- سعيد501عضو ملكي
- :
عدد الرسائل : 2046
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 20/12/2007
مكانة المسجد الأقصى في الإسلام
الخميس 30 ديسمبر 2010, 19:00
مكانة المسجد الأقصى في الإسلام
بقلم: الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد...
فإن مكانة القدس في الإسلام عظيمة تمثل مع الحرمين الشريفين -المكي والمدني- بمثابة الرأس من الجسد.
فكما لا يستقيم الجسد بدون رأس، فكذلك لا تستقيم الأمة بدون هذه المساجد الثلاثة التي فضلها الله تعالى على سائر البقاع، عدا البقعة التي ضمت جسده الشريف (ص) لذلك كان لابد للجسد إذا أُريدت له الحياة أن يحافظ على رأسه حتى يبقى حياً، وإلا فإنه يكون في عداد الموتى، وإن كانت صورة الجسد باقية وهذا هو الموت الحقيقي كما قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميتإنما الميت ميت الأحياء
ويتمثل موت الأمة إذا فقدت رأسها، بموت دينها حيث لا يبقى لها عندئذ دين ولا متعبد..
ولذلك كان خراب الكعبة من أشراط الساعة الكبار التي تأتي وليس عليها من يقول: الله الله كما ثبت في حديث أنس عند مسلم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن الحسن البصري أنه تلا قول الله تعالى: «جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس» (المائدة/97).
فقال: «لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة» يعني فإذا لم يحجوا البيت فليسوا على دين.
ومتى لا يحجون البيت؟ إنما ذلك يكون عند خرابه، ولن يكون ذلك إلا عند قرب الساعة كما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي (ص) قال: «لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت».
وذلك يكون عند خرابه على يد ذي السويقتين الحبشي كما أشار إلى ذلك حديث الشيخين عن أبي هريرة أنه قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» وفي رواية لهما من حديث ابن عباس: «كأني به أسود أفجح يقلعها حجراً حجراً».
فقد جعل النبي (ص) ذلك دليل ذهاب الدين، واقتراب الوعد الحق من قيام الساعة التي لا ريب فيها..
وإذا علمنا أن المسجد الأقصى هو صنو المسجدين المكي والمدني فلنعلم أن ذهابه إيذان بذهابهما، وحفظه إيذان بحفظهما، لذلك كانت المحافظة عليه محافظة على الدين، والتفريط فيه تفريط في الدين.. وذلك هو الخذلان المبين..
وبرهان ذلك أن أعداء الله تعالى اليهود ما أن وضعوا أقدامهم على المسجد الأقصى حتى أعلنوا أن خطواتهم التالية هي صوب مكة والمدينة كما صرحوا بذلك غير مبالين.لذلك كان لا بد للمسلمين، أن يعلموا حقيقة المسجد الأقصى وعلاقته بالإسلام، وعلاقة المسلمين به.. حتى لا يفرطوا بدينهم وإلا فقد أضاعوا الدين وإخوانهم المؤمنين.
ولبيان منزلته من الدين سنحاول الحديث عنه من خلال المحاور الاتية:
1- ارتباط البيت المقدس بحادثة الإسراء والمعراج ودلالة ذلك في الإسلام.
2- ارتباطه بالقبلة المشرفة، ودلالة ذلك على الإيمان.
3- الحكم الشرعي في اغتصاب أرض الإسلام.
وسنحاول بيان هذه المحاور بشيءٍ من التفصيل الموجز..
المحور الأول: ارتباط البيت المقدس، بحادثة الإسراء والمعراج ودلالة ذلك للمسلمين.
لقد ارتبط المسجد الأقصى بالحرمين الشريفين في محكم الكتاب ونصوص سيد الأحباب (ص) للتدليل على أن التلازم بين هذه المساجد وثيق، وأنها تشكل وحدة كاملة في دين الإسلام.
ففي حادثة الإسراء والمعراج يقول الحق سبحانه وتعالى: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير» الإسراء/1.
ترى لماذا كان الإسراء إلى المسجد الأقصى بالذات؟
فإن قلت ليجمع الله تعالى أنبياء بني إسرائيل ويسلموا له بالنبوة والرسالة.
قلت: كان هذا ممكناً في البيت الحرام، لا سيما إذا علمنا أنه ما من نبي إلا وقد حج، كما ثبت في الحديث عنه(ص).
وإن قلت: لأن المسجد الأقصى كان مهاجر إبراهيم(ع).
أجيب: بأن إبراهيم قد هاجر أيضاً إلى مكة واستودع أهله وولده، وبنى لله تعالى فيها بيته.
فتعين أن يكون ذك للتدليل على أن المسجد الأقصى هو مسجد لرسول الله (ص) وللمسلمين من بعده، وقد جمع الله تعالى له الأنبياء عامة، وأنبياء بني إسرائيل خاصة حتى يسلموا له بالنبوة وفاء لما عاهدوا الله تعالى عليه كما أشار إلى ذلك قول الحق سبحانه: «وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق ما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين» آل عمران/81.
وتسليماً لأرض المقدس إلى خاتم الأنبياء والمرسلين لأنها أرض مباركة كما أخبر الله تعالى عنها بمثل قوله: «وجعلنا بينهم وبينا القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة» سبأ/18. وكما قال: «باركنا حوله». وقال: «ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين» الأنبياء/71.
وذلك حتى يحافظ المسلمون على بركة هذا البلد ويعمروه بطاعة الله، ولا يدنسوه برجس الوثنية التي آلت إليها اليهود، ولا بالمعاصي السيئة التي آلت إليها المجوس، أواللادينية.. كما يحافظون على صنوه المبارك المسجد الحرام الذي قال الله تعالى فيه: «إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركاً» آل عران/96.
فكلاهم مسجد مبارك، وعلى المسلمين أن يحافظوا عليهما معاً وإلا يفرقوا بين المتماثلين في الحماية والنصرة.
وهذا المعنى هو الذي يدل عليه قوله (صلى الله عليه واله وسلم) لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، المسجد الأقصى ومسجد الرسول (ص) كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبو هريرة، وأخرجاه من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى».
حيث أن النبي (ص) ربط بين هذه المساجد برباط واحد، وهو مشروعية شد الرحال إليها لقصد التعبد فيها، لأنها كلها مساجد الإسلام والمسلمين مهما اختلفت ديارهم، وتباينت ألوانهم، أو تباعدت عصورهم فأي مسلم أراد أن يشد رحله إلى أحد هذه المساجد الثلاثة كان ذلك حقاً له، لا يمنعه جور سلطان ولا اختلاف الحدثان ودل على ذلك أيضاً أنه (ص) جعل هذه الثلاثة مساجد متقاربة في الفضل، متنافسة في الأجر، فقد أخرج البزار وحسَّنه الطبراني من حديث أبي الدرداء أنه قال: «الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة».
ومعنى ذلك أن هذه الثلاثة مساجد تتنافس في الفضائل دون سائر المساجد... لذلك لو نذر المسلم الصلاة في أحدها تعين الوفاء بنذره وكفاه أن يصلي في أي مسجد شاء، لأنها في الفضل سواء وهذا مما لا خلاف فيه بين علماء الإسلام.
بل لقد كان المسجد الأقصى ينافس المسجد الحرام حتى في البناء والإنشاء فقد سئل النبي(ص) عن أي مسجد وضع في ارض أولاً؟ فقال: «المسجد الحرام» قيل ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى».. كما أخرج ذلك البخاري من حديث أبي ذر، وزاد أحمد قيل كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة».
ولقد شابه المسجد الأقصى المسجد الحرام في مسألة لم يشابهه فيها حتى مسجد النبي (ص)، وذلك في مسألة غفران الذنوب والخروج من الخطايا كيوم ولدت الإنسان أمه، وذلك ما دل عليه حديث ابن عمر عند أحمد والنسائي أنه قال: «إن سليمان بن داوود (ع) لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثاً: سأله حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعد فأوتيه، وسأله حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا لصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه». زاد في رواية: «فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل يعني قد أعطاه إياها».
والمسلمون لا يكادون يعرفون هذه المنقبة إلا لمن أتى المسجد الحرام حاجاً أو معتمراً كما أثبت في الحديث عن رسول الله (ص) قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
وفي حديث آخر قال (ص): «العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
وهذه المنقبة وإن كانت خاصة بالمسجد الحرام فهذا المسجد الأقصى قد شاركه فيها، ومن المعلوم أن الفضائل والمزايا لا تتزاحم لكن الدلالة الواضحة منه تقول إن المسجد الأقصى هو صنو المسجد الحرام.
المحور الثاني: ارتباط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى في جوهر الإيمان ودلالة ذلك في الإسلام
وإذا أقترن المسجد الأقصى بالمسجد الحرام في حادثة الإسراء فقد اقترن به في جوهر الإيمان، وخلاصة التعبد للرحمن وذلك في مسألة التوجه شطره في الصلاة.
فقد كان المسجد الأقصى قبلة الأنبياء السابقين، ومعلوم أنهم جميعاً أتوا بالإسلام، فما من نبي إلا وأعلن أن دينه الإسلام وإن اختلفت الشرائع بينهم، وقد كان النبي (ص) على سننَ الأنبياء قبله كما أوحى الله تعالى بذلك حيث قال: «أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده» الأنعام/90.
وكان من إقتدائه بهم أن يتوجه إلى البيت المقدس في صلاته أتباعاً لشرع الله الذي شرع له... ظل على ذلك الحال مدة نبوته في مكة، وهو يرى الكعبة أمامه ويطمع في التوجه إليها، ولا يسعه ذلك لعدم شرع الله تعالى له، وإن وسعه الجمع بين الحسنيين حيث يتجه إليهما معاً من الجهة اليمانية فكان يقف بين الركنين ويجعل الكعبة أمامه وبيت المقدس في اتجاهه ووجهته... غير أنه لما هاجر إلى المدينة المنورة لم يعد في وسعه هذا الجمع حيث غدت الكعبة جنوباً، وبيت المقدس شمالاً، وعمرك الله كيف يلتقيان؟ ولقد ظل صلوات الله عليه واله يطمع في التوجه إلى الكعبة المشرفة بيت الله العتيق وبيته المعظم، ويقلب وجهه ستة عشر شهراً حتى سارع الله تعالى في رضاه وأنزل عليه قوله: «قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره..» البقرة/144.
وكرر له هذا الأمر ثلاث مرات حتى يعلم الجميع أن الأمر كله لله، وأنه الذي أمر بالتوجه إلى بيت المقدس أولاً ثم إلى بيته المعظم ثانياً، وأنه يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء، فالأمر أمره والشرع شرعه فله الأمر من قبلُ ومن بعد فلا مجال لسفاهة السفهاء، ولا لاعتراض مرضى القلوب أو من في قلوبهم زيغ.
غير أن الذي يدل عليه الحدثَ أن بيت المقدس هو أولى القبلتين، وأنه ثالث الحرمين الشريفين.
وأنه وإن نسخ استقباله في الصلاة لحكمة أرادها الله تعالى، لكن ذلك لا يعني ذهاب قدسيته، بل قدسيته باقية ومكانته لدى المسلمين عالية.
وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة الأخرى: «ما ننسخ من أية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها» البقرة/106.
ويذكر علماء الأصول مسألة تحويل القبلة مثلاً للنسخ بالبدل أو النسخ بالمثل حيث استبدلت قبلة بأخرى...
ولعل السر في استقبال بيت المقدس أولا ثم تحويله بعد ذلك إلى بيت الله الحرام وقد علم الله تعالى أن ذلك كائن بعدُ لا محالة... هو تنبيه المسلمين إلى ما يجب عليهم القيام به نحو بيت المقدس من الحفاظ عليه حتى لا يلتهمه أعداء الله وأعداء البشرية، الذين كتب عليهم اللعنة، وضرب عليهم الذلة والهوان فلا يقومون على ساق إلا بحبل من الله، وقد قطعوه، أو حبل من الناس، ومن البديهي أن من أستعَزّ بغير الله تعالى ذل لا محالة إن عاجلاً أو آجلا...
فجعل الله تعالى هذه المسألة خالدة، وأذهان المسلمين حتى لا ينسوها ما بقى فيهم القران الكريم، وما بقيت قلوبهم عامرة بالإيمان، وذلك بتسطير هذا الحدث بكتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
والسر في أن الأمة الإسلامية هي الوحيدة بالعناية ببيت المقدس، وأنها هي الأمة التي غدت مؤمنة بالله تعالى رباً لا شريك له، وأنها هي الأمة التي غدت عابدة لله تعالى وحده... بخلاف غيرها من الأمم، فإنها قد عادت إلى الجاهلية هي أشد من الجاهلية الأولى. فهي بين إشراك بالله كالأمة الصليبية، أو كفر به كالأمة اليهودية التي تهزأ بالحق سبحانه فكفرت به، وبآياته وملائكته ورسله...
أو أمة دهرية لا تعرف رباً ولا ديناً، أو أمة مجوسية تعبد الأهواء وما أحبت من كائنات...
فلم يعد في الأرض أحق بشعائر الله تعالى وعالم دينه من الأمة الإسلامية التي ارتضى الله تعالى لها الإسلام دينا وجعلها شاهدة على الأمم » وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً». ومحا بدينها ظُلم الجهالات، وبدد به المنكرات.
«كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» آل عمران/110.
وهذه الحقيقة هي التي أشار إليها الحق سبحانه وتعالى بقوله: «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور» الحج/41.
ولقد مكن الله تعالى للمسلمين فتح بيت المقدس من عصر الأمة الإسلامية الأول في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فأقام فيه الصلاة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وثبت دين الله تعالى في الأرض وما زال والحمد لله تعالى كذلك، وإن قام الطغيان فيه وصال وجال، فإنه لا بد زائل كما اذن الله تعالى عباده بذلك بمثل قوله: «فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا» الإسراء/5. وقوله: «وإن عدتم عدنا» الإسراء/8.
وهو الأمر الذي بشر به النبي (ص) في الأحاديث الصحيحة التي كادت تبلغ مبلغ التواتر وذلك بمثل قوله: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» كما أخرج ذلك البخاري ومسلم من حديث ابي هريرة ومن حديث عبد الله بن عمر(رض). وهذا وعد الله تعالى الذي لا يُخلف «وعدُ الله لا يخلف الله وعده» الروم/6.
ونحن وإن استعجلنا ذلك اليوم إلا أن الله لا يعجل لعجلتنا، فعلينا الأخذ بالأسباب وإعداد العدة الذاتية حساً ومعنى، ولا نركن إلى تحقيق نتائج من غير سعي إليها، فإن ذلك تواكل مذموم، وقد قال الله تعالى: «وأعدوا هم ما استطعتم من قوة» الأنفال/60.
ومن الإعداد مثل هذا المؤتمر الذي يشحذ الهمم ويذكر الغافلين، ويحيي قلوب الميتين، لعله يصادف أُذُناً واعية، ونفساً زاكية، فتحيي سنة الجهاد ويعود مجد الآباء والأجداد. وما ذلك على الله بعزيز: «إنا لننصر رُسُلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد» غافر/51.
المحور الثالث: الحكم الشرعي في اغتصاب أرض الإسلام:
وقبل أن نتكلم عن الحكم الشرعي... نبين أرض الإسلام ما هي فنقول: أرض الإسلام، أو دار الإسلام هي التي يسكنها المسلمون وإن كان فيها أهل ذمة، أو فتحها المسلمون وأقروها بيد الكفار، أو كانوا يسكنونها ثم جلاهم الكفار عنها وأرض المقدس هي دار الإسلام كل معنى من المعاني السابقة.. فإنها أرض يسكنها المسلمون منذ أن فتحها عمر بن الخطاب عام 51 هجري.
وقد كان اليهود والنصارى فيها أهل ذمة، فمنذ أن دخلها عمر فاتحاً بعد أن أبى أهلها تسليمها إلا إليه يداً بيد، ولعل ذلك ليكون أثبت بالحجة عليهم حيث سلموها إليه طائعين بعد الحصار الذي دام نحو شهرين بل راضين بحكم الإسلام ومطمئنين لعدله وأمنه.
وحجة على المسلمين أن لا يفرطوا في هذه البقعة التي فتحها أميرهم صاحب رسول الله (ص) وقد كان غاية في عدله وإنصافه حيث كتب لهم عهداً يتضمن قمة السماحة التي لا تعرفها البلاد المفتوحة إلا في ظل الإسلام، وهو العهد الموثق حتى صار في مصادرهم وكنائسهم والذي جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أن لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منه ولا من حيّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود...الخ» ما جاء في العهد من إعطائهم الحق، وأخذ الحق منهم.
وأين هذا من حالهم الآن حينما نكثوا ما عاهدوا الله عليه؟! وهي أرض الإسلام لأن المسلمين هم الذين فتحوها... وأقروا من فيها فقط على السكني والعيش بأمان وسلام ووئام، وهي أرض الإسلام اليوم، وإن اُجلي كثير من المسلمين منها بل ولو أُجلي كافة المسلمين منها، فإن الباطل وإن علا فلا بد من أن يعود الحق لأهله... «فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» الرعد/17.
وإذا علمنا أن أرض المقدس هي أرض إسلامية فإن ذلك يحتم علينا معرفة حكم الإسلام في أراضي الإسلام ودياره السليبة.
فلنعلم أن كلمة علماء الإسلام واحدة في وجوب جهاد أعداء الإسلام إذا استباحوا بيضة الإسلام أو احتلوا جزءاً من أجزائه، فقد قال علامة عصره، وإمام دهره أبو محمد علب بن أحمد بن حزم في «مراتب الإجماع ص 911».
(أتفقوا -أي علماء الإسلام- على أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين).
فهذا نص الإجماع الذي هو حجة قطعية بين المسلمين، وهو نص على وجوب جهاد كل من اغتصب أرض الإسلام، وأبرز أولئك المغتصبين هم اليهود الجاثمين على ربا القدس وسائر المدن والقرى الفلسطينية.
ومن خلال هذا الإجماع، فقد قرر علماء الإسلام أنه إذا استولى الكفار على بقعة من دار الإسلام صار الجهاد فرض عين على جميع أفراد الناحية التي استولى عليها الكفار رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً و أصحاء ومرضى، فإذا لم يستطع أهل الناحية دفع العدو عن دار الإسلام صار الجهاد فرض عين على من يليهم من أهل النواحي الأخرى من دار الإسلام.. وهكذا حتى يكون الجهاد فرض عين على جميع المسلمين.
وقرروا على أنه لا يجوز تمكين غير المسلمين من دار الإسلام، وأن جميع المسلمين يأثمون إذا تركوا الكفار يستولون على شيءٍ من ديار الإسلام.
وهذا ما أجمعت عليه المراجع الفقهية لمختلف المذاهب الفقهية وذلك لأنه إذا اثبت أن تلك الديار هي ديار إسلام فإنها لا تتحول إلى ديار كفر وحرب مهما تعّرضت البلدة الإسلامية للضعف أو العدوان أو تسلط الاستعمار فإنها لا تنقلب دار كفر بحال من الأحوال، وإن استولى الكفار عليها، وأجلوا المسلمين عنها وأظهروا فيه أحكامهم، بل تظل دار إسلام وعلى المسلمين أن يتحملوا مسوؤلية الذود عنها وقتال المتسلطين عليها بما أوتوا من قوة وحيلة، ولو أدى ذلك إلى التضحية بالنفس والاستشهاد بالروح حتى يجُلى الغاصب ويعود الحق إلى نصابه، وحجة ذلك ما أخرجه الدار القطني وغيره من حديث عائذ بن عمرو المزني أنه قال: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه».
وإذا تقرر هذا الحكم فلنعلم إننا معشر المسلمين إذا لم نقم بواجب الجهاد والذود عن حياض الإسلام والمسلمين ومقدساتهم، فإن المسلمين يكونون آثمين إثم ترك فرض العين على أهل البلاد التي وقع عليها الاستعمار وإثم ترك فرض الكفاية على البلاد الإسلامية الأقرب فالأقرب وهذا جهاد البدن والنفس.
أما جهاد المال والكلمة والنية فلا يعذر فيه أحد من المسلمين، فقد قال الله تعالى مخاطباً عموم المسلمين: «انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون» التوبة/41.
وقال الرسول (ص): «جاهدوا بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» وقال (ص) يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا».
فنسال الله تعالى أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ويجاهد فيه حق جهاده.
والحمد لله رب العالمين
بقلم: الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد...
فإن مكانة القدس في الإسلام عظيمة تمثل مع الحرمين الشريفين -المكي والمدني- بمثابة الرأس من الجسد.
فكما لا يستقيم الجسد بدون رأس، فكذلك لا تستقيم الأمة بدون هذه المساجد الثلاثة التي فضلها الله تعالى على سائر البقاع، عدا البقعة التي ضمت جسده الشريف (ص) لذلك كان لابد للجسد إذا أُريدت له الحياة أن يحافظ على رأسه حتى يبقى حياً، وإلا فإنه يكون في عداد الموتى، وإن كانت صورة الجسد باقية وهذا هو الموت الحقيقي كما قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميتإنما الميت ميت الأحياء
ويتمثل موت الأمة إذا فقدت رأسها، بموت دينها حيث لا يبقى لها عندئذ دين ولا متعبد..
ولذلك كان خراب الكعبة من أشراط الساعة الكبار التي تأتي وليس عليها من يقول: الله الله كما ثبت في حديث أنس عند مسلم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن الحسن البصري أنه تلا قول الله تعالى: «جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس» (المائدة/97).
فقال: «لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة» يعني فإذا لم يحجوا البيت فليسوا على دين.
ومتى لا يحجون البيت؟ إنما ذلك يكون عند خرابه، ولن يكون ذلك إلا عند قرب الساعة كما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي (ص) قال: «لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت».
وذلك يكون عند خرابه على يد ذي السويقتين الحبشي كما أشار إلى ذلك حديث الشيخين عن أبي هريرة أنه قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» وفي رواية لهما من حديث ابن عباس: «كأني به أسود أفجح يقلعها حجراً حجراً».
فقد جعل النبي (ص) ذلك دليل ذهاب الدين، واقتراب الوعد الحق من قيام الساعة التي لا ريب فيها..
وإذا علمنا أن المسجد الأقصى هو صنو المسجدين المكي والمدني فلنعلم أن ذهابه إيذان بذهابهما، وحفظه إيذان بحفظهما، لذلك كانت المحافظة عليه محافظة على الدين، والتفريط فيه تفريط في الدين.. وذلك هو الخذلان المبين..
وبرهان ذلك أن أعداء الله تعالى اليهود ما أن وضعوا أقدامهم على المسجد الأقصى حتى أعلنوا أن خطواتهم التالية هي صوب مكة والمدينة كما صرحوا بذلك غير مبالين.لذلك كان لا بد للمسلمين، أن يعلموا حقيقة المسجد الأقصى وعلاقته بالإسلام، وعلاقة المسلمين به.. حتى لا يفرطوا بدينهم وإلا فقد أضاعوا الدين وإخوانهم المؤمنين.
ولبيان منزلته من الدين سنحاول الحديث عنه من خلال المحاور الاتية:
1- ارتباط البيت المقدس بحادثة الإسراء والمعراج ودلالة ذلك في الإسلام.
2- ارتباطه بالقبلة المشرفة، ودلالة ذلك على الإيمان.
3- الحكم الشرعي في اغتصاب أرض الإسلام.
وسنحاول بيان هذه المحاور بشيءٍ من التفصيل الموجز..
المحور الأول: ارتباط البيت المقدس، بحادثة الإسراء والمعراج ودلالة ذلك للمسلمين.
لقد ارتبط المسجد الأقصى بالحرمين الشريفين في محكم الكتاب ونصوص سيد الأحباب (ص) للتدليل على أن التلازم بين هذه المساجد وثيق، وأنها تشكل وحدة كاملة في دين الإسلام.
ففي حادثة الإسراء والمعراج يقول الحق سبحانه وتعالى: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير» الإسراء/1.
ترى لماذا كان الإسراء إلى المسجد الأقصى بالذات؟
فإن قلت ليجمع الله تعالى أنبياء بني إسرائيل ويسلموا له بالنبوة والرسالة.
قلت: كان هذا ممكناً في البيت الحرام، لا سيما إذا علمنا أنه ما من نبي إلا وقد حج، كما ثبت في الحديث عنه(ص).
وإن قلت: لأن المسجد الأقصى كان مهاجر إبراهيم(ع).
أجيب: بأن إبراهيم قد هاجر أيضاً إلى مكة واستودع أهله وولده، وبنى لله تعالى فيها بيته.
فتعين أن يكون ذك للتدليل على أن المسجد الأقصى هو مسجد لرسول الله (ص) وللمسلمين من بعده، وقد جمع الله تعالى له الأنبياء عامة، وأنبياء بني إسرائيل خاصة حتى يسلموا له بالنبوة وفاء لما عاهدوا الله تعالى عليه كما أشار إلى ذلك قول الحق سبحانه: «وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق ما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين» آل عمران/81.
وتسليماً لأرض المقدس إلى خاتم الأنبياء والمرسلين لأنها أرض مباركة كما أخبر الله تعالى عنها بمثل قوله: «وجعلنا بينهم وبينا القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة» سبأ/18. وكما قال: «باركنا حوله». وقال: «ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين» الأنبياء/71.
وذلك حتى يحافظ المسلمون على بركة هذا البلد ويعمروه بطاعة الله، ولا يدنسوه برجس الوثنية التي آلت إليها اليهود، ولا بالمعاصي السيئة التي آلت إليها المجوس، أواللادينية.. كما يحافظون على صنوه المبارك المسجد الحرام الذي قال الله تعالى فيه: «إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركاً» آل عران/96.
فكلاهم مسجد مبارك، وعلى المسلمين أن يحافظوا عليهما معاً وإلا يفرقوا بين المتماثلين في الحماية والنصرة.
وهذا المعنى هو الذي يدل عليه قوله (صلى الله عليه واله وسلم) لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، المسجد الأقصى ومسجد الرسول (ص) كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبو هريرة، وأخرجاه من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى».
حيث أن النبي (ص) ربط بين هذه المساجد برباط واحد، وهو مشروعية شد الرحال إليها لقصد التعبد فيها، لأنها كلها مساجد الإسلام والمسلمين مهما اختلفت ديارهم، وتباينت ألوانهم، أو تباعدت عصورهم فأي مسلم أراد أن يشد رحله إلى أحد هذه المساجد الثلاثة كان ذلك حقاً له، لا يمنعه جور سلطان ولا اختلاف الحدثان ودل على ذلك أيضاً أنه (ص) جعل هذه الثلاثة مساجد متقاربة في الفضل، متنافسة في الأجر، فقد أخرج البزار وحسَّنه الطبراني من حديث أبي الدرداء أنه قال: «الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة».
ومعنى ذلك أن هذه الثلاثة مساجد تتنافس في الفضائل دون سائر المساجد... لذلك لو نذر المسلم الصلاة في أحدها تعين الوفاء بنذره وكفاه أن يصلي في أي مسجد شاء، لأنها في الفضل سواء وهذا مما لا خلاف فيه بين علماء الإسلام.
بل لقد كان المسجد الأقصى ينافس المسجد الحرام حتى في البناء والإنشاء فقد سئل النبي(ص) عن أي مسجد وضع في ارض أولاً؟ فقال: «المسجد الحرام» قيل ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى».. كما أخرج ذلك البخاري من حديث أبي ذر، وزاد أحمد قيل كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة».
ولقد شابه المسجد الأقصى المسجد الحرام في مسألة لم يشابهه فيها حتى مسجد النبي (ص)، وذلك في مسألة غفران الذنوب والخروج من الخطايا كيوم ولدت الإنسان أمه، وذلك ما دل عليه حديث ابن عمر عند أحمد والنسائي أنه قال: «إن سليمان بن داوود (ع) لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثاً: سأله حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعد فأوتيه، وسأله حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا لصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه». زاد في رواية: «فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل يعني قد أعطاه إياها».
والمسلمون لا يكادون يعرفون هذه المنقبة إلا لمن أتى المسجد الحرام حاجاً أو معتمراً كما أثبت في الحديث عن رسول الله (ص) قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
وفي حديث آخر قال (ص): «العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
وهذه المنقبة وإن كانت خاصة بالمسجد الحرام فهذا المسجد الأقصى قد شاركه فيها، ومن المعلوم أن الفضائل والمزايا لا تتزاحم لكن الدلالة الواضحة منه تقول إن المسجد الأقصى هو صنو المسجد الحرام.
المحور الثاني: ارتباط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى في جوهر الإيمان ودلالة ذلك في الإسلام
وإذا أقترن المسجد الأقصى بالمسجد الحرام في حادثة الإسراء فقد اقترن به في جوهر الإيمان، وخلاصة التعبد للرحمن وذلك في مسألة التوجه شطره في الصلاة.
فقد كان المسجد الأقصى قبلة الأنبياء السابقين، ومعلوم أنهم جميعاً أتوا بالإسلام، فما من نبي إلا وأعلن أن دينه الإسلام وإن اختلفت الشرائع بينهم، وقد كان النبي (ص) على سننَ الأنبياء قبله كما أوحى الله تعالى بذلك حيث قال: «أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده» الأنعام/90.
وكان من إقتدائه بهم أن يتوجه إلى البيت المقدس في صلاته أتباعاً لشرع الله الذي شرع له... ظل على ذلك الحال مدة نبوته في مكة، وهو يرى الكعبة أمامه ويطمع في التوجه إليها، ولا يسعه ذلك لعدم شرع الله تعالى له، وإن وسعه الجمع بين الحسنيين حيث يتجه إليهما معاً من الجهة اليمانية فكان يقف بين الركنين ويجعل الكعبة أمامه وبيت المقدس في اتجاهه ووجهته... غير أنه لما هاجر إلى المدينة المنورة لم يعد في وسعه هذا الجمع حيث غدت الكعبة جنوباً، وبيت المقدس شمالاً، وعمرك الله كيف يلتقيان؟ ولقد ظل صلوات الله عليه واله يطمع في التوجه إلى الكعبة المشرفة بيت الله العتيق وبيته المعظم، ويقلب وجهه ستة عشر شهراً حتى سارع الله تعالى في رضاه وأنزل عليه قوله: «قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره..» البقرة/144.
وكرر له هذا الأمر ثلاث مرات حتى يعلم الجميع أن الأمر كله لله، وأنه الذي أمر بالتوجه إلى بيت المقدس أولاً ثم إلى بيته المعظم ثانياً، وأنه يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء، فالأمر أمره والشرع شرعه فله الأمر من قبلُ ومن بعد فلا مجال لسفاهة السفهاء، ولا لاعتراض مرضى القلوب أو من في قلوبهم زيغ.
غير أن الذي يدل عليه الحدثَ أن بيت المقدس هو أولى القبلتين، وأنه ثالث الحرمين الشريفين.
وأنه وإن نسخ استقباله في الصلاة لحكمة أرادها الله تعالى، لكن ذلك لا يعني ذهاب قدسيته، بل قدسيته باقية ومكانته لدى المسلمين عالية.
وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة الأخرى: «ما ننسخ من أية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها» البقرة/106.
ويذكر علماء الأصول مسألة تحويل القبلة مثلاً للنسخ بالبدل أو النسخ بالمثل حيث استبدلت قبلة بأخرى...
ولعل السر في استقبال بيت المقدس أولا ثم تحويله بعد ذلك إلى بيت الله الحرام وقد علم الله تعالى أن ذلك كائن بعدُ لا محالة... هو تنبيه المسلمين إلى ما يجب عليهم القيام به نحو بيت المقدس من الحفاظ عليه حتى لا يلتهمه أعداء الله وأعداء البشرية، الذين كتب عليهم اللعنة، وضرب عليهم الذلة والهوان فلا يقومون على ساق إلا بحبل من الله، وقد قطعوه، أو حبل من الناس، ومن البديهي أن من أستعَزّ بغير الله تعالى ذل لا محالة إن عاجلاً أو آجلا...
فجعل الله تعالى هذه المسألة خالدة، وأذهان المسلمين حتى لا ينسوها ما بقى فيهم القران الكريم، وما بقيت قلوبهم عامرة بالإيمان، وذلك بتسطير هذا الحدث بكتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
والسر في أن الأمة الإسلامية هي الوحيدة بالعناية ببيت المقدس، وأنها هي الأمة التي غدت مؤمنة بالله تعالى رباً لا شريك له، وأنها هي الأمة التي غدت عابدة لله تعالى وحده... بخلاف غيرها من الأمم، فإنها قد عادت إلى الجاهلية هي أشد من الجاهلية الأولى. فهي بين إشراك بالله كالأمة الصليبية، أو كفر به كالأمة اليهودية التي تهزأ بالحق سبحانه فكفرت به، وبآياته وملائكته ورسله...
أو أمة دهرية لا تعرف رباً ولا ديناً، أو أمة مجوسية تعبد الأهواء وما أحبت من كائنات...
فلم يعد في الأرض أحق بشعائر الله تعالى وعالم دينه من الأمة الإسلامية التي ارتضى الله تعالى لها الإسلام دينا وجعلها شاهدة على الأمم » وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً». ومحا بدينها ظُلم الجهالات، وبدد به المنكرات.
«كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» آل عمران/110.
وهذه الحقيقة هي التي أشار إليها الحق سبحانه وتعالى بقوله: «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور» الحج/41.
ولقد مكن الله تعالى للمسلمين فتح بيت المقدس من عصر الأمة الإسلامية الأول في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فأقام فيه الصلاة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وثبت دين الله تعالى في الأرض وما زال والحمد لله تعالى كذلك، وإن قام الطغيان فيه وصال وجال، فإنه لا بد زائل كما اذن الله تعالى عباده بذلك بمثل قوله: «فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا» الإسراء/5. وقوله: «وإن عدتم عدنا» الإسراء/8.
وهو الأمر الذي بشر به النبي (ص) في الأحاديث الصحيحة التي كادت تبلغ مبلغ التواتر وذلك بمثل قوله: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» كما أخرج ذلك البخاري ومسلم من حديث ابي هريرة ومن حديث عبد الله بن عمر(رض). وهذا وعد الله تعالى الذي لا يُخلف «وعدُ الله لا يخلف الله وعده» الروم/6.
ونحن وإن استعجلنا ذلك اليوم إلا أن الله لا يعجل لعجلتنا، فعلينا الأخذ بالأسباب وإعداد العدة الذاتية حساً ومعنى، ولا نركن إلى تحقيق نتائج من غير سعي إليها، فإن ذلك تواكل مذموم، وقد قال الله تعالى: «وأعدوا هم ما استطعتم من قوة» الأنفال/60.
ومن الإعداد مثل هذا المؤتمر الذي يشحذ الهمم ويذكر الغافلين، ويحيي قلوب الميتين، لعله يصادف أُذُناً واعية، ونفساً زاكية، فتحيي سنة الجهاد ويعود مجد الآباء والأجداد. وما ذلك على الله بعزيز: «إنا لننصر رُسُلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد» غافر/51.
المحور الثالث: الحكم الشرعي في اغتصاب أرض الإسلام:
وقبل أن نتكلم عن الحكم الشرعي... نبين أرض الإسلام ما هي فنقول: أرض الإسلام، أو دار الإسلام هي التي يسكنها المسلمون وإن كان فيها أهل ذمة، أو فتحها المسلمون وأقروها بيد الكفار، أو كانوا يسكنونها ثم جلاهم الكفار عنها وأرض المقدس هي دار الإسلام كل معنى من المعاني السابقة.. فإنها أرض يسكنها المسلمون منذ أن فتحها عمر بن الخطاب عام 51 هجري.
وقد كان اليهود والنصارى فيها أهل ذمة، فمنذ أن دخلها عمر فاتحاً بعد أن أبى أهلها تسليمها إلا إليه يداً بيد، ولعل ذلك ليكون أثبت بالحجة عليهم حيث سلموها إليه طائعين بعد الحصار الذي دام نحو شهرين بل راضين بحكم الإسلام ومطمئنين لعدله وأمنه.
وحجة على المسلمين أن لا يفرطوا في هذه البقعة التي فتحها أميرهم صاحب رسول الله (ص) وقد كان غاية في عدله وإنصافه حيث كتب لهم عهداً يتضمن قمة السماحة التي لا تعرفها البلاد المفتوحة إلا في ظل الإسلام، وهو العهد الموثق حتى صار في مصادرهم وكنائسهم والذي جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أن لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منه ولا من حيّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود...الخ» ما جاء في العهد من إعطائهم الحق، وأخذ الحق منهم.
وأين هذا من حالهم الآن حينما نكثوا ما عاهدوا الله عليه؟! وهي أرض الإسلام لأن المسلمين هم الذين فتحوها... وأقروا من فيها فقط على السكني والعيش بأمان وسلام ووئام، وهي أرض الإسلام اليوم، وإن اُجلي كثير من المسلمين منها بل ولو أُجلي كافة المسلمين منها، فإن الباطل وإن علا فلا بد من أن يعود الحق لأهله... «فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» الرعد/17.
وإذا علمنا أن أرض المقدس هي أرض إسلامية فإن ذلك يحتم علينا معرفة حكم الإسلام في أراضي الإسلام ودياره السليبة.
فلنعلم أن كلمة علماء الإسلام واحدة في وجوب جهاد أعداء الإسلام إذا استباحوا بيضة الإسلام أو احتلوا جزءاً من أجزائه، فقد قال علامة عصره، وإمام دهره أبو محمد علب بن أحمد بن حزم في «مراتب الإجماع ص 911».
(أتفقوا -أي علماء الإسلام- على أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين).
فهذا نص الإجماع الذي هو حجة قطعية بين المسلمين، وهو نص على وجوب جهاد كل من اغتصب أرض الإسلام، وأبرز أولئك المغتصبين هم اليهود الجاثمين على ربا القدس وسائر المدن والقرى الفلسطينية.
ومن خلال هذا الإجماع، فقد قرر علماء الإسلام أنه إذا استولى الكفار على بقعة من دار الإسلام صار الجهاد فرض عين على جميع أفراد الناحية التي استولى عليها الكفار رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً و أصحاء ومرضى، فإذا لم يستطع أهل الناحية دفع العدو عن دار الإسلام صار الجهاد فرض عين على من يليهم من أهل النواحي الأخرى من دار الإسلام.. وهكذا حتى يكون الجهاد فرض عين على جميع المسلمين.
وقرروا على أنه لا يجوز تمكين غير المسلمين من دار الإسلام، وأن جميع المسلمين يأثمون إذا تركوا الكفار يستولون على شيءٍ من ديار الإسلام.
وهذا ما أجمعت عليه المراجع الفقهية لمختلف المذاهب الفقهية وذلك لأنه إذا اثبت أن تلك الديار هي ديار إسلام فإنها لا تتحول إلى ديار كفر وحرب مهما تعّرضت البلدة الإسلامية للضعف أو العدوان أو تسلط الاستعمار فإنها لا تنقلب دار كفر بحال من الأحوال، وإن استولى الكفار عليها، وأجلوا المسلمين عنها وأظهروا فيه أحكامهم، بل تظل دار إسلام وعلى المسلمين أن يتحملوا مسوؤلية الذود عنها وقتال المتسلطين عليها بما أوتوا من قوة وحيلة، ولو أدى ذلك إلى التضحية بالنفس والاستشهاد بالروح حتى يجُلى الغاصب ويعود الحق إلى نصابه، وحجة ذلك ما أخرجه الدار القطني وغيره من حديث عائذ بن عمرو المزني أنه قال: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه».
وإذا تقرر هذا الحكم فلنعلم إننا معشر المسلمين إذا لم نقم بواجب الجهاد والذود عن حياض الإسلام والمسلمين ومقدساتهم، فإن المسلمين يكونون آثمين إثم ترك فرض العين على أهل البلاد التي وقع عليها الاستعمار وإثم ترك فرض الكفاية على البلاد الإسلامية الأقرب فالأقرب وهذا جهاد البدن والنفس.
أما جهاد المال والكلمة والنية فلا يعذر فيه أحد من المسلمين، فقد قال الله تعالى مخاطباً عموم المسلمين: «انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون» التوبة/41.
وقال الرسول (ص): «جاهدوا بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» وقال (ص) يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا».
فنسال الله تعالى أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ويجاهد فيه حق جهاده.
والحمد لله رب العالمين
رد: مكانة المسجد الأقصى في الإسلام
الإثنين 03 يناير 2011, 17:34
شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
رد: مكانة المسجد الأقصى في الإسلام
الجمعة 27 مايو 2011, 14:03
يسم الله الرحمان الرحيم
بارك الله فيك على هذا المجهود وجزاك الله خيرااا
بارك الله فيكم و في مجهودكم .كما أشكر جميع الاعضاء على التواصل
.وفقكم الله و سدد خطاكم.و الحمد لله لقد صار منتدى الونشريسي من أحسن و
أرقى المنتديات التربوية .و لقد تابعت مسيرته منذ النشئة الى التألق
و
هذه شهادة أن المنتدى يحتوي بين طياته و ثناياه ما ينفع و يفيد.فمزيدا من
الالتفاف نحو هذا المنتدى الذي يستحق المباركة و التشجيع ..
بارك الله فيك على هذا المجهود وجزاك الله خيرااا
بارك الله فيكم و في مجهودكم .كما أشكر جميع الاعضاء على التواصل
.وفقكم الله و سدد خطاكم.و الحمد لله لقد صار منتدى الونشريسي من أحسن و
أرقى المنتديات التربوية .و لقد تابعت مسيرته منذ النشئة الى التألق
و
هذه شهادة أن المنتدى يحتوي بين طياته و ثناياه ما ينفع و يفيد.فمزيدا من
الالتفاف نحو هذا المنتدى الذي يستحق المباركة و التشجيع ..
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى