في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة "

اجنادين

أيها الشعب الكريم ... وفي رواية عن الواقع أيها الشعب الذليل :

صباحكم - أو مساؤكم - كغرناطة ، غرقٌ في الجمال والفن ..

تشتعل بداخلي الأندلس حنيناً ، وعذاباً .. كأيّ عربي يعيش في مدينة الأفعال الماضية ، ويعربها دموعاً وأسى .. لذلك أتيتكم بهذه الصور .. كرحلة مجانية يبدو فيها التاريخ قد عاد إلينا كشاهد عيان على روعة تلك العصور وقبح مابعدها ..

وحينما تشاهدون هذه الصور ، لا تتخيلوا الفتيات القشتاليات ، ولا الموسيقى الأسبانية ، ولا رقصات الفلامنكو ..

بل تخيلوا آذاناً يصدح هنا وهناك ، ونساء متوشحات بالحجاب يمشين الهوينى ، وشيئاً من الموشحات الأندلسية ، ولا مانع من أن تتساءل وأنت تطالع حي " البياسين " - أصله " البائسين " أين كان يلاقي ابن زيدون ولاّدة ..؟!

بأي شيء نبدأ الرحلة ..؟!

مارأيكم بقصر الحمراء ..؟!

" هل شاهدت قصرا كالحلم نصفه في الماء ونصفه الآخر فوق الارض؟ هل شاهدت قصرا يتحول الي مرجان وقت الغروب بأحجاره الرملية المتوةردة وأعمدة من سيقان الغزلان؟ اذا كنت قد فعلت، فأنت بالتأكيد قد زرت "قصر الحمراء" الذي بدأ العرب تشييده في القرن الثالث عشر وأنجزوه في القرن الرابع عشر، وكان آخر معاقلهم. وياله من قصر مزنر ببرك تعكس صورة مقصوراته وأعمدته، فيبدو نصفه في الماء مرتجفا كحلم ..! " [size=7] غادة السمان في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada1

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada1

[size=16]إنه عبارة عن فناء يحيط به ممر ومن حوله القاعات والغرف وفي وسطه نافورة لاثني عشر أسداً، أنشأه السلطان "محمد الغني بالله" حين تولى السلطنة عام 755هـ .. وهذه النافورة تأتيا المياة من جهات أربع .. وفي كل ساعة يبدأ أحد الأسود بصب الماء من فمه بنفس انتظام عقارب الساعة .. وقد مرت مئات السنين ، ولا أحد يعلم سر هذه النافورة ..

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada2

وبالقرب من هنا نجد قاعة " الأختين " التي تعلوها قبة جميلة تزينها زخارف ملونة ، وأرضيتها تحتوي على قطعتين من الرخام نقش عند مدخلها " لا غالب إلا الله " ..

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada3

و حجرات القصر مشتملة على وحدات زخرفية نبايتة آية في الفن المعماري الإسلامي الفاخر ، وقد كسيت أيضاً بحشوات جصية تبدو كالسجاجيد .. قال عنها فيكتور هوجو :

" أيتها الحمراء.. أيتها الحمراء.. أيها القصر الذى زينتك الملائكة كما شاء الخيال وجعلتك آيه الانسجام.. أيتها القلعة ذات الشرف المزخرفة بنقوش كالزهور والأغصان المائلة إلى الانهدام.. حينما تنعكس أشعة القمر الفضية على جدرك من خلال قناطرك العربية يسمع لك فى الليل صوت يسحر الألباب".

ولكن مهلاً ، ليست الجدران مزدحمة بالنقوش فقط .. بل هناك تفاصيل دقيقة تساعد على تحديد مواعيد الصلاة وتشرح علم الفلك والرياضيات وتدعو إلى التفكر .. حتى يبدو وكأنه كتاب من حجر ..!

وأعتقد أن ماسبق يعطينا معطيات معادلة تلك الحضارة وهي : العقيدة " لا غالب إلا الله " + العلم " الديني والدنيوي " ، + القوة " لأن تلك الأبنية كانت معدة كحصون عسكرية " ، + الفن والجمال .

و عن هذا المعلم ، وباقي المعالم أترككم مع بعض صور الفردوس المفالقيود ، فهي اقتناصات أبلغ من الكلام .. وإن كانت بعض الصور تحمل اسماً يطبع أيضاً مزيداً من الأسى magicspain

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada4

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada5

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada6

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada7

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada8

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada9

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada10

الآن قبل أن نختم الرحلة .. أود أن أذكركم بقصة الضياع ،بما أننا نجيد فن الحزن و التباكي .. فلا بد أن نعرج على تلك القبضة من ذل .. ولكم أيضاً أن تستحضروا الشتائم واللعنات ..

تعرفون أبا عبدالله الصغير ..؟! إن لم تعرفوه فلا شك أنكم تعرفون عبارة : إبك كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال ..

إنه الباكي على الملك الضائع ..

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... " رحلة مصورة " Granada11

حينما تخلى بنو مرين المغاربة عن نصرة مسلمي الأندلس لانشغالهم بالحروب الداخلية ، وحد الصليبيون رايتهم واجتمعت مملكة " ليون " و " قشتالة " ، بعد أن تزوج " فرديناند " " إيزابيلا " وأعلنوا قيام تحالف قوي ضد المسلمين ..

وقد وُقــّعت معاهدة بين المسلمين والصليبين ، على أن يتم تأمين حياة وأعراض وشعائر المسلمين ، ولكن بالطبع لم يتم شيء من ذلك .. وكان آخر العهد بأبي عبد الله أن وقف بسفح جبل الريحان حيث سلم فرديناند وإيزابيلا مفاتيح المدينة يبكي على ملكه الضائع ..

هنا قالت له أمه المقولة الشهيرة " إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال " .

ولك أن تتخيل أنك مذيع ، وستجري معه لقاءً في أحد قنواتنا الفضائية البائسة .. ماذا ستسأله :

عني فقد سألته :

- الملك الباكي أبو عبدالله الصغير : هل لك أن تحدثنا عن شعورك بالذل . . فأود أن أعرف هل للذل في عصركم نفس الطعم في عصرنا ..؟!

- برأيك : أيهما أفضل : أن تسلم مفتاح ملك المسلمين وأنت تبكي .. ؟ أم ان تسكب دماً أحمراً وأنت شهيد ..؟!

- هل تسمح لي أن ألعنك بصفتك أول الحكام العرب الذين يجيدون فن تسليم الأوطان ..؟!

- انتهى اللقاء -

هـُزم المسلمين شر هزيمة وسقطت مدينة غرناطة ، ودخل النصارى قصر الحمراء ووضعوا صليباً فضياً ، وأعلنوا أنها أصبحت ملكاً كاثوليكياً ..