القراءة للأطفال و إعادة صياغة ا لمستقبل
الإثنين 26 مايو 2008, 19:06
القراءة للأطفال و إعادة صياغة ا لمستقبل
د. كريمة مطر المزروعي
كلية التربية- جامعة الإمارات العربية المتحدة
حقوق النسخ والطبع والتوزيع محفوظة
تبدأ حياة الإنسان في عالم المعرفة بسماع من يقرأ عليه ويعلمه وتنتهي حياة الإنسان بأن يتلو أحدهم عليه ويقرأ عليه الأدعية. حياة الإنسان تبدأ وتنتهي بسماع تلك الكلمات ذات المغزى الديني والأثر الاجتماعي النفسي. فالسمع المرتبط بالقراءة لا يعتبر فقط بداية الطريق لدروب العلم ولكنه كذلك بداية اكتشاف الحياة وسبر اغوارها. سنناقش في هذا الموضوع أهمية أن يقرأ الوالدان أو أحدهما للطفل وأثر ذلك على النمو العلمي والعقلي والنفسي والاجتماعي. فالقراءة للطفل ليست للتعليم وحل الواجبات المدرسية فقط بل له أصول وقواعد لو اتبعت لغيرت اهتمام الأطفال ونظرتهم إلى الحياة هذا بالإضافة إلى التقدم العلمي في المدرسة.
القراءة كما يعرفها جونسون هي الحصول على معني من خلال النص. والقراءة التي أعنيها هي القراءة الجهرية للطفل من قبل الوالدين أو المعلم أو الأخ الأكبر أو صديق. تبدأ القراءة للطفل قبل حتى أن يولد. أثبتت الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية أن قراءة نفس القصص التي كان يسمعهاالرضيع من أمه قبل أن يولد ومنذ أن كان جنينا تساعد على تهدئة الطفل حاد المزاج كثير البكاء. وبداية القراءة للطفل ليس له سن محددة، فالطفل من نعومة أظفاره يحب اكتشاف الكون من حوله حتى وإن لم يستطع التعبير والكلام وأفضل طريقة للاكتشاف هي القراءة له.
فوائد القراءة للطفل:
تزيد من الحصيلة اللغوية ومفردات الطفل: عندما يقرأ القارئ للطفل موجها اصبعه إلى الكلمات المقروءة فإن الطفل يتعلم كلمات كثيرة وكيفية استخدامها على أرض الواقع. وهذا الكلام ينطبق حتى على الكتب البسيطة مثل الكتب المصورة وحتى الكتب الأجنبية. ففي كل نوع من الكتب (الحيوان، الحديقة، شرطي المرور، وغيرها) عالم جديد من الاكتشاف ومفردات كثيرة جديدة ليتعلمها الطفل.
تنمي مدارك الطفل وخياله: من خلال الاستماع ومتابعة القارئ يتعرف الطفل إلى عالم لم تكن له دراية كافية به. فبوسع الأم أو القارئ أن تحدث الصغير عن الأشكال الهندسية ووجودها في الطبيعة في الحديقة والمنزل (مثلا الدائرة تشبه الصحن وتشبه مقود السيارة وهكذا). ومن خلال القراءة يتعرف الطفل على تجارب الآخرين (أبطال القصص) في حل المشكلات مما يعطي الطفل مجالا للتفكير بصورة أوسع. كما أن القراءة للطفل تدربه على مهارة الانتباه، فالأطفال الذين يقرأون أو يقرأ لهم تكون فترة الانتباه والتركيز لديهم أطول من أقرانهم.
تعلم الطفل السلوك المحبب: من خلال اختيار كتب معينه يستطيع القارئ غرس قيم أخلاقية، التعريف بقدوات وأبطال، تعليم آداب السير واحترام الكبير والمشاركة في اللعب وحتى عدم الخوف من إبرة الطبيب. فالكتب العربية الجيدة مهما بدت بسيطة فإنها تحتوى كما من القيم الأخلاقية والتوجيهات في طي الكلمات.
تزيد من تحصيله الدراسي: أثبتت الدراسات أن الطفل الذي يقرأ قبل دخوله المدرسة يكون معدل ذكاؤه (IQ) أعلى من أقرانه الذين لم يقرأ لهم. كما أثبتت الدراسات أن أطفال الحضانة الذين يقرأ لهم أكثر إبداعا وهدوءا وأكثر قدرة على المشاركة والتعلم من أقرانهم الذين لم يقرأ لهم. كما تقر الدراسات أن الحصيلة اللغوية والمفردات لهؤلاء الأطفال عالية ومستواهم في القراءة والكتابة والتعبير أفضل وقدرتهم على حل المشكلات أعلي من أقرانهم ممن لم يحظوا بنفس الحظوة.
تساعده على اكتشاف متعة العلم والقراءة: عندما يجد الطفل كتبا تناسب ميوله وتشبع هواياته يبدأ تدريجيا إلى التحول إلى القراءة لملء وقته. فالقراءة متعة للطفل إذا وجد الكتاب المناسب. كأن يتعلم عن شرطي المرور وآداب السير وطريقة حل المشكلات. يتعلم الطفل من خلال الاستماع أن مشكلاته جميعها لها حل وأن أبطال القصص التي يسمعها أو يقرأها مثله يمرون بنفس مشاكله ولكنهم يستطيعون التغلب عليها. كما أن القراءة الممتعة تدفع إلى المزيد من القراءة والاستكشاف وهذا ليس فقط في المواد المطبوعة بل وفي المواد المنشورة على صفحات الانترنت. وسأشرح لاحقا المرحلة العمرية وميولها لتسهيل اختيار الكتب المناسبة.
تساعد على نمو المهارات القرائية الكتابية: فالنمو في القراءة والكتابة مرتبطان ارتباطا وثيقا ببعضهما. فتعلم المفردات الجديدة وكيفية استخدامها ينعكس على موضوعات الكتابة والتعبير. كما أن الطفل القارئ أو الذي يقرأ له تكون له خبرات واسعة وطرق متعددة في حل المشكلات وكل تلك المهارات تنعكس على تناول موضوع الكتابة.
تعزز من ثقة الطفل بنفسه وقدراته وحب الآخرين له: فبكثرة الاستماع والقارئ تزداد الحصيلة العلمية واللغوية للطفل، ويعزز شعوره بالحب والأمان من قبل الأم القارئة، ويتعلم بعض المهارات السلوكية والأدائية وكل ذلك يعمل متظافرا على تعزيز ثقة الطفل بنفسه وقدراته. فقد اكتشفت دراسة مطوله أن الطلاب ذوي المهارات القرائية غير المقبولة يفتقدون الثقة بالنفس والهمة لتعديل المستوى الدراسي، ولكن بعد القراءة الجهرية لهم لفترة امتدت إلى الثلاثة أشهر بدأ التحسن في مستوى القراءة واضحا منعكسا على مهارات التعبير الكتابي. كما سلطت الدراسة الضوء كذلك على تحسن دافعية الطلاب نحو العلم وزيادة ثقة الطالب بنفسه ومهارته. وبشكل عام فإن بعض الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية تجد ارتباطا بين الضعف في القراءة وظهور بعض المشكلات السلوكية والتي يمكن السيطرة عليها بتحسن الأداء القرائي.
تعلم الطفل مهارات الإلقاء والتمثيل: عندما يقرأ القارئ للطفل أو حتى القارئ بصوت مسموع فإنه يتعلم أن صوت البطل الشرير يختلف عن صوت العصفورالمسكين في القصة ويتعلم بالاستماع إلى اختلاف نبرات الصوت معبرة عن الحالات النفسية المختلفة. يكتسب الطفل من خلال ذلك الكم من التنويعات مهارات تمثيلية تساعده في الإلقاء.
تنمي العلاقة بين القارئ والطفل: قد يكون هذا العامل من أهم العوامل الأسرية وبين المعلم وطلاب صفه. فالقراءة ليست سردا لبعض المعلومات المكتوبة في النص بل إنها نقل الكلمات إلى الحياة بطريقة شائقة. فعندما تضع الأم الطفل في حضنها وتبدأ القراءة يحس الطفل بمتعة القراءة ومتعة الحنان والاقتراب من الأم. فيضحك القارئ والطفل، ويتبادلان الأفكار، ويثيران الكثير من الأسئلة ، ويتعرف القارئ إلى شخصية الطفل أكثر فأكثر، فكل ذلك يسهم في تقوية العلاقة بين القارئ والطفل وتأكيد شعور الطفل بالحب والأمان مرتبطا بحب العلم والقراءة. وهذا ينطبق في الصفوف الدراسية كذلك. فقد أثبتت الدراسات أن تخصيص خمس دقائق فقط من وقت الحصة لقراءة شيء ممتع للطلاب قادرة على دفع المهارات التحصيلية للطلاب في القراءة والكتابة والتعبير كما أنها تقوي علاقة الطالب بالمدرس وتجعله أكثر قبولا من ذي قبل.
توجه الطفل نحو القراءة بدلا من التلفاز: العادات الحسنة يتعلمها الطفل منذ الصغر، فإذا تعلم الطفل منذ صغره أن يتوجه إلى التلفاز لشغل وقته أو لانشغال الوالدين عنه سيستمر في قتل وقته بالتلفاز طوال حياته. ولا مجال هنا لذكر أخطار التلفاز وآثاره السلبية على التنشئة. كذلك توجيه الطفل نحو عالم القراءة والاكتشاف منذ الصغر وتعليمه شغل وقته بكل ما هو مفيد نافع عادة تبقى معه ويستفيد منها طوال حياته.
تعلم الطفل احترام الكتاب والعلم: إذا شعر الطفل أن الكتاب له قيمة علمية وفائدة ومتعه ورأي طريقة معاملة القارئ واحترامهم للكتاب فإنه سيتعلم تلقائيا أن الكتاب ليس مجرد أوراق مرصوصة لتوضع على الرف بل يحتوى كنوزا تريد من يتعامل معها باحترام وتقدير.
أثناء القراءة للطفل هناك الكثير من الأساسيات التي يجب أن يعيها القارئ في البيت والمدرسة ومن ذلك أن يتذكر القارئ أن الهدف من القراءة تحقيق أهداف كثيرة علمية ولغوية واجتماعية ونفسية ودينية. وتتحقق الأهداف عن طريق:
- اختيار الكتب المناسبة لسن الطفل وميوله.
- الإجابة عن جميع أسئلة الطفل بصدق وببساطة مع ترك المجال أحيانا للطفل لاكتشاف الجواب بمفرده من خلال القصة. ويجب أن يشعر الطفل بأن المجال مفتوح له دوما للسؤال دون خوف.
- الإشارة إلى المفردات الجديدة في القصة وكيفية استخدامها بطريقة شائقة.
- إعطاء الطفل الفرصة الكافية للتعبير عن نفسه وشعوره وأفكاره أثناء القصة وبعد الانتهاء من القراءة.
- جعل وقت القصة وقتا لتقوية العلاقة مع الطفل دون تأنيب أو صراخ أو تذكير بأخطاء الصغير.
- القراءة بتعبير وتمثيل قدر المستطاع فيغير القارئ من نبرة صوته باختلاف المواقف والشخصيات.
- إهداء الطفل هدية كتاب بين حين وآخر.
- لفت نظر الطفل إلى أن كل ما حوله يقرأ من علب الإفطار والمعجون وإشارات المرور وأسماء الشوارع والجرائد والمجلات وأسماء المحلات وغيرها.
- تشجيع الطفل أن يقرأ للوالدين أو الطفل الأصغر أو أن يخبره بمحتوى قصة سمعها.
اختيار الكتب المناسبة ونمو الطفل:
نمو الأطفال يختلف من طفل لآخر، ولكن هناك بعض الخطوط العريضة المرتبطة بنمو الطفل العقلي واكتشافه للبيئة من حوله تساعد الأم أو القارئ اختيار الكتب المناسبة لتلك المرحلة:
من عمر 3- 5 سنوات: الطفل في هذه المرحلة العمرية المبكرة لديه فضول لمعرفة البيئة المحيطة به.. فنلاحظ أن الطفل أقل من 3 سنوات مثلا يحب معرفة ا لكثير عن قصص بانيو الاستحمام أو غطاء السرير المفضل لديه أو أنواع الطعام التي يأكلها وكأن كل ما في الكون يتمركز في عالمه الخاص فقط. وتتوسع تلك الدائرة بتقدم السن فيريد أن يعرف في البداية المزيد عن أسرته ثم عن منزله ثم عن حديقة المنزل ثم عن حديقة الحي ثم عن الشرطي الذي يحرس الحي وهكذا. وكل ما صغر سن الطفل تصغر دائرة اهتماماته. ويستمع الطفل في هذه المرحلة بشغف عن الحيوانات الأليفة المفضلة لديه. وهذه الفترة من أخصب الفترات لتعليم الطفل السلوكيات المحببة ولتوسيع مداركه وخياله.
من عمر 5- 8 أو 9: الطفل في هذه المرحلة يغادر الواقع لبعض الوقت فهو يريد أن يعرف الكثير عن الديناصورات والوحوش والشخصيات الخيالية مثل السوبرمان والسندريلا مثلا ولديه فضول ليسمع أو ليقرأ عن الساحرات والأشباح والحوريات. ويجب أن توضع تلك الأمور في الحسبان عند اختيار قصص للطفل.
من عمر 8 أو 9 إلى المراهقة: يعود الأبناء والطلاب في هذه المرحلة إلى أرض الواقع بحماس بالغ. فيحبون في هذه المرحلة القراءة عن المغامرات والأبطال والتضحيات. كما يحب القارئ في هذه المرحلة العمرية حل رموز المغامرات والألغاز البوليسية وكشف الغامض.
وعند اختيار كتب للأبناء يجب أن يعطى الأبناء فرصة للتعبير عن آرائهم في اختيار القصة وإتاحة الفرص لهم تباعا لاختيار القصص التي تروق لهم.
تطبيقات للقراءة الجهرية للأطفال:
1- من الممكن أن تقرأ الأم لطفلها في صفه أمام الطلاب. فتلك الفكرة مطبقة في بعض مدراس الولايات المتحدة الأمريكية وتلقى رواقا كبيرا بين الطلاب والمعلمين.
2- القراءة لا تعني الاعتماد على الكتاب فقط أثناء القراءة ، فهناك المجلات والصحف والإنترنت.
3- عن طريق الاستماع للقراءة يتعلم القارئ الكثير من المهارات مثل ربط الحذاء وركوب الدراجة وحل المشكلات اليومية ومع تقدم المرحلة العمرية يتعلم القارئ عن طريق القراءة أصول وقواعد الطريق، تشغيل برامج الحاسوب، وغيرها من الأمور العلمية العملية.
4- القراءة للأطفال منذ صغرهم تقيهم الكثير من المشكلات السلوكية عند الكبر. فمثلا عند سؤال الطفل الأم أثناء القراءة عن ولادة الطفل الصغير أو الزواج أو التكاثر مثلا يتعلم بأن أسئلته دائما لها إجابة مهما كانت بسيطة ودائما صدر الأم أو الأب متسع لذلك فلا يتوجه إلى المصادر الخاطئة لاستقاء المعلومات.
فالقراءة للطفل وتعويده عليها ليست ترفا أو نشاطا يستخدم لقتل الوقت بل هو أساس لتقدم علمي وذهني للطفل يتفوق به الطفل على أقرانه، وفرصة ثرية لزيادة حصليته اللغوية وأخصاب خياله، وفرصة ثرية لتقوية علاقة القارئ بالمستمع والإجابة بصدر رحب على جميع تساؤلاته والتي ستقيه في المستقبل وتعده لمشكلات الحياة.
باختصار.. القراءة للطفل تعيد تشكيل علاقة الطفل بنفسه وقدرته ووالديه والعالم من حوله.
- netcom199عضو ملكي
- :
عدد الرسائل : 2058
العمر : 49
المزاج : أسألك الدعاء لي
تاريخ التسجيل : 01/11/2008
رد: القراءة للأطفال و إعادة صياغة ا لمستقبل
الأحد 09 أغسطس 2009, 15:19
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى