وصف الله أهل دار النعيم يوم القيامة بأنهم مبرؤون منكل غل،وما كان من غل في صدورهم في الدنيا فإن الله ينزعه منها متى دخلوا الجنة [عبد الرحمن حنبكة ..الأخلاق الإسلامية ..1/785وما بعدها].
قال الله تعالي في وصف أصحاب الجنة[عبد الرحمن حنبكة ..الأخلاق الإسلامية ..1/785وما بعدها]: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الأعراف:43].
وقال سبحانه : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ)[الحجر:45-48].
6- أنه لن يدخل الجنة إلا بسلامة الصدر.
حيث إنه بسلامة الصدر ومحبة الخير للمسلمين وعدم الحقد عليهم وحمل الضغينة لهم: ينال الإنسان بذلك الدرجة العالية والأجور الغالية..
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال:"يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة" فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلي الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولي ، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلي الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا فطلع ذلك الرجل على مثل حالة الأول، فلما قام النبي صلي الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو فقال:إني لا حيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي، فعلت، قالت:نعم.
قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه يأت معه تلك الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لا أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليالي وكدت أن أحتقر عمله.
قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة" فطلعت أنت الثلاث مرات فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك عملت كبير عمل،فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت ..فلما وليت ودعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك"]رواه أحمد في المسند، والمنذري..في " الترغيب والترهيب من الحسد" وقال: رواه أحمد بإسناده على شرط البخاري ومسلم والنسائي] .
ووجه الشاهد من الحديث كما قرأنا: أنه رضي الله عنه ما كان يحمل في صدره غلا ولا حقدًا ولا حسدًا على مسلم فبلغت به هذه الأمور ما ذكر الصادق المصدوق.
فتأمل هذا الفضل من الله عز وجل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :" تفتح أبواب الجنة : يوم الاثنين، ويوم الخميس..فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال:انظروا هذين الرجلين حتى يصطلحا انظروا هذين الرجلين حتى يصطلحا"]رواه مسلم في الصحيح ..ك:البر،وأبو داود في السنن..ك:الأدب، ومالك في الوطأ ..ك:حسن الخلق، وأحد في المسند].
وقال زيد بن أسلم ]رائد فؤاد..الأمراض القلبية..40] رضي الله عنه دخلت على أبي دجانة وهو مريض وكان وجهه يتهلل فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟
فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، أما الأخرى فكان قلبي سليمًا".
قال ابن القيم رحمه الله ]رائد فؤاد..الأمراض القلبية..40]: " من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهواته إذ القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله تعالي بقدر تعلقها ، القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليها أرقها وأصلبها وأصفاها، وإذا غذي القلب بالتذكر وسقي بالتفكر ونقي من الدغل رأي العجائب وألهم الحكمة".
وقال عنترة:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلا من طبعة الغضب
7- الدعاء.
حيث كان من داء المصطفي صلي الله عليه وسلم :"اللهم أهد قلبي، واسلل سخيمة صدري"]رواه الترمذي، وقال : حديث حسن صحيح].
- تيماالمراقب العام
- :
عدد الرسائل : 1656
العمر : 27
العمل/الترفيه : خياطة و معلمة للاطفال الروضة
المزاج : ممتاز والحمد لله وحياتي مليئة بالتفاؤل
تاريخ التسجيل : 15/01/2013
رد: علاج الحقد
الأربعاء 14 مايو 2014, 16:54
بارك الله فيك موضوع قيم الله يجزيك الخير
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى